رُدِّي التَّحِيَّة َ يَا مَهَاة َ الأَجْرَعِ
رُدِّي التَّحِيَّة َ يَا مَهَاة َ الأَجْرَعِ | وصِلِى بِحبلكِ حَبلَ مَنْ لَم يَقطَعِ |
وتَرَفَّقى بِمُتيَّمٍ عَلِقَت بهِ | نارُ الصَبابة ِ ، فَهوَ ذا كِى الأضلُعِ |
طَربِ الفؤادِ ، يَكادُ يَحمِلهُ الهَوى | شَوْقاً إِليْكِ مَعَ الْبُرُوقِ اللُّمَّعِ |
لاَ يَسْتَنِيمُ إِلَى الْعَزاءِ، وَلاَ يَرَى | حَقّاً لِصَبْوَتِهِ إِذَا لَمْ يَجْزَعِ |
ضَمَّتْ جَوَانِحُهُ إِلَيْكِ رِسَالَة ٍ | عُنْوَانُهَا فِي الْخَدِّ حُمْرُ الأَدْمُعِ |
فَمَتَى يَبُوحُ بِمَا أَجَنَّ ضَمِيرُهُ | إِنْ كُنْتِ عنْهُ بِنَجْوَة ٍ لَمْ تَسْمَعِي؟ |
أَصْبَحْتُ بَعْدَكِ في دَيَاجِرِ غُرْبَة ٍ | ما للصَّباحِ بِليلِها مِنْ مَطلَعِ |
لا يَهتَدى فِيها لِرَحلِى َ طارِقٌ | إِلاَّ بِأَنَّة ِ قَلْبِيَ الْمُتَوَجِّعِ |
أَرْعَى الْكَوَاكِبَ فِي السَّمَاءِ، كَأَنَّ لِي | عِندَ النجومِ رَهينة ً لَم تُدفَعِ |
زُهْرٌ تَأَلَّقُ بِالْفَضَاءِ، كَأَنَّهَا | حببٌ تَرَدَّدَ فى غَديرٍ مُترَعِ |
وَكَأَنَّهَا حَوْلَ الْمَجَرِّ حَمَائِمٌ | بِيضٌ عَكَفْنَ عَلَى جَوَانِبِ مَشْرَعِ |
وتَرى الثُريَّا فى السَماءِ كأنَّها | حَلَقاتُ قُرطٍ بالجُمانِ مُرصَّعِ |
بَيضاءُ ناصِعة ٌ كبَيضِ نَعامة ٍ | فِي جَوْفِ أُدْحِيٍّ بِأَرْضٍ بَلْقَعِ |
وَكَأَنَّهَا أُكَرٌ تَوَقَّدَ نُورُهَا | بِالكهرباءة ِ فى سَماوة ِ مَصنعِ |
وَاللَّيْلُ مَرْهُوبُ الْحَمِيَّة ِ، قَائِمٌ | فى مَسحهِ ، كالراهبِ المُتلَفعِ |
مُتَوَشِّحٌ بِالنَّيِّراتِ، كَبَاسِلٍ | مِنْ نَسلِ حام ٍ، باللُّجينِ مُدرَّعِ |
حَسِبَ النُجومَ تَخلَّفتْ عن أمرهِ | فَوحى لَهُنَّ مِنَ الهِلالِ بِإصبعِ |
ما زِلتُ أرقبُ فَجرَهُ حتَّى انجلَى | عَنْ مِثْلِ شَادِخَة ِ الْكُمَيْتِ الأَتْلَعِ |
وَتَرَنَّمَتْ فَوْقَ الأَرَاكِ حَمَامَة ٌ | تَصِفُ الْهَوَى بِلِسَانِ صَبٍّ مُولَعِ |
تَدعو الهَديلَ ، وما رأتهُ ، وتِلكَ مِنْ | شِيمِ الحمائمِ بِدعَة ٌ لم تُسمَعِ |
رَيَّا الْمَسَالِكِ، حَيْثُ أَمَّتْ صَادَفَتْ | ما تَشتَهِى مِنْ مَجثَمٍ أو مَرتعِ |
فإذا عَلت سَكنت مَظَلَّة َ أيكَة ٍ | وَإِذَا هَوَتْ وَرَدَتْ قَرَارَة َ مَنْبَعِ |
أَمْلَتْ عَلَيَّ قَصِيدَة ً فَجَعَلْتُهَا | «لِشَكِيبَ» تُحْفَة َ صَادِقٍ لَمْ يَدَّعِ |
