رضيتُ منَ الدنيا بما لا أودُّهُ
رضيتُ منَ الدنيا بما لا أودُّهُ | وَأَيُّ امْرِىء ٍ يَقْوَى عَلى الدَّهْر زَنْدُهُ؟ |
أُحاوِلُ وَصْلاً والصُّدُودُ خَصِيمُهُ | وَأَبْغِي وَفَاءً والطَّبِيعة ُ ضِدُّهُ |
حسبتُ الهوى سهلاً ، ولم أدرِ أنهُ | أَخُو غَدَرَاتٍ يَتْبَعُ الْهَزْلَ جِدُّهُ |
تخفُّ له الأحلامُ وهى رزينة ٌ | ويعنو له من كلِّ صعبٍ أشدهُ |
ومن عجبٍ أنَّ الفتى وهو عاقلٌ | يطيعُ الهوى فيما ينافيه رشدَهُ |
يفرُّ منَ السلوانِ ، وهو يريحهُ | ويأوى إلى الأشجانِ ، وهى تكدُّهُ |
وما الحب إلا حاكمٌ غيرُ عادلٍ | إِذا رامَ أَمْراً لم يَجِدْ مَنْ يَصُدُّهُ |
لَهُ مِنْ لَفِيفِ الْغِيدِ جَيْشُ مَلاَحَة ٍ | تغيرُ على مثوى الضمائرِ جندهُ |
ذوابله قاماتهُ ، وسيوفهُ | لِحَاظُ الْعَذَارَى ، والْقَلاَئِدُ سَرْدُهُ |
إذا ماج بالهيفِ الحسانِ ، تأرجت | مسالكهُ ، واشتقَّ فى الجو ندُّهُ |
فَأَيُّ فُؤادٍ لا تَذُوبُ حَصاتُهُ | غراماً ، وطرفٍ ليسَ يقذيهِ سهدهُ ؟ |
بَلَوْتُ الْهَوَى حَتَّى اعْتَرَفْتُ بِكُلِّ مَا | جَهِلْتُ، فَلا يَغْرُرْكَ فالصَّابُ شَهْدُهُ |
ظَلُومٌ لَهُ في كُلِّ حَيٍّ جَرِيرَة ٌ | يضجُّ لها غورُ الفضاءِ ونجدهُ |
إِذَا احْتَلَّ قَلْباً مُطْمَئِنًّا تَحَرَّكَتْ | وَسَاوِسُهُ في الصَّدْرِ، واخْتَلَّ وَكْدُهُ |
فإن كنتَ ذا لبٍّ فلا تقربنَّه | فَغَيرُ بعيدٍ أَنْ يَصِيبَكَ حَدُّهُ |
وقد كنتُ أولى بالنَّصيحة ِ لو صغا | فؤادى ، ولكن خالفَ الحزمَ قصدهُ |
إذا لم يكنْ للمرءِ عقلٌ يقودهُ | فَيُوشِكُ أَنْ يَلْقَى حُسَاماً يَقُدُّهُ |
لعمرى لقدْ ولَّى الشبابُ ، وحلَّ بى | منَ الشيبِ خطبٌ لا يطاقُ مردُّهُ |
فَأَيُّ نَعِيمٍ في الزَّمانِ أَرُومُهُ؟ | وأى ُّ خليلٍ للوفاءِ أعدُّهُ ؟ |
وكيفَ ألومُ النَاسَ فى الغدرِ بعدما | رأيتُ شبابى قدْ تغيَّرَعهده ؟ |
وَأَبْعَدُ مَفْقُودٍ شَبَابٌ رَمَتْ بهِ | صروفُ اللَّيالى عندَ من لا يردُّهُ |
فَمَنْ لِي بِخِلٍّ صَادِقٍ أَسْتَعِينُهُ | على أملى ، أو ناصرٍ أستمدهُ ؟ |
صحبتُ بنى الدنيا طويلاً فلم أجد | خَليلاً، فَهَلْ مِنْ صاحِبٍ أَسْتَجِدُّهُ |
فأكثرُ من لاقيتُ لم يصفُ قلبهُ | وأصدقُ من واليتُ لم يغنِ ودُّهُ |
أطالبُ أيامى بما ليسَ عندَها | وَمَنْ طَلَبَ الْمَعْدُومَ أَعْيَاهُ وُجْدُهُ |
فَمَا كُلُّ حَيٍّ يَنْصُرُ الْقَوْلَ فِعْلُهُ | ولا كلُّ خلٍّ يصدقُ النَّفسَ وعدهُ |
وأصعبُ ما يلقى الفتى فى زمانهِ | صَحابَة ُ مَنْ يَشْفِي مِنَ الدَّاءِ فَقْدُهُ |
وَللنُّجْحِ أَسْبَابٌ إِذَا لَمْ يَفُزْ بِهَا | لَبِيبٌ مِنَ الْفِتْيَانِ لم يُورِ زَنْدُهُ |
ولكن إذا لم يسعدِ المرءَ جدُّهُ | على سعيهِ لم يبلغِ السؤلَ جدُّهُ |
