قَلِيلٌ بِآدابِ الْمَوَدَّة ِ مَنْ يَفِي
قَلِيلٌ بِآدابِ الْمَوَدَّة ِ مَنْ يَفِي | فَمَنْ لِي بِخِلِّ أَصْطَفِيهِ وَأَكْتَفِي؟ |
بَلَوْتُ بَني الدُّنْيَا، فَلَمْ أَرَ صَاحِباً | يَدُومُ عَلَى وُدٍّ بِغَيْرِ تَكَلُّفِ |
فَهَلْ مِنْ فتى ً يَسْرُو عَنِ الْقَلْبِ هَمَّهُ | بِشِيمَة ِ مَطْبُوعٍ عَلَى الْمَجْدِ مُسْعِفِ؟ |
رَضِيتُ بِمَنْ لاَ تَشْتَهِي النَّفْسُ قُرْبَهُ | ومَنْ لمْ يَجِد مَندوحة ً يَتَكلَّفِ |
ولو أنَّنى صادَفتُ خِلاًّ يَسرنِى | على عُدواءِ الدَارِ لَم أتَلهَّفِ |
وَلَكِنَّنِي أَصْبَحْتُ فِي دَارِ غُرْبَة ٍ | مُقيماً لَدى قومٍ علَى البُدِّ عُكَّفِ |
زَعَانِفُ هُدَّاجُونَ فِي عرَصَاتِهمْ | كَخيطِ نَعامٍ بينَ جَرداءَ صَفصَفِ |
حُفَاة ٌ عُرَاة ٌ غَيْرَ أَخْلاقِ صُدْرَة ٍ | تَطِيرُ كَنَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ الْمُسَدَّفِ |
يَمُجُّونَ مِن أفواهِهِم رَشحَ مُضغة ٍ | كَنَضْحِ دَمٍ يَنْهَلُّ مِنْ أَنْفِ مُرْعَفِ |
إِذَا رَاطَنُوا بَعْضاً سَمِعْتَ لِصَوْتِهِمْ | عَزِيفاً كَجِنٍّ فِي الْمَفَاوِزِ هُتَّفِ |
فها أنا مِنهُم بينَ شَملٍ مُبدَّدٍ | وَمِنْ حَسَرَاتِي بَيْنَ شَمْلٍ مُؤَلَّفِ |
أَحِنُّ إِلَى أَهْلِي، وَأَذْكُرُ جِيرَتِي | وأشتاقُ خُلاَّنِى ، وأصبو لِمألفِى |
فلا أنا أسلو عنْ هَواى َ فأنتهِى | وَلاَ أَنَا أَلْقَى مَنْ أُحِبُّ فَأَشْتَفِي |
وإنِّى على ما كانَ مِن سَرَفِ النَوى | لَبَاقٍ عَلَى وُدِّي لِمَنْ كُنْتُ أَصْطَفِي |
سَجيَّة ُ نفسٍ لا تَميلُ معَ الهوى | وَذِمَّة ُ عَهْدٍ بَيْنَ سَيْفٍ وَمُصْحَفِ |
وَمَا كُلُّ مَوْشِيِّ الْحَدِيثِ بِصَادِقٍ | وَلاَ كُلُّ مَنْسُوبٍ إِلَى الْوُدِّ بِالْوَفِي |
تَشابَهتِ الأخلاقُ إلاَّ بَقية ً | بِهَا يُعْرَف الْمَاضِي مِنَ الْمُتَخَلِّف |
وما شَرفُ الإنسانِ إلاَّ بِنَفسهِ | وإن كانَ ذا مالٍ تليدُ ومُطرفِ |
ولَو كانَ نَيلُ الفَضلِ سَهلاً لَزاحَمتْ | رِجالُ الخنا أهلَ العُلا والتَّعطُّفِ |
فَإِنْ أَخْلَفَتْ نَفْسٌ طَوِيَّة َ مَا وَأَتْ | فَلِي مِنْ «عَلِيٍّ» صَاحِبٌ غَيْرُ مُخْلِفِ |