هِى َ مِن أهازيجِ الحمامِ ، وإنَّما | ضَمَّنْتُهَا مَدْحَ الْهُمَامِ الأَرْوَعِ |
هُوَ ذَلِكَ الشَّهْمُ الَّذِي بَلَغَتْ بِهِ | مَسْعَاتُهُ أَمَدَ السِّمَاكِ الأَرْفَعِ |
نِبْرَاسُ دَاجِيَة ٍ، وَعُقْلَة ُ شَارِدٍ | وخطيبُ أندية ٍ ، وفارسُ مَجمَعِ |
صَدقُ البيان ، أعضَّ جَرولَ باسمهِ | وَثَنَى «جَريراً» بِالْجَرِيرِ الأَطْوَعِ |
لم يتَّخِذ بَدرَ المُقنَّعِ آية ً | بَلْ جاءَ خاطِرهُ بِآية ِ يُوشَعِ |
أحيا رَميمَ الشِعرِ بَعدَ هُمودِهِ | وَأَعَادَ لِلأَيَّامِ عَصْرَ «الأَصْمَعِي» |
كَلِمٌ لَها فى السَمعِ أطرَبُ نَغمَة ٍ | وَبِحُجْرَة ِ الأَسْرَارِ أَحْسَنُ مَوْقِعِ |
كَالزَّهْرِ خَامَرَهُ النَّدَى ، فَتَأَرَّجَتْ | أَنْفَاسُهُ بِالْعَنْبَرِ الْمُتَضَوِّعِ |
يَعْنُو لَهَا الْخَصْمُ الأَلَدُّ، ويغْتَذِي | بِلِبانِها ذِهْنُ الْخَطِيبِ الْمِصْقَعِ |
هِى نُجعَة ُ الأدَبِ الَّتى مَن أمَّها | أَلْقَى مَرَاسِيَهُ بِوَادِ مُمْرِعِ |
مَلكَتْ هَوى نَفسى ، وأحيَت خاطِرى | وَرَوَتْ صدَى قَلْبِي، وَلَذَّتْ مِسْمَعِي |
فاسلَم شكيبُ ولا برِحتَ بِنِعمة ٍ | تَحنو عليكَ بِأيكِها المًتفرِّعِ |
فلأنتَ أجدَرُ بِالثناءِ لِمِنَّة ٍ | أَوْلَيْتَهَا، والْبِرُّ أَفْضَلُ مَا رُعِي |
أرهفتَ حَدِّى ، فَهوَ غيرُ مُفلَّلٍ | وَرَعَيْتَ عَهْدِي، فَهْوَ غَيْرُ مُضَيَّعِ |
وبثقتَ لِى مِنْ فَيضِ بَحرِكَ جَدولاً | غَمَرَ الْبِحَارَ بِسَيْلِهِ الْمُتَدَفِّعِ |
عَذُبَت مَوارِدهُ ، فَلو ألقَتْ بهِ | هِيمُ السَحابِ دِلاءها لَم تُقلعِ |
وزَهَت فَرائده ُ، فَصارتْ غُرَّة ً | لِجَبِينِ كُلِّ مُتَوَّجٍ وَمُقَنَّعِ |
هُوَ ذَلِكَ النَّظْمُ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ | أَهْلُ الْبَرَاعَة ِ بِالْمَقَالِ الْمُبْدَعِ |
أَبْصَرْتُ مِنْهُ أَخَا «إِيادٍ» خَاطِباً | وسَمِعتُ عنترة َ الفوارسِ يَدَّعى |
وحَلَمْتُ أَنِّي فِي خَمَائِلِ جَنَّة ٍ | وَمِنَ الْعَجَائِبِ حَالِمٌ لَمْ يَهْجَعِ |
فَضلٌ رَفعتَ بهِ مَنارَ كرامة ٍ | صَرَفَ الْعُيُونَ عَنِ الْمَنَارِ «لِتُبَّعِ» |
فَمتى أقومُ بِشُكرِ ما أوليتَنِى | والنَجمُ أقربُ غاية ً مِن مَنزِعِى |
فَاعْذِرْ إِذَا قَصَرَ الثَّنَاءُ، فَإِنَّنِي | رُزتُ المَقالَ فَلَمْ أجِدْ مِن مَقنَعِ |
لاَ زِلْتَ تَرْفُلُ فِي وِشَاءِ سَعَادَة ٍ | وحَبيرِ عافِية ٍ ، وعَيشٍ أمرَعِ |