كَمْ غادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِكَمْ
كَمْ غادَرَ الشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ | وَلَرُبَّ تَالٍ بَزَّ شَأْوَ مُقَدَّمِ |
فِي كُلِّ عَصْرٍ عبْقَرِيٌّ، لاَ يَنِي | يفرى الفرَّ بكلَّ قولِ محكمِ |
وَ كفاكَ بي رجلا إذا اعتقلَ النهى | بِالصَّمْتِ، أَوْ رَعَفَ السِّنَانُ بِعَنْدَمِ |
أَحْيَيْتُ أَنْفَاسَ الْقَرِيضِ بِمنْطِقِي | وَ صرعتُ فرسان العجاجِ بلهذمي |
وَ فرغتُ ناصية َ العلا بفضائلٍ | هُنَّ الْكَوَاكِبُ فِي النَّهَارِ الْمُظْلِمِ |
سَلْ مِصْرَ عَنِّي إِنْ جَهِلْتَ مَكَانَتِي | تُخْبِرْكَ عَنْ شَرَفٍ وَعِزٍّ أَقْدَمِ |
بَلِهٌ، نَشَأْتُ مَعَ النَّبَاتِ بِأَرْضِهَا | وَلَثَمْتُ ثَغْرَ غَدِيرِهِ الْمُتَبَسِّمِ |
فنسيمها روحي ، ومعدنُ تربها | جِسْمِي، وَكَوْثَرُ نِيلِهَا مَحْيا دَمِي |
فإذا نطقتُ فبالثناءِ على الذي | أَوْلَتْهُ مِنْ فَضْلٍ عَلَيَّ وَأَنْعُمِ |
أَهْلِي بِها، وأَحِبَّتِي، وَكَفى بِهِمْ | إِنْ كَانَتِ الأَبْنَاءُ خُورَ الأَعْظُمِ |
وَأَحَقُّ دَارٍ بِالْكَرَامَة ِ مَنْزِلٌ | للقلبِ فيهِ علاقةق لمْ تصرمِ |
هِيَ جنَّة ُ الْحُسْنِ الَّتِي زَهَرَاتُهَا | حورُ المها ، وهزارُ أيكتها فمي |
ما إنْ خلعتُ بها سيورَ تمائمي | حتى لبستُ بها حمائلَ مخذمي |
وَغَنِيتُ عَنْ قُلَّتِي بعَامِلِ أَسْمَرٍ | وَسَلَوْتُ عَنْ مَهْدِي بِصَهْوَة ِ أَدْهَمِ |
وَ فجرتُ ينبوع البيانِ بمنطقٍ | عذبٍ ، رويتُ بهِ غليلَ الحرمِ |
وَ لكمْ أثرتُ غيابة ً منْ قسطلٍ | بمهندي ، وَ حللتُ عقدة َ مبرمِ |
أختالُ طوراً فوقَ ذروة ِ منبر | و أكرُّ طوراً فوقَ نهدٍ شيظمِ |
حتى ربأتُ منَ المعالي هضبة ً | شماءَ تزلقُ أخمص المتسنمِ |
نشأتْ بطبعي للقريضِ بدائعٌ | لَيْسَتْ بِنِحْلَة ِ شَاعِرٍ مُتَقَدِّمِ |
يصبو بها ” الحكميُّ ” صبوة َ عاشقٍ | وَ تخفُّ منْ طربٍ عريكة ُ ” مسلمِ “ |
قَوَّمْتُهُ بَعْدَ اعْوِجَاجِ قَنَاتِهِ | وَ الرمحُ ليسَ يروقُ غيرَ مقومِ |
فقرٌ يكادُ السحرُ يبلغُ بعضَ ما | فِي طَيِّهَا لَوْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمِ |
مُتَشَابِهُ الطَّرَفَينِ، يُنبِىء ُ صَدْرُهُ | عما تلاحقَ ؛ فهوَ بادي المعلمِ |
أحكمتُ منطقهُ بلهجة ِ مفلقٍ | يَقِظِ الْبَدِيهَة ِ، فِي الْقَرِيضِ مُحَكَّمِ |
يبتذُّ أهبة َ كلَّ فارسِ بهمة ٍ | وَيَزُمُّ شِقْشِقَة َ الْفَتِيقِ الْمُقْرَمِ |
ذللتُ منهُ غوارباً لا تمتطى | وَخَطمْتُ مِنْهُ مَوَارِناً لَمْ تُخْطَمِ |
