تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ «سَمِيرَة َ» زَائرُ
تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ «سَمِيرَة َ» زَائرُ | وَمَا الطَّيْفُ إلاَّ مَا تُرِيهِ الْخَوَاطِرُ |
طَوَى سُدْفَة َ الظَّلْمَاءِ، وَاللَّيْلُ ضَارِبٌ | بِأرواقهِ ، والنَجمُ بِالأفقِ حائرُ |
فيا لكَ مِن طيفٍ ألمَّ ودونَهُ | مُحِيطٌ منَ الْبَحْرِ الْجَنُوبِيِّ زَاخِرُ |
تَخطَّى إلى َّ الأرضَ وَجداً ، وما لهُ | سِوَى نَزواتِ الشَوقِ حادٍ وزاجرُ |
ألمَّ ، ولم يلبَث ، وسارَ ، وليتَهُ | أَقَامَ وَلَوْ طَالَتْ عَلَيَّ الدَّيَاجِرُ |
تَحمَّلَ أهوالَ الظلامِ مُخاطِراً | وعَهدى بِمَن جادَت بهِ لا تُخاطِرُ |
خُمَاسِيَّة ٌ، لَمْ تَدْرِ مَا اللَّيْلُ والسُّرَى | ولم تَنحَسِر عَن صَفحتيها السَتائرُ |
عَقِيلَة ُ أتْرَابٍ تَوَالَيْنَ حَولَهَا | كما دارَ بالبدرِ النُجومُ الزَواهِرُ |
غَوَافِلُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَة ٍ | وَلا هُنَّ بالْخَطْبِ الْمُلِمِّ شَوَاعِرُ |
تَعوَّدنَ خَفضَ العيشِ فى ظِلِّ والدٍ | رَحِيمٍ وَبَيْتٍ شَيَّدَتْهُ الْعَنَاصِرُ |
فَهُنَّ كَعُنْقُودِ الثُّرَيَّا، تَأَلَّقَتْ | كَواكِبُهُ في الأُفْقِ، فهْي سَوَافِرُ |
تُمثِلُها الذكرى لعينى ،كأنَّنى | إلَيْهَا علَى بُعْدٍ مِنَ الأَرض نَاظِرُ |
فَطَوْراً إخَالُ الظَّنَّ حَقّاً، وَتَارَة ً | أهِيمُ، فَتَغْشَى مُقْلَتَيَّ السَّمَادِرُ |
فيا بُعدَ ما بينى وبينَ أحبَّتى ! | ويا قُربَ ما التفَّت عليهِ الضَّمائر ! |
ولَوْلاَ أَمَانِي النَّفْسِ وَهْيَ حَياتُهَا | لما طارَ لى فوقَ البسيطة ِ طائرُ |
فإن تَكُنِ الأيامُ فرَّقنَ بيننا | فَكُلُّ امْرِىء ٍ يوْماً إلَى اللَّهِ صَائرُ |
هِي الدَّارُ؛ ما الأَنْفَاسُ إلاَّ نَهَائِبٌ | لديها ، وما الأجسامً إلاَّ عقائرُ |
إذا أحسَنتَ يوماً أساءت ضُحى غدٍ | فَإِحْسَانُهَا سيْفٌ عَلَى النَّاسِ جَائِرُ |
تربُّ الفتى ، حتَّى إذا تمَّ أمرهُ | دَهَتْهُ، كَما رَبَّ الْبَهِيمَة َ جَازِرُ |
لها تِرة ٌ فى كلِّ حى ّ ، وما لها | عَلَى طُول مَا تَجْني علَى الْخَلْق وَاتِرُ |
كَثِيرة ُ أَلْوانِ الْوِدادِ، ملِيَّة ٌ | بأَنْ يَتَوَقَّاها الْقَرينُ الْمُعَاشِرُ |
