أديرا كئوسَ الرَّاحِ ، قَد لمعَ الفَجرُ
أديرا كئوسَ الرَّاحِ ، قَد لمعَ الفَجرُ | وصاحَت بِنا الأطيارُ أن وجبَ السُّكرُ |
أما تريانِ اللَّيلَ كيفَ تسللَت | كَوَاكِبُهُ لِلْغَرْبِ، وَانْحَدَرَ النَّسْرُ |
فَقُومَا انْظُرَا ما يَصْنَعُ الصُّبْحُ بِالدُّجَى | فإنِّى أرى ما ليسَ يبلُغُهُ الذِّكرُ |
أرى أدهماً يتلوهُ أشهبُ طارِدٌ | كِلا الْفَرَسَيْنِ اغْتَالَ شَأْوَهُمَا الْحُضْرُ |
وقَد حنَّتِ الأطيارُ فى وكُناتِها | وقَامَ يُحيِّينا على سَاقهِ الزَهرُ |
وأصبَحتِ الغُدرانُ تَصقلُها الصَبا | وَيَرْقُمُ مَتْنَيْهَا بِلُؤْلُئِهِ الْقَطْرُ |
تَرِفُّ كما رفَّت صحائفُ فِضَّة ٍ | عَليهِنَّ مِن لألاءِ شمسِ الضُحى تِبرُ |
كَأَنَّ بَنَاتِ الْمَاءِ تَقْرَأُ مَتْنَهَا | صَبَاحاً، وَظِلُّ الغُصْنِ لاَحَ بِها سَطْرُ |
عَصَائِبُ حَوْلَ الْمَاءِ يَدْرِمْنَ هُتَّفاً | بِلحنٍ له فى كُلِّ سامِعة ٍ أثرُ |
إذا صَرصَرَ البازى تلبَّدنَ بِالثرَى | مِنَ الرُعبِ حتَّى لا يَبينُ لَها صَرُّ |
يُسَارِقْنَهُ حَتَّى إِذَا غَابَ ظِلُّهُ | عَنِ الْمَاءِ عَادَ اللَّحْنُ، وَانْتَشَرَ الْهَدْرُ |
تَرَاهُنَّ أَسْرَاباً عَلَى الْمَاءِ حُوَّماً | يُقرِّبها ظِمءٌ ، ويُبعدُها ذعرُ |
تَروحُ وتغدو بينَ أفنانِ دوحَة ٍ | سَقَاهَا مِنَ الْوَسْمِيِّ مُسْتَوْكَفٌ غَزْرُ |
لَهَا فِي نَوَاحِي الأُفْقِ لَفْتَة ُ أَصْيَدٍ | يَلُوحُ عَلَى أَطْرافِ عِرْنِينِهِ الْكِبْرُ |
مَلاعِبُ لَهوٍ يَقصُرُ الطَرفُ دُونَها | وَدُنْيَا نَعِيمٍ لا يُحِيطُ بِها الْفِكْرُ |
فيا صاحِبى نَجواى َ ! قوما لِشُربِها | ففى مِثلِ هذا اليومِ طابَت لنا الخَمرُ |
وشَأنكُما فى الراحِ ، فالعيشُ والصِبا | إِذَا الرَّاحُ لَمْ تَخْفِرْهُمَا فَسَدَ الْعُمْرُ |
خَبيئَة ُ قَوْم خَلَّفُوهَا لِغَيْرهمْ | خلَت دونَها الأيَّامُ ، واختَلَفَ العَصرُ |
فجاءَت كَمِصباحِ السَماءِ مُنيرة ً | إذا اتقدَت في الكأسِ سارَ بِها السَفرُ |
وإن أنتما غنَّيتمانى فَلتَكُن | أَنَاشِيدَ يَهْفُو دُونَ تَسْماعِها الصَّبْرُ |
أَنَاشِيدَ فِيها لِلْمَلِيحَة ِ وَالْهَوَى | مَعاذيرُ أحوالٍ يَلينُ لَها الصَّخرُ |
لَعلَّ هواها أن يعودَ كما بَدا | رَخِيَّ الْحَوَاشِي قَبْلَ أَنْ يَنْشَبَ الْهَجْرُ |
مِنَ الْبِيضِ، مَيْسَانُ الْعَشِيَّاتِ، غَادَة ٌ | سَلِيمَة ُ مَا تَحْوِي الْمَعَاقِدُ وَالأُزْرُ |
