رَمَتْ بِخُيُوطِ النُّورِ كَهْرَبَة ُ الْفَجْرِ
رَمَتْ بِخُيُوطِ النُّورِ كَهْرَبَة ُ الْفَجْرِ | ونمَّت بأسرار النَّدى شفة ُ الزهرِ |
وسارت بأنفاسِ الخمائلِ نسمَة ٌ | بليلة ُ مهوى الذيلِ ،عاطرة ُ النشرِ |
فقم نغتنِم صفوَ البكورِ، فإنَّها | غداة ُ زهرُها باسِمُ الثغرِ |
تَرَى بَيْنَ سَطْحِ الأَرْضِ والْجَوِّ نِسْبَة ً | تُشَاكِلُ مَا بَيْنَ السَّحائِب والْغُدْر |
ففى الجوِّ هتَّان يسيلُ ، وفى الثرى | سيولٌ ترامى بينَ أودية ٍ غزرِ |
غَمَامَانِ فَيَّاضَانِ: هَذَا بِأُفْقِهِ | يَسِيرُ، وهَذَا فِي طِبَاقِ الثَّرَى يَسْرِي |
وقد ماجتِ الأغصانُ بينَ يدِ الصبا | كَمَا رَفْرَفَتْ طَيْرٌ بِأَجْنِحَة ٍ خُضْرِ |
كَأَنَّ النَّدَى فَوْقَ الشَّقِيقِ مَدَامِعٌ | تَجولُ بخدٍّ ، أو جُمانٌ على تبر |
إذا غازَلتها لمعَة ٌ ذهبيَّة ٌ | مِنَ الشَّمْسِ رَفَّتْ كالشَّرارِ عَلى الْجَمْرِ |
ففى كلِّ مَرعى لحظة ٍ وَشى ُ ديمَة ٍ | وفى كلِّ مرمى خطوة ٍ أجرعٌ مثرى |
مروجٌ جلاها الزهرُ ، حتَّى كأنَّها | سماءٌ تروقُ العينَ بالأنجمِ الزهرِ |
كأنَّ صِحافَ النورِ والطلُّ جامدٌ | مَبَاسِمُ أَصْدَافٍ تَبَسَّمْنَ عَنْ دُرِّ |
وقَد شاقنى والصُبحُ فى خدرِ أمِّهِ | حَنِينُ حَمَامَاتٍ تَجَاوَبْنَ فِي وَكْرِ |
هَتَفْنَ فَأَطرَبْنَ الْقُلُوبَ، كَأَنَّمَا | تعلَّمنَ ألحانَ الصَّبابة ِ من شعرى |
وقامَ على الجدرانِ أَعرفُ لم يزَل | يبدِّدُ أحلامَ النِّيامِ ولا يدرى |
تخايلَ فى موشيَّة ٍ عبقريَّة ٍ | مُهدَّلة ِ الأردانِ سابِغة ِ الأُزرِ |
لَهُ كِبْرَة ٌ تَبْدُو عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ | مليكٌ عليهِ التَّاجُ ينظرُ عن شزر |
فَسَارِعْ إِلى دَاعِي الصَّبُوحِ مَعَ النَّدَى | لنجمِ بأيدى الَّلهوِ باكورة َ العمرِ |
فقد نسَمَت ريحُ الشَّمالِ ، فنبَّهت | عيونَ القمارى وهى فى سنة ِ الفجرِ |
وَنَادَى الْمُنَادِي للصَّلاة ِ بِسُحْرَة ٍ | فَأَحْيَا الْوَرَى مِنْ بَعْدِ طَيٍّ إلى نَشْرِ |
فبادِر لميقاتِ الصَّلاة ِ ، ومِل بنا | إلى القصفِ ما بينَ الجزيرة ِ والنَّهرِ |
إذا ما قضينا واجِبَ الدِّين حقَّهُ | فَلَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْخَلاَعَة ِ مِنْ وِزْرِ |
ألا ربَّ يومٍ كانَ تاريخَ صبوة ٍ | مضى غيرَ إثرٍ فى المخيلة ِ أو ذكرِ |
عَصَيْتُ بِهِ سُلْطَانَ حِلْمِي، وَقَادَنِي | إِلى اللَّهْوِ شَيْطَانُ الْخَلاعَة ِ والسُّكْرِ |
لَدَى رَوْضَة ٍ رَيَّا الْغُصُون، تَرَنَّحَتْ | مَعَاطِفُهَا رَقْصاً عَلى نَغْمَة ِ الْقُمْري |