شعرٌ جمعتُ بهِ ضروبَ محاسنٍ | لَمْ تَجْتَمِعْ قبْلِي لِحَيٍّ مُلْهَمِ |
فإذا نسبتُ فتنتُ كلَّ مقنعٍ | وَإِذَا نَأَمْتُ ذَعَرْتُ كُلَّ مُلَثَّمِ |
كَالرَّوْضِ تَسْمعُ مِنْهُ نَغْمة َ بُلْبُلٍ | وَالْغِيلِ تَسْمَعُ مِنْهُ زَأْرَة َ ضَيْغَمِ |
أَدْرَكْتُ قَاصِية َ الْمَحَامِدِ وَالْعُلاَ | وَ شأوتُ فيها كلَّ أصيدَ مسنمِ |
فأنا ابنُ نفسي إنْ فخرتُ ، وَ إنْ أكنْ | لأغرَّمنْ سلفِ الأكارمِ أنتمى |
وَالْفَخْرُ بِالآبَاءِ لَيْسَ بِنَافِعٍ | إِنْ كَانَتْ الأَبْنَاءُ خُورَ الأَعْظُمِ |
هَذَا، وَرُبَّتَ لَذَّة ٍ بَاشَرْتُهَا | فِي ظِلِّ أَخْضَرَ بِالْعَرَارِ مُنَمْنَمِ |
طفقَ النسيمُ يحوكُ برودهِ | بأناملٍ تمرى خيوطَ المرزمِ |
فَبِكُلِّ أُفْقٍ مُزْنَة ٌ فَيَّاضَة ٌ | وَبِكُلِّ أَرْضٍ جَدْوَلٌ كَالأَرْقَمِ |
هَاتِيكَ تَجْرِي فِي السَّماءِ كَأَنَّهَا | سُفُنٌ، وَهَذَا فِي الْخَمَائِلِ يَرْتَمِي |
فالروضُ بينَ موشحٍ وَ مؤزرٍ | وَ الزهرُ بينَ مدنرٍ وَ مدرهمِ |
طَلْقُ الْجَبِينِ، تَبَسَّمَتْ أَزْهَارُهُ | عنْ درَّ قطرٍ كالعقودِ منظمِ |
عبقُ الإزارِ ، كأنما جرتِ الصبا | فِيهِ بِجُؤْنَة ِ عَنْبَرٍ لَمْ تُخْتَمِ |
صبح الغمامُ غصونهُ ؛ فترنحتْ | طَرَباً لِرَجْعِ الطَّائِرِ الْمُتَرَنِّمِ |
فنسيمهُ أرجٌ ، وطائرُ أيكهِ | هَزِجٌ، وَجَدْوَلُهُ بَرُودُ الْمَبْسِمِ |
يَسْتَوْقِفُ الأَلْبَابَ حُسْنُ رُوَائِهِ | وَ يصيدُ عينَ الناظرِ المتوسمِ |
وَ المرءُ طوعُ يدِ الزمانِ ، يقودهُ | قَوْدَ الْجَنِيبِ لِغَايَة ٍ لَمْ تُعْلَمِ |
فلكٌ يدورُ ، وَ أنجمٌ لا تأتلي | تَبْدُو وَتَغْرُبُ فِي فَضَاءٍ أَقْتَمِ |
صُوَرٌ إِذَا نَادَيْتها لمْ تَسْتَجبْ | أَوْ رُمْتَ مِنْهَا النُّطْقَ لَمْ تتكَلَّمِ |
فدعِ الخفيَّ ، وخذْ لنفسكَ حظها | مِمَّا بَدَا لَكَ؛ فَهْوَ أَهْنَأُ مَغْنَمِ |
لاَ يستطيعُ المرءُ يبلغَ ما نأى | عَنْهُ، وَلَوْ صَعِدَ السَّمَاءَ بِسُلَّمِ |
بينا يشقُّ بهِ الجواءَ ترفعا | أهوى بهِ في كسرِ بيتٍ مظلمِ |
إِنَّ الْحَيَاة َ شَهِيَّة ٌ مَا لَمْ تَكُنْ | غَرَضاً لإِمْرَة ِ ظَالِمٍ لَمْ يَرْحَمِ |
لاَ أَرْتَضِي عَيْشَ الْجَبَانِ، وَلا أَرَى | فضلاً لذي حسبٍ إذا لمْ يقدمِ |
وَلرُبَّ مَلْحَمَة ٍ سَرَيْتُ قِنَاعَهَا | عنْ وجهِ نصرٍ بالغبارِ ملثمِ |
لَوْ كَانَ لِلإِنْسانِ عِلْمٌ بِالَّذِي | فِي الْغَيْبِ لَمْ يَفْرَحْ، وَلمْ يَتنَدمِ |
فدعِ الأمورَ إلى مدبرِ شأنها | وَارْغَبْ عَنِ الدُّنْيَا بنفْسِكَ تَسْلَمِ |