أَبَى الشَّوقِ إلاَّ أَن يَحِنَّ ضَميرُ
أَبَى الشَّوقِ إلاَّ أَن يَحِنَّ ضَميرُ | وكُلُّ مَشوقٍ بالحَنينِ جَديرُ |
وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ كِتْمانَ لَوْعَة ٍ | يَنِمُّ عَلَيْهَا مَدْمَعٌ وَزَفِيرُ؟ |
خَضَعْتُ لأَحْكَامِ الْهَوَى ، وَلَطَالَمَا | أَبَيْتُ فَلَمْ يَحْكُمْ عَليَّ أَمِيرُ |
أفُلُّ شباة َ اللَّيثِ وهوَ مُناجِزٌ | وأرهبُ لَحظَ الرِئمِ وَهوَ غَريرُ |
وَيَجْزَعُ قَلْبي لِلصُّدُودِ، وَإِنَّنِي | لَدى البأسِ إن طاشَ الكَمِى ُّ صَبورُ |
وَمَا كُلُّ مَنْ خَافَ الْعُيُونَ يَرَاعَة ٌ | وَلا كُلُّ مَنْ خَاضَ الْحُتُوفَ جَسُورُ |
وَلكِن لأَحكامِ الهَوى جبَريَّة ٌ | تَبوخُ لَها الأنفاسُ وَهى تَفورُ |
وإنِّى على ما كانَ مِن سَرَفِ الهَوى | لَذُو تُدْرَإٍ في النَّائِباتِ مُغِيرُ |
يُرافِقُنى عِندَ الخُطوبِ إذا عَرَت | جَوادٌ ، وسَيفٌ صارِمٌ ، وجَفيرُ |
وَيَصْحَبُنِي يَوْمَ الْخَلاَعَة ِ وَالصِّبَا | نَديمٌ ، وكَأسٌ رَيَّة ٌ ، ومُديرُ |
فَطَوْراً لِفُرْسَانِ الصَّبَاحِ مُطَارِدٌ | وَطَوْراً لإِخْوَانِ الصَّفَاءِ سَمِيرُ |
وَيَا رُبَّ حَيٍّ قَدْ صَبَحْتُ بِغارَة ٍ | تَكادُ لَها شُمُّ الجِبالِ تَمورُ |
وَلَيْلٍ جَمَعْتُ اللَّهْوَ فِيهِ بِغادَة ٍ | لَها نَظرة ٌ تُسدِى الهَوى وتُنيرُ |
عَقَلْنَا بِهِ مَا نَدَّ مِنْ كُلِّ صَبْوَة ٍ | وَطِرنا مَعَ اللّذَاتِ حَيثُ تَطيرُ |
وَقُلنا لِساقينا أَدِرهَا ، فإنَّما | بَقاءُ الفتى بَعدَ الشَبابِ يَسيرُ |
فَطافَ بِها شَمسيَّة ً ذَهبيَّة ً | لَهَا عِنْدَ أَلْبَابِ الرِجالِ ثُئُورُ |
إذا ما شرِبناها أَقمنا مكانَنا | وَظَلَّتْ بِنَا الأَرْضُ الْفَضَاءُ تَدُورُ |
إِلى أَنْ أَمَاطَ اللَّيْلُ ثِنْيَ لِثَامِهِ | وكادَت أساريرُ الصَباحِ تُنيرُ |
ونَبَّهَنا وَقعُ النَدى فى خَميلة ٍ | لَها مِن نُجومِ الأقحوانِ ثُغورُ |
تَناغَت بِها الأطيارُ حِينَ بَدا لَها | مِنَ الْفَجْرِ خَيْطٌ كالْحُسامِ طَرِيرُ |
فَهُنَّ إلى ضَوءِ الصَباحِ نَواظِرٌ | وعَن سُدفَة ِ اللَّيل المجَنَّحِ زورُ |
خَوَارِجُ مِنْ أَيْكٍ، دَوَاخِلُ غَيْرِهِ | زَهاهُنَّ ظِلٌّ سابِغٌ وَغديرُ |
تَوَسَّدُ هَامَاتٌ لَهُنَّ وَسَائِداً | مِن الرِّيشِ فيهِ طائِلٌ وَشَكِيرُ |
كَأنَّ عَلى أعطافِها مِن حَبيكها | تمائمَ لَم تُعقَد لَهُنَّ سُيورُ |
إذا ضاحَكتها الشَّمسُ رَفَت ، كَأنَّما | عَلى صَفحتيها سُندُسٌ وَحريرُ |
فَلمَّا رأيتُ اللَّيلَ وَلَّى ، وأقبَلَت | طَلائِعُ مِنْ خَيْلِ الصَّبَاحِ تُغِيرُ |
ذَهَبْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً، وإِنَّمَا | يَتِيهُ الْفَتَى إِنْ عَفَّ وَهْوَ قَدِيرُ |
وَلِي شِيمَة ٌ تَأْبَى الدَّنَايَا، وَعَزْمَة ٌ | تَفُلُّ شَباة َ الْخَطْبِ وَهْوَ عَسِيرُ |
مُعوَّدة ألاَّ تكُفَّ عِنانَها | عَنِ الجِدِّ إلاَّ أن تَتِمَّ أُمورُ |
لَها مِن وَراءِ الغَيبِ أذنٌ سَميعَة ٌ | وعينٌ تَرى ما لا يراهُ بَصيرُ |
وإنِّى امرؤٌ صَعبُ الشَّكيمَة ِ بالِغٌ | بِنَفسى شَأواً ليسَ فِيهِ نَكيرُ |
وَفيتُ بِما ظَنَّ الكِرامُ فِراسَة ً | بِأَمْرِي، وَمِثْلِي بِالْوَفاءِ جَدِيرُ |
فما أنا عَمَّا يُكسِبُ العِزَّ ناكِبٌ | وَلا عِنْدَ وَقْعِ الْمُحْفِظَاتِ حَسِيرُ |
إذا صُلتُ كَفَّ الدَّهرُ مِن غُلوائهِ | وإن قُلتُ غَصَّت بِالقلوبِ صُدورُ |
مَلَكْتُ مَقَالِيدَ الْكَلامِ، وَحِكْمَة ً | لَهَا كَوْكَبٌ فَخْمُ الضِّيَاءِ مُنِيرُ |
فَلَوْ كُنْتُ في عَصْرِ الْكَلامِ الَّذِي انْقَضَى | لَبَاءَ بِفَضْلِي «جَرْوَلٌ» و«جَرِيرُ» |
ولَو كُنتُ أدركتُ النُّواسِى َّ لم يَقُل | أَجَارَة َ بَيْتَيْنَا أَبُوكِ غَيُورُ |
وَمَا ضَرَّنِي أَنِّي تَأَخَّرْتُ عَنْهُمُ | وَفَضلِى َ بينَ العالمينَ شَهيرُ |
فَيَا رُبَّمَا أَخْلَى مِنَ السَّبْقِ أَوَّلٌ | وَبَدَّ الجِيادَ السابِقاتِ أَخيرُ |