تَدُورُ عَلَيْنَا بِالْمُدَامَة ِ بَيْنَها | تماثيلُ ، إلاَّ أنَّها بيننا تجرى |
تَرَى كُلَّ مَيْلاءِ الْخِمارِ مِنَ الصِّبَا | هَضِيمَة ِ مَجْرَى الْبَنْدِ، نَاهِدَة ِ الصَّدْرِ |
إِذَا انْفَتَلَتْ فِي حَاجَة ٍ خِلْتَ جُؤْذُراً | أحسَّ بصيَّادٍ فأتلعَ من ذعرِ |
لَوَى قَدَّهَا سُكْرُ الْخَلاَعَة ِ والصِّبَا | فمالت بشطرٍ ، واستقامت على شطرِ |
وعلَّمها وحى ُ الدلالِ كهانة ً | فإن نطقَت جاءت بشئٍ منَ السحرِ |
أحسَّت بما فى نفسِها من ملاحة ٍ | فَتَاهَتْ عَلَيْنَا، وَالْمَلاَحَة ُ قَدْ تُغْرِي |
وَأَعْجَبَها وَجْدِي بِها، فَتَكَبَّرَتْ | عَليَّ دَلالاً، وَهْيَ تَصْدُرُ عَنْ أَمْرِي |
فَتَاة ٌ يَجُولُ السِّحْرُ فِي لَحَظَاتِهَا | مَجَالَ الْمَنَايَا فِي الْمُهَنَّدَة ِ الْبُتْرِ |
إذا نظَرَت ، أو أقبَلت ، أو تهلَّلت | فويلُ مهاة ِ الرملِ ، والغُصن ، والبَدرِ |
فَمَا زِلْنَ يُغْرِينَ الطِّلاَ بِعُقُولِنا | إلى أن سقطنا لليدينِ وللنَّحرِ |
فَمِنْ واقِعٍ يَهْذِي، وآخَرَ ذاهِلٍ | لَهُ جَسَدٌ ما فِيهِ رُوحٌ سِوَى الْخَمْر |
صَرِيعٌ يَظُنُّ الشُّهْبَ مِنْهُ قَرِيبَة ً | فيَسْدُو بِكَفَّيْهِ إِلى مَطْلَعِ النَّسْر |
إذا ما دعوتَ المرءَ دارَ بلحظهِ | إِلَيْكَ، وَغَشَّاهُ الذُّهُولُ عَنِ الْجَهْرِ |
بعيدُ عنِ الداعِى وإن كانَ حاضِراً | كَأَنَّ بِهِ بَعْضَ الْهَنَاتِ مِنَ الْوَقْرِ |
تحكَّمتِ الصهباءِ فيهِم ، فغيَّرت | شمائلَ ما يأتى بهِ الجدُّ بالهذرِ |
فَيَا سَامَحَ اللَّهُ الشَّبَابَ وَإِنْ جَنَى | على َّ ، وحيَّا عهدَهُ سَبلُ القطرِ |
ملَكتُ بهِ أمرى ، وجاريتُ صبوتى | وَأَصْبَحْتُ مَرْهُوبَ الْحَمِيَّة ِ وَالْكِبْرِ |
إِذَا أَبْصَرُونِي فِي النَّدِيِّ تَحَاجَزُوا | عنِ القولِ ، واستغنوا عنِ العرفِ بالنكر |
وقالوا فتى ً مالَت بهِ نشوة ُ الصبا | وليسَ على الفتيانِ فى الَّلهوِ من حجرِ |
يخافونَ منِّى أن تثورَ حميَّتى | فيبغونَ عطفى بالخديعة ِ والمكرِ |
أَلا لَيْتَ هَاتِيكَ اللَّيَالِي وَقَدْ مَضَتْ | تعودُ ، وذاكَ العيشُ يأتى على قدرِ |
مواسِمُ لذَّاتٍ تقضَّت ، ولم يَزَل | لها أثرٌ يطوى الفؤادَ على أثرِ |
إذا اعتورتها ذُكرة ُ النَّفسِ أبصَرَت | لها صُورة ً تختالُ فى صفحة ِ الفكرِ |
فذلِكَ عصرٌ قد مَضى لسبيلهِ | وخلفنى أرعى الكواكِبَ فى عصرِ |
لَعَمْرُكَ مَا في الدَّهْرِ أَطْيَبُ لَذَّة ً | مِنَ اللَّهْوِ فِي ظِلِّ الشَّبِيبَة ِ والْيُسْرِ |