لا تَخشَ يا رَبعَ الحَبيبِ هُمودَا،
لا تَخشَ يا رَبعَ الحَبيبِ هُمودَا، | فلَقد أخذتَ على العِهادِ عُهُودَا |
وليُفنِيَنّ ثَراكَ عن صَوبِ الحَيا | صوبُ المدامعِ إن طلبتَ مزيدا |
كما غادرتْ بفناكَ، يومَ وداعِنا، | سُحبُ المَدامعِ مَنهَلاً مَورُودا |
ولكم سكبتُ عليكَ وافرَ أدمعي، | في ذلكَ اليومِ الطويلِ مريدا |
ولقد عهدتُ بكَ الظباءَ سوانحاً، | بظِلالِ شِعبِكَ، والحِسانَ الغِيدا |
حُوراً، إذا غُوزِلنَ كنّ جآذِراً؛ | وإذا أردنَ الفتكَ كنّ أسودا |
أخجلنَ زهرَ الأقحوانِ مباسماً | زَهراً وضاهَينَ الشّقيقَ خُدودا |
وحَسَدَن كُثبانَ النّقا وغُصونَهُ، | فثقلنَ أردافاً ومسنَ قدودا |
من كلّ واضِحَة ٍ، إذا هيَ أقبَلَتْ | عايَنتَ دُرّاً في الثّغورِ نَضِيدا |
حَذِرتْ عُيونَ العاشِقينَ فصَيّرَتْ | بُرجَ الهِلالِ تَمائِماً وعُقودا |
كم قد سَهِرتُ اللّيلَ أرقُبُ زَورَة ً | منها، فلم أر للصباحِ عمودا |
ورَعَيتُ أنجُمَهُ فأكسَبتُ السُّها | فكأنّما كُسِيتْ بهنّ جُلودا |
وحملتُ أعباءَ الغرامِ وثقلهُ، | فرداً، وحاربتُ الزمانَ وحيدا |
فجَعَلتُ نَجمَ الدّينِ سَهمي عندَما | عايَنتُ شَيطانَ الخُطوبِ مَريدا |
نجمٌ تدينُ لهُ النجومُ خواضِعاً، | ملكٌ تخرُّ لهُ الملوكُ سجودا |
غَيثٌ يُريكَ من السّيوفِ بَوارِقاً، | ومِنَ الجِيادِ زَلازِلاً ورُعُودا |
يَقظانُ ألقَى في حَبائلِ عَزمِهِ | شركاُ يصيدُ بها الكماة َ الصيدا |
رأيٌ يَرى ما تحتَ أطباقِ الثّرَى ، | وعلاً تريدُ إلى السماءِ صعودا |
وَعَدَ الصّوارِمَ أن يقدّ بها الطَّلا، | وَعداً أراهُ للعُداة ِ وَعيدا |
ما شَدّدَ النّونَ الثّقيلَ لأنّهُ | إن قالَ يسبقُ فعلهُ التأييدا |
يا أيها الملكُ الذي ملكَ الورى ، | فغَدتْ لدَولتِهِ العِبادُ عَبيدا |
وافَيتَ، إذ ماتَ السّماحُ وأهلُهُ، | فأعدتَهُ خلقاً لديكَ جديدا |
وقدمتَ نحوَ ديارِ بكرٍ مظهراً | عدلاً يمهدُ أرضها تمهيدا |
عطلتْ، فولا أنّ ذلكَ جوهرٌ | للهِ، ما حلّى لها بكَ جيدا |
كَم غارَة ٍ شَعواءَ حينَ شَهِدْتَها، | أُعطيتَ فيها النّصرَ والتأكيدا |
في نارِها كنتَ الخليلَ، وإنّما | عندَ التِماسِ حَديدِها داوُدا |
أخفيتَ وجهَ الأرضِ من جثثِ العدى | حتى جَعَلتَ لكَ الوُحوشَ وُفُودا |
زوجتَ أبكارَ العِدى بنفوسِهِمْ، | وجعلتَ أطرافَ الرّماحِ شهودا |
كَفَروا، فأمّنتَ الرّؤوسَ لأنّها | خَرّتْ لسَيفِكَ رُكّعاً وسُجودا |
وبغوا، فولكتَ الحمامَ بحربِهمْ، | ثم ارتضيتَ لهُ السيوفَ جنودا |
ضاقتْ على القتلى الفلاة ُ بأسرِها، |
|
ياويحَ قومٍ أغضبوكَ بجهلِهِمْ، | ورأوا قَريبَ الفَتحِ منكَ بَعيدا |
وتحَصّنوا في قَلعَة ٍ لم يَعلَموا | أنْ سوفَ تَشهَدُ يَومَها المَوعودا |
حتى رَمَيتَ حُصونَها بكَتائبٍ | شهبٍ، وقدتَ لها الجيادَ القودا |
بقَساورٍ قَلّتْ عديداً في اللّقا، | ومنّ الشجاعة ِ أن تقلّ عديدا |
من فتية ٍ كسروا غمودَ سيوفهمْ، | واستبدلوا قللَ الرؤوسِ غمودا |
رَفضُوا الدّروعَ عن الجُسوم، وأسبَغوا | فوقَ الجسومِ من القلوبِ حديدا |
مروا بها حزرَ العيونِ، فأوجستْ | جزعاً، وكادتْ بالكماة ِ تميدا |
لو لم يُوَرِّدْ خَدَّها مِنهمْ حَيا، | جَعَلُوا الدّماءَ لَخدّها تَوريدا |
قذفتْ بمن فيها إليكَ، كأنّما | علمتها من راحتيكَ الجودا |
قالوا، وقد وَجَدوا لِبأسِكَ رَهبَة ً | ومخافة ً تذرُ الفصيحَ بليدا |
سألوا البَقاءَ، فكانَ مانعُكَ الحَيا | من أن يُرى لكَ سائلٌ مردودا |
لو شئتَ ما أبقتْ صفاحُكَ يافعاً | منهمْ، ولا تركتْ قناكَ وليدا |
نَبذوا السّلاحَ مَخافَة ً لمّا رأوا | راياتِ جَيشِكَ قد ملأنَ البِيدا |
طَنّوا السّحابَ، إذا نشأنَ، عَجاجة ً، | والبرقَ بيضاً، والرعودَ بنودا |
سَكِروا وما سكِروا بكأسِ مُدامة ٍ، | لكنْ عَذابُ اللَّهِ كانَ شَديدا |
ورأوكَ مُعتَصِمَ العَزائِمِ فاختَشوا | بكَ يومَ عَمّورِيّة َ المَشهودا |
أولَيتَهمْ لمّا أطاعوا أنْعُماً | لا تَستَطيعُ لبَعضِها تَحديدا |
فانظُرْ تَجِدْ مَعْ كلّ نَفسٍ منهمُ | من فيضِ بركَ سائقاً وشهيدا |
أكسَبتَ أُفقَ المُلكِ، يا نَجمَ الهُدى ، | نُوراً جَلا ظُلَمَ الخُطوبِ السّودا |
وطَرَدتَ جَورَ الحادثاتِ عن الوَرى ، | ولكمْ أجرتَ من الزمانِ طريدَا |
ما دامَ جودكَ يا ابنَ أرتقَ واصلي، | من شاءَ يمنحني جفاً وصدودا |
ما فكّ مَدحي فيكَ قَيدَ تَعبّدي، | إلاّ وضعتَ منَ النوالِ قيودا |
لازلتَ محسوداً على نيلِ العُلى ، | فدوامُ عزكَ أن تُرى محسودا |