إِذَا سَفَرَتْ وَالْبَدْرُ لَيْلَة َ تِمِّهِ | ولاحا سَواءً ، قيلَ أيُّهُما البَدرُ ؟ |
لها لَفتة ُ الخشفُ الأغنِّ ، ونَظرة ٌ | تُقصِّرُ عن أمثالِها الفَتكَة ُ البِكرُ |
تَرُدُّ النُّفُوسَ السَّالِماتِ سَقِيمَة ً | وَتَفْعَلُ مَا لاَ تَفْعَلُ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ |
خَفضتُ لَها مِنِّى جناحَى مودَّة ٍ | وَدِنْتُ لِعَيْنَيْهَا كَمَا حَكَمَ الدَّهْرُ |
عَلى أَنَّ مَا بَيْني وَبَيْنَ عَشِيرِهَا | قَوارِعُ سوءٍ لا ينامُ لَها وِترُ |
فيا ربَّة َ الخَلخَالِ ! رفقاً بِمُهجَتى | فَبِالْغَادَة ِ الْحَسْنَاءِ لاَ يَحْسُنُ الْغَدْرُ |
وَبُقْيَا عَلى قَلْبِي، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ | سِوَى حُبِّ ” عبدِ اللهِ ” كانَ لَهُ عُذرُ |
أخى ، وصَديقى ، وابنُ ُدِّى ، وصاحِبى | وَمَوْضِعُ سِرِّي حِينَ يَعْتَلِجُ الصَّدْرُ |
هُوَ الصَّاحبُ الْمَشْكُورُ فِي الْوُدِّ سَعْيُهُ | وَمَا خَيْرُ وُدٍّ لَيْسَ يَلْحَقُهُ شُكْرُ؟ |
أمينٌ على غيبِ الصَّديقِ إذا ونَت | عُهودُ أُناسٍ ، أو تطرَّقها فَترُ |
فَلا جَهْرُهُ سِرٌّ، وَلاَ سِرُّ صَدْرِهِ | إِذَا امْتَحَنَ الْوَاشِي ضَمائِرَهُ جَهْرُ |
يَدِبُّ على المَعنى الخَفِى ِّ بِفِكرة ٍ | سواءٌ لديها السَهلُ فى ذاكَ والوَعرُ |
لَهُ الْبُلْجَة ُ الْغَرَّاءُ يَسْرِي شُعَاعُهَا | إذا غامَ أفقُ الفَهمِ ، والتبسَ الأمرُ |
تَزاحمُ أفواجُ الكَلامِ بِصدرهِ | فَلَوْ غَضَّ مِنْ صَوْتٍ لَكَانَ لَهَا هَدْرُ |
لَهُ قَلَمٌ لَوْلاَ غَزَارة ُ فِكْرِهِ | لَجَفَّتْ لَدَيْهِ السُّحْبُ، أَوْ نَفِدَ الْبَحْرُ |
إِذَا اخْتَمَرَتْ بِاللَّيْلِ قِمَّة ُ رَأْسِهِ | تفجَّرَ من أطرافِ لِمَّتِها الفَجرُ |
إِلَيْكَ ابْنَ بَطْحَاءِ الْكَلامِ تَشَذَّرَتْ | بِركبِ المعانى لا يُكفكِفُها الزَجرُ |
قلائصُ لا يَرعَينَ عازِبة َ الكلا | وَلاَ يَسْتَبِقْنَ الْمَاءَ إِنْ فَاتَهَا الْعِشْرُ |
وَمَا هُوَ إِلاَّ الشِّعْرُ سَارَتْ عِيابُهُ | وفى طَيِّها من طيبِ ما ضُمِّنَت نَشرُ |
فَأَلْقِ إِلَيْهِ السَّمْعَ يُنْبِئْكَ أَنَّهُ | هُوَ الشِعرُ ، لا ما يدَّعى الملأُ الغَمرُ |
يَزيدُ على الإنشادِ حُسناً ، كأنَّنى | نَفَثْتُ بِهِ سِحْراً، وَلَيْسَ بِهِ سِحْرُ |
فَدُمْ لِلْعُلا، وَالْعِلْمِ، وَالْحِلْمِ، والتُّقَى | وَنَيْلِ الْمُنَى مَا أَوْرَقَ الْغُصُنُ النَّضْرُ |