كم فاض في أثر الهلال العاثر
كم فاض في أثر الهلال العاثر | من مدمع باللؤلؤ المتناثر |
واهتز ضوء في الدراري خلته | ماء ترقرق من ألوف محاجر |
خطب بجانبه يشع وإن جرى | متداركا سح الرباب الهامر |
ترك الدجى وبكل نجم ثابت | من روعه نظرات طرف حائر |
ولكل سيار شعاع سابر | في الغور مهوى كل جد غائر |
إن تجزع الزهر الطويل بقاؤها | ما عذر أصحاب المدى المتقاصر |
وعلام خوف الموت يسطو آخذا | بنفوسنا أخذ العزيز القادر |
والموت ليس سوى التحول في بنى | والفصل بعد الوصل بين عناصر |
لو يعقل الإنسان لم يأبه لما | تجري به سنن النظام القاهر |
ما الجسم إلا حالة وتصير من | صفة إلى أخرى بحكم قاسر |
وهل الحياة سوى اتصال دائب | في الكون بين مبادئ ومصاير |
لكننا نطنا قوانا كلها | دون النهى بنوازع وأواصر |
طلب البقاء وحبنا لذاته | سبب التنكر للقضاء الدائر |
يا ابن العزيز وأنت ثنيان زكا | ما شاء في فينان نسل طاهر |
أسفا على ذاك الجمال المزدهي | أسفا على ذاك الشباب الناضر |
أسفا على تلك الرجاحة في الحجى | أسفا على ذاك الذكاء النادر |
بدت النجابة فيك قبل أوانها | فأتت بآيات كسحر الساحر |
حتى توسم فيك أكبر شيمة | للأمر كل مخالط ومجاور |
لكن دهاك البين في شرخ الصبا | وقضى على الأمل السني السافر |
فإذا بوادر ما رزقت من النهى | كانت لهذا الرزء شر بوادر |
وإذا الشمائل كالأزاهر رقة | عمرن واحرباه عمر أزاهر |
وإذا مواعيد الزمان كعهدها | ذمم وكلن إلى رعاية خافر |
أثكلت مصر وما أبالغ إنني | لم أبد إلا بعض ما في الخاطر |
رويت بأدمعها لم يك تربها | من قبل يسقى بالسحاب الماطر |
يا ويحها لما أدال البين من | طيب اللقاء شجى الوداع الآخر |
ومشت تشيع قطعة من قلبها | في النعش إذ تمشي بعبد القادر |
في مشهد ما قيل في تنظيره | وصف ولم تشهده مقلة ناظر |
شملت به الأحزان شعبا حاشدا | لا فرق بين أكابر وأصاغر |
ما شق جيبا للفجيعة من تقى | لكن تحملها بشق مرائر |
قاصي المباءة والقريب توافدا | لحفاوة فيها بأكرم زائر |
لحفاوة بمجشم عن قومه | هجرا ولم يك روحه بالهجر |
ما قر من شوق إليهم قلبه | وعن الكنانة لم يكن بالصابر |
واسترعت الدنيا لجانب قبره | أنات ملتاع الجوانح زافر |
فلئن وفي ذاك الوفاء لشأنه | شأن الأعزة كابر عن كابر |
ولئن أجل مصر فيه خطبها | فهو الجدير بحبها المتوافر |
أمقدم الفتيان في طلب العلى | ساء العلى إن كنت أول عاثر |
جزت الحقيقة في السناء وفي السنى | تنأى لطيفا كالخيال العابر |
تجد المحاشر للسرور بها الأسى | وترى عظائمهن جد صغائر |
تعدو البهارج كل زور تحتها | وتمر بالزينات مر الساخر |
فلعل خيرا من مقام طية | تنجي من الدهر الخئون الجائر |
من يشتري الدنيا ولو بأحب ما | فيها أباءته بصفقة خاسر |
أمسيت في عدن وخلفت الأسى | في الأرض ملء جوانح وضمائر |
وارحمتا للثاكليك وكم لهم | ذكرى تحرك من شجون الذاكر |
واساهم البلد الأمين وحزنه | بين الطوايا فوق ما في الظاهر |
لا شيء أجمل من مجاملة إذا | صدقت وجاءت من وفي شاكر |
أرثيك يا ولداه بالحس الذي | هو حس مصر وكل قلب شاعر |
ولقد ترى وجه اعتذار للأولى | حبسوا الدموع فأنت أكرم عاذر |
الخلف أبعد ما نظرت مسافة | في الشرق بين أسرة وسرائر |
لو مت في زمن مضى لعلمت كم | من ناظم فيه وكم من ناثر |