الروض المستباح
أين الغناء العذب يا طائري | تسبق فيه كلّ شادٍ طروب |
وأين أفراح الصبّا الزاخر | باللهو ، أم أين المراح الدؤوب |
مالك تلقي نظرة الحائر | يريد يستجلي خفايا الغيوب ؟ |
وما الذي في قلبك الشاعر | قل لي ، فإن البثّ يشفي القلوب |
ما ترى حولك همس الورق | يسكبه في أذن الجدول |
كأنه نجوى محبٍ سرق | هنيهةً من غفلة العذ ّل |
والزّهر الرفاف إما عبق | عبيره يسري مع الشمأل |
وهذه الدنيا ، وهذا الألق | فمتّع النفس ولا تهمل |
بين الفراشات وزهر الربيع | هيمنة الصبّ ، إذا يعتب |
ويح الفرشات ، هواها خدوع | تلهو بهذا ، و بذا تلعب |
كم توهم الزهر هيام الولوع | و قلبها يا طائري قلّب |
فيها إلى التبديل طبع نزوع | و الطبع غلاّب فما يغلب |
وهذه الوردة ذات الرّواء | كم تشتهي لحنك في حبها |
بلبلها اليوم إليها أفاء | وأرسل العطر إلى قلبها |
وفيّ لها ، تلقى الوفاء | أجمل ما تهداه من صحبها |
غنّّ ومتّعها بهذا الصفاء | أو ، لا، فلن تنجو من عتبها |
سوا عجبي ! صمتك رهيب | يا طائري ، ضمّن معنى الحذر |
ترمي بلحظ الصقر نحو الدروب | كأنما أنذرت منها بشر |
ما تأتلي ترقب كالمستريب | أشعر من حوليه وشك الخطر |
أقعى ، على أهبته للوثوب ، | في كبرياء تتحدّى القدر! |
ماذا أرى ؟ هذاك (بومٌ) غريب | منطلق ، حبهم المحيا ، وقاح |
يحوم في الروضة حوماً مريب | غدوّه متّهم .. والرواح |
يطلّ من عينيه قلب جديب | لكنه أرعن ، فيه جماح |
اقتحم الباب اقتحام الغصوب | وجاس في الروض طليق الجناح ! |
عيناه إذ ر أرأتا جمرتان | قد شبّتا ، ما تطمعان الكرى |
عن وكرك المطول لا تحسران | تطلّــعاً يا طائري منكراً .. |
أشرع منقاراً كحد السنان | مضاؤه ، ملتويـــاً أحمرا |
ومخلباً يصرع قلب الأمان | يا ضيعة الوكر وقد أشهرا |
ما شأن ذيّاك الدعيّ الدخيل | في الروض ، والروض حماك الحبيب |
وكيف يغدو مستباحا ذليل | أو غرضاً يرمي بسهمٍ غريب |
أغضيت عن روضك دهراً طويل | يا طائري ، مغرىً بحلم كذوب |
واليوم تصحو عن خيالٍ جميل | مضى مع السّحرة ، غبّ الهبوب ! |
أنفض جناحيك من الرقدة | يا طائري ، أخشى عليك المصير |
لا تمكن (البوم ) من الروضة | أرى لذاك (البوم ) شأناً خطير |
أضبّ اليوم للوكر على شرّة | فيما أراه ، وأذى مستطير |
عليك بالحذر ، فكم غفلة | يؤخذ منها المرء أخذاً نكير |
ويلك ، لا تأمن غريب الديار | فخلفه من مثله معشر |
يا طائري ، إنّ وراء البحار | مثل عديد الذرّ لو تنظر |
تربّصوا في لهفة وانتظار | ودبّروا للأمر ما دبّروا . . |
تحفزهم تلك الأماني الكبار | وأنت أنت المطمع الأكبر |