وما أنا بالمغلوبِ دونَ مرامهِ | ولكنَّهُ قد يخذلُ المرءَ جهدهُ |
وما أبتُ بالحرمانِ إلاَّ لأنَّنى | «أَوَدُّ مِنَ الأَيَّامِ ما لا تَوَدُّهُ» |
فَإِنْ يَكُ فَارَقْتُ الرِّضَا فَلَبَعْدَمَا | صحبتُ زماناً يغضبُ الحرَّ عبدهُ |
أبى الدَّهرُ إلاَّ أن يسودَ وضيعهُ | وَيَمْلِكَ أَعْنَاقَ الْمَطَالِبِ وَغْدُهُ |
تداعت لدركِ الثَّأرِ فينا ثعالهُ | ونَامَتْ عَلى طُولِ الْوَتِيرَة ِ أُسْدُهُ |
فَحَتَّامَ نَسْرِي في دَيَاجِيرِ مِحْنَة ٍ | يَضِيقُ بِهَا عَنْ صُحْبَة ِ السَّيْفِ غِمْدُهُ |
إذا المرءُ لم يدفع يدَ الجور إن سطتْ | عَلَيْهِ، فَلا يَأسَفْ إِذا ضَاعَ مَجْدُهُ |
وَمَنْ ذَلَّ خَوْفَ الْمَوْتِ، كانَتْ حَيَاتُهُ | أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنْ حِمامٍ يَؤُدُّهُ |
وَأَقْتَلُ دَاءٍ رُؤْيَة ُ الْعَيْنِ ظَالِماً | يُسِيءُ، وَيُتْلَى في المَحَافِلِ حَمْدُهُ |
علامَ يعيشُ المرءُ فى الدَّهرِ خاملاً ؟ | أيفرحُ فى الدُّنيا بيومٍ يعدُّهُ ؟ |
يَرَى الضَّيْمَ يَغْشَاهُ فَيَلْتَذُّ وَقْعَهُ | كَذِي جَرَبٍ يَلْتَذُّ بالْحَكِّ جِلْدُهُ |
إذا المرءُ لاقى السيلَ ثُمَّتَ لم يعجْ | إلى وزَرٍ يحميهِ أرداهُ مدُّهُ |
عفاءٌ على الدُّنيا إذا المرءُ لم يعشْ | بِها بَطَلاً يَحْمِي الْحَقِيْقَة َ شَدُّهُ |
منَ العارِ أنْ يرضى الفتى بمذلَّة ٍ | وفى السَّيفِ ما يكفى لأمرٍ يعدُّهُ |
وإنُّى امرؤٌ لا أستكينُ لصولة ٍ | وإن شدَّ ساقى دونَ مسعاى َ قدُّهُ |
أَبَتْ ليَ حَمْلَ الضَّيْمِ نَفْسٌ أَبِيَّة ٌ | وقلبٌ إذا سيمَ الأذى شبَّ وقدهُ |
نمانى إلى العلياءِ فرعٌ تأثلت | أَرُومَتُهُ فِي المَجْدِ، وافْتَرَّ سَعْدُهُ |
وحَسْبُ الْفَتَى مَجْداً إِذَا طالَبَ الْعُلاَ | بما كانَ أوصاهُ أبوهُ وجدُّهُ |
إِذَا وُلِدَ الْمَوْلُودُ مِنَّا فَدَرُّهُ | دمُ الصَّيدِ ، والجردُ العناجيجُ مهدهُ |
فإن عاشَ فالبيدُ الدَّياميمُ دارهُ | وإِنْ ماتَ فالطَّيْرُ الأَضَامِيمُ لَحْدُهُ |
أصدُّ عنِ المرمى القريبِ ترَفعَّاً | وأَطْلُبُ أَمْراً يُعْجِزُ الطَّيْرَ بُعْدُهُ |
وَلا بُدَّ مِنْ يَوْمٍ تَلاعَبُ بِالْقَنَا | أُسودُ الوغى فيهِ ، وتمرحُ جردهُ |
يمزِّقُ أستارَ النَّواظرِ برقهُ | وَيَقْرَعُ أَصْدَافَ الْمَسَامِعِ رَعْدُهُ |
تُدَبِّرُ أَحْكَامَ الطِّعانِ كُهُولُهُ | وتملكُ تصريفَ الأعنَّة ِ مُردهُ |
قُلُوبُ الرِّجالِ المُسْتَبِدَّة ِ أَكْلُهُ | وَفَيْضُ الدِّماءِ الْمُسْتَهِلَّة ِ وِرْدُهُ |
أحملُ صدرَ النصلِ فيهِ سريرة ً | تعدُّ لأمرٍ لا يحاولُ ردُّهُ |
فإمَّا حياة ٌ مثلَ ما تشتهى العلا | وإما ردى ً يشفى منَ الداءِ وفدهُ |