سَل الجيزة َ الفيحاءَ عنْ هرَمَى ْ مِصرِ
سَل الجيزة َ الفيحاءَ عنْ هرَمَى ْ مِصرِ | لَعَلَّكَ تَدْرِي غَيْبَ مَا لَمْ تَكُنْ تَدْرِي |
بِنَاءَانِ رَدَّا صَوْلَة َ الدَّهْرِ عَنْهُمَا | ومن عجبٍ أن يَغلِبا صولة َ الدَّهرِ |
أَقَامَا عَلَى رَغْمِ الْخُطُوبِ لِيَشْهَدَا | لبانيهِما بينَ البريَّة ِ بالفَخرِ |
فكم أممٍ فى الدَّهرِ بادَت ، وأعصرٍ | خَلت ، وهُما أعجوبَة ُ العينِ والفكرِ |
تَلوحُ لآثارِ العُقولِ عَليهِما | أساطيرُ لاتَنفكُّ تتلى إلى الحَشرِ |
رُمُوزٌ لَو اسْتَطْلَعْتَ مَكْنُونَ سِرِّهَا | لأبصرتَ مجموعَ الخلائقِ فى سَطرِ |
فما من بناءٍ كانَ ، أو هوَ كائنٌ | يُدَانِيهِمَا عِنْدَ التَأَمُّلِ وَالْخُبْرِ |
يُقَصِّرُ حُسْناً عَنْهُمَا «صَرْحُ بَابِلٍ» | وَيَعْتَرِفُ «الإِيوَانُ» بِالْعَجْزِ وَالْبَهْرِ |
فلو أنَّ “هاروتَ ” انتحَى مَرصديهِما | لألقى مَقاليدَ الكَهانة ِ والسِحرِ |
كَأَنَّهُمَا ثَدْيَانِ فَاضَا بِدِرَّة ٍ | منَ النيلِ تروى غُلَّة َ الأرضِ إذ تجرِى |
وبينَهما ” بَلْهيبُ ” فى زِى ِّ رابضٍ | أَكَبَّ عَلَى الْكَفَّيْنِ مِنْهُ إِلَى الصَّدْرِ |
يُقَلِّبُ نَحْوَ الشَّرْقِ نَظْرَة َ وَامِقٍ | كَأَنَّ لَهُ شَوْقاً إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ |
مَصانِعُ فيها للعلومِ غوامِضٌ | تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ آدَمَ ذُو قَدْر |
رسا أصلُها ، وامتدَّ فى الجَوِّ فَرعُها | فأصبَحَ وكراً للسِماكَينِ والنَسرِ |
فقُمْ نَغترِف خَمرَ النُّهى مِن دِنانِها | ونَجنى بِأيدى الجدِّ رَيحانة َ العُمرِ |
فَثمَّ علومٌ لم تفَتَّق كِمامُها | وثَمَّ رموزٌ وحيُها غامِضُ السِرِّ |
أقمتُ بِها شَهرا ، فأدرَكتُ كُلَّ ما | تَمَنَّيْتُهُ مِنْ نِعْمَة ِ الدَّهْرِ فِي شَهْر |
نَروحُ ونَغدو كُلَّ يومٍ لنَجتنى | أزاهيرَ علمٍ لاتجفُّ معَ الزَّهرِ |
إذا ما فتحنا قفلَ رمزٍ بَدت لنا | مَعَارِيضُ لمْ تُفْتَحْ بِزِيجٍ وَلاَ جَبْرِ |
فَكَمْ نُكَتٍ كَالسِّحْرِ فِي حَرَكَاتِهِ | تُريكَ مدبَّ الرُّوحِ فى مُهجَة ِ الذرِّ |
سَكِرْنَا بِما أَهْدَتْ لَنَا مِنْ لُبابِها | فيا لكَ مِن سكرٍ أتيحَ بلا خَمرِ! |
وما ساءنى إلاَّ صَنيعُ معاشرٍ | أَلَحُّوا عَلَيْهَا بِالْخِيَانَة ِ وَالْغَدْرِ |
أبادوا بِها شَملَ العُلومِ ، وشَوَّهوا | مَحَاسِنَ كَانَتْ زِينَة َ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ |
فَكم سَمَلوا عَيناً بِها تُبصَرُ العُلا | وَشَلُّوا يَداً كَانَتْ بِها رَايَة ُ النَّصْرِ |
تمنَّوا لقاطَ الدُرِّ جَهلاً ، وما درَوا | بِأَنَّ حَصَاهَا لاَ يُقَوَّمُ بِالدُرِّ |
وفَلُّوا لِجمعِ التِبرِ صُمَّ صُخورِها | وَأَيْسَرُ مَا فَلُّوهُ أَغْلَى مِنَ التِّبْرِ |
وَلَكِنَّهُمْ خَابُوا، فَلَمْ يَصِلُوا إِلى | مُناهُم ، ولاأبقوا علَيها منَ الخَترِ |
فَتبًّا لَهُم مِن مَعشرٍ نَزَعَت بِهِم | إلى الغى ِّ أخلاقٌ نَبتنَ على غِمرِ |
ألا قبَّحَ اللهُ الجهالة ، إنَّها | عَدوَّة ما شادَتهُ فِينا يدُ الفِكرِ |
فلَو رَدَّتِ الأيَّامُ مُهجَة َ ” هُرمُسٍ “ | لأعولَ من حزنٍ على نوَبِ الدَهرِ |
فيا نَسَماتِ الفَجرِ! أدَّى تَحيَّتى | إِلى ذَلِكَ الْبُرْجِ الْمُطلِّ عَلى النَّهْرِ |
ويا لَمعاتِ البرق ! إن جُزتِ بالحِمى | فَصُوبِي عَلَيْهَا بِالنِّثَارِ مِنَ الْقَطْرِ |
عَليها سَلامٍ من فؤادٍ متيَّمٍ | بِها، لاَ بِرَبَّاتِ الْقَلائِدِ والشَّذْرِ |
ولا بَرِحَت فى الدَّهرِ وَهى َ خوالِدٌ | خُلودَ الدَّرارى والأَوابدِ مِن شِعرى |