هوَ الدّهرُ مُغرًى بالكَريمِ وسَلبِهِ،
هوَ الدّهرُ مُغرًى بالكَريمِ وسَلبِهِ، | فإنْ كنتَ في شكٍّ بذاكَ فسلْ بهِ |
أرانا المعالي كيفَ ينهدّ ركنُها، | وكيفَ يغورُ البدرُ من بينِ شهبهِ |
أبعدَ غِياثِ الدّينِ يَطمَعُ صَرفُهُ | بصرفِ خطابِ الناسِ عن ذمّ خطبهِ |
وتخطو إلى عبد الكريمِ خطوبهُ، | ويطلبُ منّا اليومَ غفرانُ ذنبهِ |
سَليلُ النّبيّ المُصطَفى ، وابنُ عمّهِ، | ونجلُ الوصيّ الهاشميّ لصلبهِ |
فتًى كانَ مثلَ الغَيثِ يُخشَى وَبالُهُ | ويُرجَى لطُلاَّبِ النّدى وَبلُ سُحبِهِ |
رَقيقُ حَواشي العَيشِ في يومِ سِلمِهِ، | كثيفُ حواشي الجيشِ في يومِ حَربِهِ |
فلا يَتّقي الأسيافَ إلاّ بوَجهِهِ، | ولا يَلتَقي الأضيافَ إلاّ بقَلبِهِ |
ولا ينظرُ الأشياءض إلاّ بعقلِهِ، | ولا يَسمَعُ الأنباءَ إلاّ بلُبّهِ |
إذا جالَ في يومِ الرّدى قيلَ من له؟ | وإن جادَ في يوِم النّدى قيل مَن بِهِ؟ |
أمن بعدِ ما تمتْ محاسنُ بدرهِ، | ودارتْ على كلّ الوَرى كاسُ حزنِهِ |
دَهَتهُ المَنايا، وهيَ في حدّ سَيفِهِ، | وصرفُ الليالي وهوَ من بعضِ حبهِ |
كأنْ لم يَقُدْها كالأجادِلِ سُرَّباً، | ويرفع قبّ الليلِ من نقعِ قبهِ |
ولم يقرعِ الأسماعَ وقعُ خطابهِ، | ولم يطرقِ الهيجاءَ موقعُ خطبهِ |
ولا كان يومَ الدَّستِ صاحبَ صدرهِ، | وللجيشِ يومَ الحربِ مَركزُ قُطبِهِ |
أتَعتَزّهُ الأعداءُ في يومِ لَهوِهِ، | فلاّ أتوهُ جحفلاً يومَ حربهِ |
ولم أرَ قَبلَ اليَومِ لَيثَ عَريكَة ٍ، | أذاقَتهُ طَعمَ المَوتِ عَضّة ُ كَلبِهِ |
ولو كانَ ما بينَ الصوارمِ والقنا، | وفوقَ مُتونِ الخَيلِ إدرَاكُ نَحبِهِ |
لكانَ جَميلَ الذّكرِ عن حُسنِ فِعله، | ينفسُ عن قلبش الفتى بعضَ كربهِ |
أبيُّ قيادِ النفسِ آثرَ حتفهُ، | ولم يُبدِ يَوماً للعِدى لينَ جَنبِهِ |
كأنّ بني عبد الحَميدِ لفَقدِه، | ذُرى جبَلٍ هُدّتْ جَلامدُ هَضبِهِ |
أتَسلُبُهُ الأعداءُ مِن بينَ رَهطِهِ، | وتَغتالُهُ الأيّامُ من دونِ صَحبِهِ |
وتَفقدُهُ في دَولة ٍ ظاهرِيّة ٍ | بها الذئبُ يعدو رائعاً بينَ سربهِ |
بدَولَة ِ مَلكٍ يَغصبُ اللّيثَ قُوتَهُ، | ويقتلُ منْ يلقاهُ شدة ُ رعبهِ |
فلو كانَ شمسُ الحقّ والدين شاهداً | لمَصرَعِ ذاكَ النّدبِ ساعة َ نَدبِهِ |
بكاهُ بأطرافِ الأسنة ِ والظبَى ، | بدَمعٍ من اللّباتِ مَسقِطُ سَكبِهِ |
وشنّ على عربِ العذارينِ غارة ً | يَضيقُ بها في البَرّ واسعُ رَحبِهِ |
فتعجبُ لباتُ الكماة ِ بطعنهِ، | ويُعرِبُ هاماتِ الحُماة ِ بضَربِهِ |
فلا نَقطَ إلاّ من سِنانِ قَناتِهِ، | ولا شكلَ إلاّ من مضاربِ عضبهِ |
أبا الحربِ بادرْ واتخذها صنيعة ً، | تُبَدِّلُ مُرَّ القَولِ فيكُم بعَذبِهِ |
فكم لغياثِ الدينِ من حقّ منة ٍ | تطوقُ بالإنعامِ أعناقَ صحبهِ |
قضَى نَحبَهُ، والذّكرُ منه مُخَلَّدٌ | بأفواهِنا لم يَقضِ يوماً لنَحبِهِ |
ومُذ رَجَعتْ أترابُهُ من وَداعِهِ، | تلقاهُ في أكفانِهِ عفوُ ربهِ |
سقَى قبرهُ من صيبِ المزنِ وابلٌ، | يَجُرّ على أرجائِهِ ذَيلَ خَصبِهِ |
ومن عجبٍ أنّ السحابَ بقبرهِ، | وأسألُ من صوبِ الحيا ريّ ربهِ |