فَمن نَظرَ الدُنيا بِحكمَة ِ ناقدٍ | دَرَى أنَّها بينَ الأنامِ تُقامِرُ |
صَبَرتُ على كُرهٍ لِما قَد أصابَنى | ومَن لم يَجد مندوحة ً فهوَ صابِرُ |
وما الحِلمُ عِندَ الخطبِ والمرءُ عاجِزٌ | بِمُسْتَحْسَنٍ كَالْحِلْمِ والْمَرْءُ قَادرُ |
ولكِن إذا قلَّ النصيرُ ، وأعوزَت | دواعِى المُنى فالصَبرُ فيهِ المَعاذِرُ |
فَلا يَشمتِ الأعداءُ بى ، فلرُبَّما | وصلْتُ لِما أَرْجُوهُ مِمَّا أُحَاذِرُ |
فَقَدْ يَسْتَقِيمُ الأَمْرُ بَعْدَ اعْوِجاجِهِ | وتنهَضُ بالمرءِ الجدودُ العواثِرُ |
ولى أملٌ فى اللهِ تحيا بهِ المُنى | ويُشرِقُ وَجهُ الظَنِّ والخَطبُ كاشِرُ |
وَطِيدٌ، يَزِلُّ الْكَيْدُ عَنْهُ، وتَنْقَضِي | مُجَاهَدَة ُ الأَيَّامِ وَهْوَ مُثَابِرُ |
إذا المرءُ لم يَركَن إلى اللهِ فى الَّذى | يُحَاذِرُهُ مِنْ دَهْرِهِ فَهْوَ خَاسِرُ |
وإنْ هُوَ لَمْ يصْبِرْ على ما أصَابَهُ | فَلَيْسَ لَهُ فِي مَعْرِضِ الْحَقِّ نَاصِرُ |
ومَن لم يّذق حُلوَ الزمانِ وَمرهُ | فما هوَ إلاَّ طائشُ اللُّبِّ نافِرُ |
وَلَوْلاَ تَكَالِيفُ السِّيادة ِ لَمْ يَخِبْ | جَبانٌ ، ولَم يَحو الفَضيلة َ ثائرُ |
تقلُّ دواعِى النَفسِ وهِى َ ضعيفَة ٌ | وتَقوى همومُ القلبِ وهوَ مُغامِرُ |
وكَيفَ يبينُ الفَضلُ والنَّقصُ فى الوَرى | إذا لَم تَكُن سَومَ الرِجالِ المَآثِرُ ؟ |
وَما حملَ السَّيْفَ الْكَمِيُّ لِزِينَة ٍ | ولكن لأمرٍ أوجبتهُ المفاخرُ |
إذا لَم يكُنْ إلاَّ المعيشة َ مَطلبٌ | فكلُّ زهيدٍ يَمسكُ النَّفسَ جابِرُ |
فَلَوْلاَ الْعُلاَ ما أَرْسَلَ السَّهْم نَازِعٌ | ولا شهرَ السيفَ اليمانى َّ شاهرُ |
منَ العارِ أن يرضى الدنيَّة َ ماجدٌ | ويَقبلَ مَكذوبَ المُنى وهوَ صاغرُ |
إذا كُنتَ تخشى كلَّ شئٍ منَ الردى | فَكُلُّ الَّذِي فِي الْكَوْنِ لِلنَّفْسِ ضائِرُ |
فمِن صِحَّة ِ الإِنْسَانِ ما فِيهِ سُقْمُهُ | ومن أمنهِ ما فاجأتهُ المَخاطِر |
على َّ طِلابُ العزِّ من مُستقرِّهِ | ولا ذَنبَ لى إن عارَضتنى المقادِرُ |
فَمَا كُلُّ مَحْلُولِ الْعَرِيكَة ِ خَائِبٌ | ولاَ كُلُّ مَحْبُوكِ التَّرِيكَة ِ ظَافِرُ |
فماذا عَسى الأعداءُ أن يتقوَّلوا | على َّ ، وعِرضى ناصِحُ الجيبِ وافِرُ ؟ |
فَلي فِي مَرَادِ الْفَضْلِ خَيْرُ مَغَبَّة ٍ | إذَا شَانَ حَيّاً بالْخِيَانَة ِ ذَاكِرُ |
