تَلاهَيْتُ إِلاَّ ما يُجِنُّ ضَمِيرُ
تَلاهَيْتُ إِلاَّ ما يُجِنُّ ضَمِيرُ | وَدَارَيْتُ إِلاَّ مَا يَنِمُّ زَفِيرُ |
وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ كِتْمَانَ أَمْرِهِ | وفى الصَّدرِ مِنهُ بارِحٌ وسَعيرُ ؟ |
فيا قاتلَ اللهُ الهوى ، ما أشدَّهُ | عَلى الْمَرْءِ إِذْ يَخْلُو بهِ فَيُغِيرُ! |
تَلينُ إليهِ النَّفسُ وَهى َ أبيَّة ٌ | وَيَجْزَعُ مِنْهُ الْقَلْب وَهْوَ صَبُورُ |
نَبَذْتُ لَهُ رُمْحي، وَأَغْمَدْتُ صَارِمِي | وَنَهْنَهْتُ مُهْرِي، والْمُرادُ غَزِيرُ |
وَأَصْبَحْتُ مَفْلُولَ الْمَخَالِبِ بَعْدَمَا | سَطوتُ وَلى فى الخافِقينِ زَئيرُ |
فَيا لَسراة ِ القومِ ! دَعوة ُ عائذٍ | أَمَا مِنْ سَمِيعٍ فِيكُمُ فَيُجِيرُ؟ |
لَطَالَ عَليَّ اللَّيْلُ حَتَى مَلِلْتُهُ | وعَهدِى بهِ فيما عَلِمتُ قصيرُ |
أَلا، فَرَعَى اللَّهُ الصِّبَا، مَا أَبَرَّهُ! | وحيَّا شَباباً مَرَّ وَهوَ نَضيرُ |
إِذِ الْعَيْشُ أَفْوَافٌ، تَرِفُّ ظِلالُهُ | عَلينا ، وسَلسالُ الوَفاءِ نَميرُ |
وَإِذْ نَحْنُ فيما بَيْنَ إِخْوَانِ لَذَّة ٍ | عَلى شِيَمٍ مَا إِنْ بِهِنَّ نَكِيرُ |
تَدُورُ عَلَيْنَا الْكَأْسُ بَيْنَ مَلاعِبٍ | بِها اللَّهْوُ خِدْنٌ، وَالشَّبَابُ سَمِيرُ |
فَأَلْحَاظُنَا بَيْنَ النُّفُوسِ رَسَائلٌ | وريحانُنا بينَ الكئوسِ سَفيرُ |
عَقدنا جناحَى ليلِنا بنهارِنا | وطِرنا معَ اللذَّات حيثُ تَطيرُ |
وقُلنا لِساقينا أدِرها، فإنَّما | بَقاءُ الفتى بَعدَ الشَبابِ يَسيرُ |
فَطافَ بِها شَمسيَّة ً لَهبيَّة ً | لَهَا عِنْدَ أَلْبَابِ الرِّجالِ ثُئُورُ |
إذا ما شَرِبناها أقمنا مَكاننا | وَظَلَّتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ تَدُورُ |
وَكَمْ لَيْلَة ٍ أَفْنَيْتُ عُمْرَ ظَلاَمِها | إِلى أَنْ بَدَا للِصُّبْحِ فيهِ قَتِيرُ |
شَغَلْتُ بِها قَلْبِي، وَمَتَّعْتُ نَاظِرِي | ونَعَّمتُ سَمعى والبَنانُ طَهورُ |
صَنَعتُ بِها صُنعَ الكَريمِ بِأهلهِ | وجِيرتهِ ، والغادِرونَ كثيرُ |
فَمَا رَاعَنَا إِلاَّ حَفِيفُ حَمَائِمٍ | لَها بينَ أطرافِ الغُصونِ هَديرُ |
تُجَاوِبُ أَتْرَاباً لَهَا فِي خَمَائِلٍ | لَهُنَّ بِها بَعدَ الحَنينِ صَفيرُ |
نَوَاعِمُ لا يَعْرِفْنَ بُؤْسَ مَعِيشَة ٍ | ولا دائراتِ الدَهرِ كَيفَ تَدورُ |
تَوَسَّدُ هَامَاتٌ لَهُنَّ وَسَائِداً | مِنَ الرِّيشِ فِيهِ طَائِلٌ وَشَكِيرُ |
كَأنَّ على أعطافِها مِن حَبيكِها | تَمائمَ لَم تُعقَد لَهُنَّ سُيورُ |
خَوَارِجُ مِنْ أَيْكٍ، دَواخِلُ غَيْرِهِ | زَهاهنَّ ظِلٌّ سَابِغٌ وغَديرُ |
إذا غازَلَتها الشَمسُ رفَّت ، كأنَّما | على صَفحتيها سُندسٌ وَحريرُ |
فلمَّا رَأيتُ الصُبحَ قَد رفَّ جِيدهُ | وَلَمْ يَبْقَ مِنْ نَسْجِ الظَلامِ سُتُورُ |
خَرَجْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً، وَإِنَّمَا | يَتِيهُ الْفَتَى إِنْ عَفَّ وَهْوَ قَدِيرُ |
وَلِي شِيمَة ٌ تَأْبَى الدَّنَايَا، وَعَزْمَة ٌ | تَرُدُّ لُهامَ الجيشِ وَهوَ يَمورُ |
إِذَا سِرْتُ فَالأَرْضُ الَّتِي نَحْنُ فَوْقَهَا | مَرادٌ لِمُهرِى ، والمَعاقِلُ دُورُ |
فَلا عَجبٌ إن لَم يَصُرنى مَنزِلٌ | فَليسَ لِعِقبانِ الهَواءِ وُكورُ |
هَمامَة ُ نَفسٍ ليسَ يَنقى رِكابَها | رَواحٌ عَلى طُولِ المَدى وبُكورُ |
مُعَوَّدة ٌ ألاَّ تَكفَّ عِنانَها | عَنِ الجِدِّ إلاَّ أن تَتِمَّ أُمورُ |
لَها منْ وَراءِ الغَيبِ أُذنٌ سَميعَة ٌ | وعَينٌ تَرى ما لا يراهُ بَصيرُ |
وَفيتُ بِما ظَنَّ الكِرامُ فِراسة ً | بِأَمْرِي، وَمِثْلِي بِالْوَفَاءِ جَدِيرُ |
وَأَصْبَحْتُ مَحْسُودَ الْجَلالِ، كَأَنَّنِي | عَلى كُلِّ نَفسٍ فى الزَمانِ أَميرُ |
إذا صُلتُ كَفَّ الدَهرُ مِن غُلَوَائهِ | وإِن قُلتُ غَصَّت بِالقلوبِ صُدورُ |
مَلَكْتُ مَقَالِيدَ الْكَلاَمِ، وَحِكْمَة ً | لَهَا كَوْكَبٌ فَخْمُ الضِّيَاءِ مُنِيرُ |
فَلَوْ كُنْتُ فِي عَصْرِ الْكَلامِ الَّذِي انْقَضَى | لَبَاءَ بِفَضْلِي «جَرْوَلٌ» و«جَرِيرُ» |
وَلَو كُنتُ أَدرَكتُ ” النُواسِى َّ ” لم يَقُل | أَجَارَة َ بَيْتَيْنَا أَبُوكِ غَيُورُ |
وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُمُ | وفَضلِى َ بينَ العالمينَ شَهيرُ |
فَيَا رُبَّما أَخْلَى مِنَ السَّبقِ أَوَّلٌ | وبَذ الجيادَ السَابِقاتِ أَخيرُ |