هُمامُ ، دعا باسمى ، فلبَّيتُ صَوتَهُ | بِيَا مَرْحَباهُ مِنْ فُؤَادِ مُكَلَّفِ |
وَلَوْ صَاحَ بِي في غَارَة ٍ لَوَزَعْتُهَا | عَلى متنِ مَحبوكِ السَراة ِ بِمُرهَفِ |
وَلَكِنَّنِي لَبَّيْتُ دَعْوَة َ نَظْمِهِ | بِأَسْمَرَ مَشْقُوقِ اللِّسَانِ مُحَرَّفِ |
إذا حَرَكتهُ راحَتِى فَوقَ مُهرقٍ | بِذِكْرِ عُلاَهُ بذَّكُلَّ مُثَقَّفِ |
هُو البَطلُ السبَّاقُ فى كلِّ غايَة ٍ | يَهَابُ رَدَاهَا الْمَرْءُ قَبْلَ التَّعَسُّفِ |
إِذَا قَالَ لَمْ يَتْرُكْ بَيَاناً لِقَائِلٍ | وإن سارَ لم يَترُك مَجالاً لِمُقتفِى |
لَهُ قَلَمٌ لَوْ كَانَ لِلسَّيْفِ حَدُّهُ | لَفَلَّ حَبيكَ السَردِ فى كلِّ مَوقفِ |
وشُعلَة ُ فِكرٍ لو بِمثلِ ضِيائها | أنارَ سِراجَ الأُفقِ ما كانَ يَنطَفى |
فَسِيحُ مَجَالِ الْفِكْرِ، ثَبْتٌ يَقِينُهُ | بَعيدُ مناطِ الهمِّ ، حرُّ التصرُّفِ |
أديبٌ ، لَهُ فى جنّة ِ الشِعرِ دَوحَة ٌ | أَفَاءَتْ عَلَى الدُّنْيَا بِأَجْمَلِ زُخْرُفِ |
إِذَا نَوَّرَتْ أَفْنَانُهَا غِبَّ دِيمَة ٍ | مِنَ الفِكرِ جاءتْ بالبديعِ المفوَّفِ |
تَرَنَّمَ فِيهَا مِنْ ثَنَائي بُلْبُلٌ | بِلَحْنٍ لَهُ فِي السَّمْعِ نَبْرَة ُ مِعْزَفِ |
حَفيتُ لَهُ بالودِّ مِنِّى ، وكيفَ لا | أُسَابِقُهُ فِي وُدِّهِ وَهْوَ بي حَفِي؟ |
تألَّفَ نَفسِى بَعدَ ما زالَ أنسُها | وَنَوَّهَ بِاسْمِي بَعْدَ مَا كَاد يَخْتَفِي |
وحَرَّكَ أَسْلاَكَ التَّرَاسُلِ بَيْنَنَا | بِسيَّالِ وُدٍّ لَفظهُ لم يُحرَّفِ |
وفى الناسِ معطوفٌ على الوُدِّ قَلبهُ | وَمِنْهُمْ سَقِيمُ الْعَهْدِ بَادِي التَّحَرُّفِ |
تَوَسَّمْتُ فِيهِ الْخَيْرَ قَبْلَ لِقائِهِ | وَأَحْمَدْتُ مِنْهُ الْخُبْرَ بَعْدَ التَّعَرُّفِ |
وَمَا حَركَاتُ النَّفْسِ إِلاَّ دِلاَلَة ٌ | عَلَى صِدْقِ مَا قَالُوا بهِ في التَّعَيُّفِ |
فقد تَكذِبُ العَينُ الفَتى وهوَ غافِلٌ | ويَصدقُ ظَنُّ العاقلِ المتشَوِّفِ |
وفيتُ بِوعدى فى الثناءِ وإن يَكُن | مَقَالِي بِهَاتِيكَ الْفَضَائِلِ لاَ يَفِي |
وَكَيْفَ وَإِنْ أُوتِيتُ في النَّظْمِ قُدْرَة ً | أضُمُّ شتاتَ الكونِ فى بَعضِ أحرُفِ ؟ |