مَلَكْتُ عُقَابَ الْمُلْكِ وَهْيَ كَسِيرَة ٌ | وغادرتُها فى وَكرِها وهى َ طائرُ |
ولو رُمتُ ما رامَ امرؤٌ بِخيانة ٍ | لَصبَّحنِي قِسْطٌ مِنَ الْمال غَامِرُ |
ولكِنْ أَبَتْ نَفْسِي الْكَرِيمَة ُ سَوْأَة ً | تُعابُ بِهَا، والدَّهْرُ فِيهِ الْمعَايرُ |
فلا تحسبنَّ المالَ ينفعُ ربَّهُ | إِذَا هُوَ لَمْ تَحْمَدْ قِرَاهُ الْعَشَائِرُ |
فَقَدْ يَسْتَجِمُّ الْمَالُ وَالْمَجْدُ غَائِبٌ | وَقَدْ لاَ يَكُونُ الْمَالُ والْمَجْدُ حاضِرُ |
ولَو أنَّ أسبابَ السِيادة ِ بالغنى | لكاثرَ ربَّ الفضلِ بالمالِ تاجرُ |
فلا غَروَ أن حُزتُ المكارِمَ عارِياً | فَقَدْ يَشْهَدُ السَّيْفُ الْوَغَى وَهْوَ حاسِرُ |
أنا المرءُ لا يثنيهِ عن دركِ العُلا | نَعِيمٌ، ولاَ تَعْدُو عَلَيْهِ الْمفَاقِرُ |
قَئُولٌ وَأَحْلاَمُ الرِّجالِ عَوَازِبٌ | صَئُولٌ وأَفْوَاهُ الْمَنَايَ فَوَاغِرُ |
فَلاَ أَنا إِنْ أَدْنَانِيَ الْوَجْدُ بَاسِمٌ | وَلاَ أَنَا إِنْ أَقْصَانِيَ الْعُدْمُ بَاسِرُ |
فَمَا الْفَقْر إِنْ لَمْ يَدْنَسِ الْعِرْضُ فَاضِحٌ | وَلاَ الْمَالُ إِنْ لَمْ يَشْرُفِ الْمَرْءُ ساتِرُ |
إذا ما ذُبابُ السَّيفِ لم يكُ ماضِياً | فحيلتهُ وصمٌ لَدى الحربِ ظاهِرُ |
فإن كنتُ قد أصبحتُ فلَّ رَزيَّة ٍ | تقاسمها فى الأهلِ بادٍ وحاضِرُ |
فكَم بطلٍ فَلَّ الزَّمانُ شباتَهُ | وكَمْ سَيِّدٍ دارتْ علَيْهِ الدَّوائِرُ |
وأى ُّ حسامٍ لم تُصبهُ كلالَة ٌ ؟ | وأى ُّ جوادٍ لم تَخنهُ الحوافِرُ ؟ |
فَسَوْفَ يَبِينُ الْحقُّ يَوْماً لِنَاظِرٍ | وتنزو بِعوراءِ الحُقودِ السَّرائرُ |
وَمَا هِيَ إِلاَّ غَمْرَة ٌ، ثُمَّ تَنْجلِي | غيابتُها ، واللهُ من شاءَ ناصِرُ |
فَقَدْ حَاطَني في ظُلْمة ِ الْحَبْسِ، بعْدَمَا | تَرَامَتْ بأَفْلاَذِ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرُ |
فَمَهْلاً بَنِي الدُّنْيَا عَلَيْنَا، فَإِنَّنَا | إِلَى غَايَة ٍ تَنْفَتُّ فيهَا الْمَرائرُ |
تطولُ بِها الأنفاسُ بُهراً ، وتلتوِى | على فَلكة ِ السَّاقينِ فيها المآزِرُ |
هُنالِكَ يَعْلُو الْحَقُّ، وَالْحَقُّ واضِحٌ | ويَسفلُ كَعبُ الزُّورِ ، والزُّورُ عاثِرُ |
وَعَمَّا قَلِيلٍ يَنْتَهِي الأَمْرُ كُلُّهُ | فَما أَوَّلٌ إِلاَّ وَيَتْلُوهُ آخِرُ |