سكنَ الفؤادُ ، وجفتِ الآماقُ
سكنَ الفؤادُ ، وجفتِ الآماقُ | وَمَضَتْ عَلَى أَعْقَابِهَا الأَشْوَاقُ |
ونزعتُ عنْ نزقِِ الشبيبة ِ والصِبا | بَعْدَ الْمَشِيبِ، ولِلشَّبَابِ نِزَاقُ |
لاَ الدَّارُ دَارٌ بَعْدَ مَا رَحَلَ الصِّبَا | عنّي ، ولا تلكَ الرفاقُ رفاقُ |
ولقدْ جريتُ معَ الغواية ََ والصبا | جَرْيَ الْكُمَيْتِ، وَلِلْغَرَامِ سِبَاقُ |
وَلَبِسْتُ هَذَا الدهْرَ مِنْ أَطْرَافِهِ | و نزعته وقميصه أخلاقُ |
فإذا الشبابُ وديعة ٌ ، وإذا الفتى | هَدْيٌ لِفَاغِرَة ِ الْمَنُونِ يُسَاقُ |
لله أيامٌ لنا معروفة ٌ | سبقتْ ، وليسَ لسبقهنَّ لحاقُ |
حيثُ الصبا نهبٌ ، وسلسالُ الهوى | عَذْبٌ، وآنِيَة ُ السُّرُورِ دِهَاقُ |
فِي جَنَّة ٍ خَضْرَاءَ، وَرْدُ خُدُودِهَا | زَاهٍ، وَغَيْثُ مُدَامِهَا غَيْدَاقُ |
سَفَرتُ بِها الأقمارُ من أطواقِها | وتجمَّعَت بِفنائها العشاقُ |
فالنُطقُ جهرٌ ، والتَّحية ُ قبلة ٌ | بينَ الأحبة ِ ، والسلامُ عِناقُ |
لايسأمونَ اللَّهوَ بينَ مَلاعبٍ | قَدْ قَامَ فِيهَا لِلْخَلاعَة ِ سَاقُ |
يَفتَنُّ عقلُ المرءِ فى تصويرِها | وَتَحَارُ فِي تَمْثِيلِهَا الأَحْدَاقُ |
فَعلى المُروجِ منَ الخمائلِ رفرفٌ | وعلى الخمائلِ للغيومِ رواق |
بَعَثَ الرّبِيعُ لَهُنَّ مِنْ أَنْفَاسِهِ | فَسَمت طِباقٌ فَوقهنَّ طباقُ |
دُنيا نعيمٍ لا بقاءَ لِحُسنها | وَنَعِيمُ دُنْيَا مَا لَهَا مِيثَاقُ |
فلقد مَضى ذاكَ الزمانُ بِحُسنهِ | وسما إلى الهمُّ والإيراقُ |
وَغَدَوْتُ حَرَّانَ الْفُؤَادِ كَأَنَّمَا | ضاقَت على َّ برحبِها الآفاقُ |
نَفِسَت على َّ بنو الزمانِ شَمائلِى | فَلَهُمْ بِذَلِكَ خِفَة ٌ وَنِزَاقُ |
حَسِبوا التَّحولَ فى الطِباعِ خَليقة ً | وتحوُّلُ الأخلاقِ ليسَ يُطاقُ |
تَاللَّهِ أَهْدَأُ أَوْ تَقُومَ قِيَامَة ٌ | فيها الدِماء على الدِماءِ تُراقُ |
ترتدُّ عينُ الشمسِ فى سَتراتِها |
|
شَعواءُ تَلتهمُ الفضاءِ ، ويرتَقى | مِنها على حُبُكِ السماءِ نِطاقُ |
أنا لا أقرُّ على القبيحِ مَهابة ً | إِنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْقَبِيحِ نِفَاقُ |
