نمَّ الصَبا ، وانتبهَ الطائرُ
نمَّ الصَبا ، وانتبهَ الطائرُ | وَاسْتَحَرَ الصَّاهِلُ وَالْهَادرُ |
وأَضْحَتِ الأَرْضُ لِفَيْضِ الْحَيَا | مَصقولة ً يَلهو بِها الناظِر |
تَبْدُو بِها أَنْجُمُ زَهْرٍ لَهَا | مَنَازِلٌ يجْهَلُهَا الْخَابِرُ |
كأنَّما ألبسها نَثرة ً | مِنَ النُّجُومِ الْفَلَكُ الدَّائِرُ |
فقُمْ بِنا نَلهُ بِلَذَّاتِنا | فَإِنَّمَا الْعَيْشُ لَهُ آخِرُ |
وَلاَ تَقُلْ: نَنَظُرُ مَا في غَدٍ | رُبَّ غدٍ آملهُ خاسِرُ |
فَإِنَّمَا الْعَيْشُ وَلَذَّاتُهُ | في سَاعَة ٍ أَنْتَ بِهَا سَادِرُ |
لا يَغنَمُ الَّلذَّة َ غَيرُ امرئٍ | لَيْسَ لَهُ عَنْ لَهْوِهِ زَاجِرُ |
قَد خبرَ الدّهرُ ، فما غائبٌ | يجْهَلُهُ مِنْهُ، وَلاَ حَاضِرُ |
يَا سَاقِيَيَّ، اعْتَوِرَا كَأْسَهَا | فَلِي بِها عَنْ غَيْرِهَا عَاذِرُ |
حَمْرَاءُ تُلْقِي بِلَحَاظِ الْفَتَى | صِبْغاً بِهِ يَعْتَرِفُ النَّاكِرُ |
تَفْعَلُ بِالشَّارِبِ أَضْعَافَ مَا | جَرَّ على عُنقودِها العاصِرُ |
عَتَّقَهَا الدُّهْقانُ في دَيْرِهِ | حِيناً ، ولم يَشعر بِها شاعِرُ |
شَجٍ بِها، يَكْتُمُهَا نَفْسَهُ | وهو ليرضاها غَداً صابِرُ |
حتَّى إذا تمَّت مواقيتُها | وزالَ عَنها الزَّبدُ المائرُ |
جاءَتْ وَقَدْ شَاكَلَهَا كَأْسُهَا | فاشتبهَ الباطِنُ والظَّاهِرُ |
بِمِثْلِها تُعْجِبُنِي صَبْوَتِي | وَيَزْدَهِينِي اللَّيْلُ وَالسَّامِرُ |
فَمَا لِهَذِي النَّاسِ في غَفْلَة ٍ | عمَّا إليهِ يَنتهى السَّائرُ ؟ |
أَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ مَضَتْ قَبْلَهُمْ | مِن أُممٍ ليسَ لها ذاكِرُ؟ |
إِنْ لَمْ يَكُنْ في الأَمْرِ مِنْ حِكْمَة ٍ | فَفِيمَ هذَا الشَّغَبُ الثَّائِرُ؟ |
كلُّ امرئٍ أسلمهُ عَقلهُ | فَمَا لَهُ مَنْ بَعْدِهِ نَاصِرُ |