قَلْبِي عَلَى ثِقَة ٍ وَنَفْسِيَ حُرَّة ٌ | تَأْبَى الدَّنِيَّ، وَصَارِمِي ذَلاَّقُ |
فَعلامَ يَخشى المرءُ فرقة َ روحِه ؟ | أَوَ لَيْسَ عَاقِبَة َ الْحَيَاة ِ فِرَاقُ؟ |
فارغَب بِنفسِكَ وهِى َ فى أثوابِها | إن لم تَكُن شامٌ فَتِلكَ عِراقُ |
لاَ خَيْرَ فِي عَيْشِ الْجَبَانِ يَحُوطُهُ | مِنْ جَانِبَيْهِ الذُّلُّ وَالإِمْلاَقُ |
عَابُوا عَليَّ حَمِيَّتِي ونِكَايَتِي | والنارُ ليسَ يَعيبُها الإحراقُ |
فَاضْرَحْهُمُ ضَرْحَ اْلعُيُونِ قَذَاتَهَا | وحَذارِ ، لا تعلَق بِكَ العُلاَّقُ |
فَالنَّاسُ أَشْبَاهٌ، وَشَتَّى بَيْنَهُمْ | تَدنو الجُسومُ ، وتَبعدُ الأخلاقُ |
فَاعْرِضْهُمُ، وَاحْذَرْ تَشَابُهَ أَمْرِهِمْ | لاَ تَسْتَوِي الأَغْلاَلُ وَاْلأَطْوَاقُ |
لاَ تَحْسَبَنَّ الرِّفْقَ يَنْزِعُ غِلَّهُمْ | الشَّرُّ دَاءٌ مَا لَهُ إِفْرَاقُ |
شَروا الضَلالة َ بِالهُدى ، واغترَّهُم | لِينُ الْحَيَاة ِ، وَمَاؤُها الرَّقْرَاقُ |
فَتَرَى الْفَتَى مِنْهُمْ كَأَنَّ بِرَأْسِهِ | نَزغَ الجُنونِ ، فليسَ فِيهِ لَياقُ |
مُتلوِّنُ الأخلاقِ بينَ عَشيرهِ | جَهلاً ، كما يَتَلوَّنُ الشِقراقُ |
لَهجٌ بعارية ِ الحَياة ِ ، وما دَرى | أنَّ الحَياة َ إلى المَنونِ مَساقُ |
لَو كانَ يَسلَمُ فى الزَمانِ مِنَ الردَى | حَى ٌّ لَعاشَ بِجَوِّهِ السَيذاقُ |
أربَى عَلى شِمراخِ أرعَنَ باذِخٍ | سامٍ ، لَهُ فوقَ السَحائبِ طاقُ |
نَهمانُ يَعتلِقُ القَطا بِمخالِبٍ | حُجْنٍ، لَهُنَّ بِوَقْعِهَا تَصْعَاقُ |
لا يَستَقِرُّ بهِ الجَناحُ ، وطَرفهُ | مُتقلِّبٌ يَسمو بهِ الإرشاقُ |
بَينا كَذلِكَ إذ أصابَ عِصابة ً | لِلطَيرِ أرسَلَها صَدى ً مِحراقُ |
فَسَمَا، فَحَلَّقَ، فَاسْتَدَارَ، فَصَكَّهَا | بِمُذَرًّبٍ تمكُو لَهُ الأعناقُ |
تسمو ، فيتبَعُها ، فَتَهوِى وهوَ فى | آثارِها مَرَّ الشِهابَ حِراقُ |
مَذعورة ٌ تَبغِى الفِرارَ مِنَ الردَى | إنَّ الفِرارَ مِنَ المَنونِ وِثاقُ |
حَتَّى إذا فَترَت ، وحَطَّ بِها الوَنى | سَقَطَتْ، فَلَيْسَ لِنَفْسِهَا أَرْماقُ |
فَأَتَى ، فَمَزَّقَهَا كَمَا حَكَمَ الرَّدَى | وَلِكُلِّ نَفْسٍ مَرَّة ً إِزْهَاقُ |
أَفَذَاكَ، أَمْ ضِرْغَامُ خِيسٍ مُدْهِسٌ | تَنْجَابُ عَنْ أَنْيَابِهِ الأَشْدَاقُ؟ |
مَنَع الطَّرِيقَ، فَمَا تَجُوسُ خِلاَلَهُ | فِي سَيْرهَا الطُّرَّاقُ وَالْمُرَّاقُ |
غَضبانُ ، يَضربُ ذَيلهُ ، ويَلُفُّهُ | مِنْ جَانِبَيْهِ، كَأَنَّهُ مِخْرَاقُ |
عَصَفَت عَليهِ النائجاتُ ، وخابَ مِنْ | هامِ الوحوشِ لَهُ حَشاً وصِفاقُ |
فَسَمَا، فَأَبْصَرَ رَاعِيَيْنِ تَخَلَّفَا | بِالْعِيرِ، تَصْدَحُ بَيْنَهُنَّ نِيَاقُ |
فأجمَّ قُوَّتَهُ ، وشَدَّ بِوثبَة ٍ | صُمُّ الصُخورِ لِوقعِها أفلاقُ |
حَتَّى إذا اعترضَ الرِحالَ إذا بِها | يَقِظٌ تَلِينُ لِكَفِّهِ الأَرْزَاقُ |
مُتَقلِّدٌ سَيفاً تَرِفُّ مُتونهُ | رَفَّ الْمَصَابِحِ شَفَّهُنَّ لِيَاقُ |
فَتَصَاولا ، حَتى إِذا مَا اسْتَنْفَدا | مَا كَانَ عِنْدَهُمَا، وَضَاقَ خِنَاقُ |
هَمّا بِبَعْضِهِما ، فَمَاتَا مِيتَة ً | لَهُمَا بِهَا حَتَّى الْمَعَادِ وِفَاقُ |
أَمْ أَرْقَشٌ مَرِسٌ يَسِيلُ كَأَنَّهُ | بَيْنَ الْخَمَائِلِ جَدْوَلٌ دَفَّاقُ |
يَتَنَاذَرُ الرَاقُونِ سُمَّ لُعَابِهِ | رُعْباً، فَلَيْسَ لِمَسِّهِ دِرْيَاقُ |
تَسِمُ الظَّلاَمَ ذُبَالَتَانِ بِرَأْسِهِ | تَقِدَانِ لَيْسَ عَلَيْهِمَا أَطْبَاقُ |
يَسْرِى فِيَقْتَحِمُ السِرَارَ ، ويَرْتَمى | بِسَنَاهُما الْمُتَنَبّلُ المِرْشَاقُ |
تَرَكَ الْوحُوشُ لَهُ الْفَلاَة َ ، وأَغَلَتْ | طَلَبَ النَجَاة ِ ، فَجَمْعُهَا أَحْذَاقُ |
حَتى إِذا ظَنَّ الظُنُونَ بِنَفْسِهِ | تِيهاً بِهَا، وَخَلَتْ لَهُ الأَعْمَاقُ |
أَنْحَى فَأَقْصَدَهُ الزَّمَانُ بِسَهْمِهِ | إِنَّ الزَمَانَ لَنَا بِلٌ مِيفَاقُ |
حِكَمٌ تَحَيّرَت الْبَرِيهُ دُونَهَا | وَتَنَازَعَتْ أَسْبابَها الْحُذَّاقُ |
فَاسْمَعْ، فَما كُلُّ الْكَلاَمِ بِطَيِّبٍ | وَلِكُلِّ قَوْلٍ فِي السَّمَاعِ مَذَاقُ |
نَزَلَ الْكَلاَمُ إِلى مِنْ شُرُفَاتِهِ | وتَمَثَّلَتْ بِحَدِيثي الاْفَاقُ |