خَطْبٌ لِسانُ الحالِ فيهِ أبكَمُ،
خَطْبٌ لِسانُ الحالِ فيهِ أبكَمُ، | وهوًى طَريقُ الحَقّ فيهِ مُظلِمُ |
وقَضيّة ٌ صَمَتَ القُضاة ُ تَرَفّعاً | عن فصلها، والخصمُ فيها يحكمُ |
أمسَى الخَبيرُ بها يُسائِلُ: مَن لها، | فأجَبتُهُ، وحُشاشتي تَتَضرّمُ: |
إن كنتَ ما تدري، فتلكَ مصيبة ً، | أو كنتَ تَدري، فالمُصيبَة ُ أعظَمُ |
أشكو فيَعرِضُ عن مَقالي ضاحكاً، | والحرُّ يوجعهُ الكلامُ ويؤلمُ |
ماذاكَ من فرطِ العياءِ، وإنّما | لِهَوَى القلوبِ سَريرَة ٌ لا تُعلَمُ |
فلئِنْ عَلا رأسي المَشيبُ، فلم يكُنْ | كبراً، ولكنّ الحوادثَ تهرمُ |
فالله يَحرُسُ ماردينَ، فإنها | بلَدٌ يَلَذُ بها الغَريبُ ويَنعَمُ |
أرضٌ بها يسطو على الليثِ الطلا، | ويعوثُ في غابِ الهزبرِ الأرقمُ |
حالتْ بها الأشياءُ عن عاداتها، | فالخيلُ تنهقُ، والحميرُ تحمحمُ |
يجني بها الجاني، فإنْ ظَفِروا بهِ | يوماً، يُحَلَّفُ بالطّلاقِ ويُرحَمُ |
شَرْطُ الوُلاة ِ بها بأنْ يَمْضي الَّذي | يَمْضي، ويَسْلَمُ عِنْدَهُمْ ما يَسْلَمُ |
لا كالشآمِ، فإنّ شرطَ ولاتِها: | اللصُّ يجني، والمقدَّمُ يغرمُ |
ومُعَنِّفٍ في الظّنّ قلتُ له: اتّئِدْ، | فأَقصِرْ، فبَعضُ الغَيبِ غَيبٌ يُعلَمُ |
من أينَ يدري اللصُّ أنّ دراهمي | لم يبقَ منها في الخزانة ِ درهمُ؟ |
صَبَروا، ومالي في البيوتِ مُقَسَّمٌ، | حتى إذا اكتملَ الجميعُ تسلمّوا |
يا أيها الملكُ الذي في عصرِهِ | كُلُّ المُلوكِ لعَدلِهِ تَتَعَلّمُ |
لا تطمعنّ ذوي الفسادِ بتركهم، | فالنذلُ تطغَى نفسهُ إذْ تكرمُ |
إن كانَ من مراراً لم يخفْ | قَطعاً، فلا أدري على ما يَندَمُ |
أيَجوزُ أنْ تَخفَى علَيكَ قَضِيّتي، | والنّاسُ في مُضَرٍ بها تَتَكَلّمُ |
فإذا شكَوتُ، يقالُ لم يَذهَبْ لهُ | مالٌ، ولكنْ ظالِمٌ يتَظَلّمُ |
أيَجوزُ أنْ يُمسي السّقيمُ مُبَرّأً | منها، وصِبيانُ المَكاتِبِ تُتْهَمُ |
وأُجيلُ عَيني في الحبوسِ فلا أرى | إلاّ ابنَ جاري، أو غلاماً يخدمُ |
أيزارُ في بابِ البويرة ِ راهبٌ | ليلاً، فيدري في الصباحِ ويعلمُ |
وتزفُّ داري بالشموعِ جماعة ٌ | غُلبٌ، فيُستَرُ عن عُلاكَ ويُكتَمُ |
قومٌ لهمْ ظهرٌ شديدٌ مانعٌ، | كُلٌّ بهِ يَدري على ما يُقدِمُ |
لا يَحفِلونَ، وقد أحاطَ عديدُهم | بالدّارِ، أيقاظٌ بها أو نُوّمُ |
إن يَظفَروا فتَكوا، وإنْ يُظفَرْ بهِم، | كلٌّ عليهِ ينابُ أويستخدمُ |
فأقِمْ حدودَ اللَّهِ فيهِم، إنّهمْ | وثقوا بأنكَ راحمٌ لا تنقمُ |
إن كنتَ تخشى أن تعدّ بظالمٍ | لهمُ، فإنّكَ للرّعيّة ِ أظلَمُ |
فالحِلمُ في بَعضِ المَواطِنِ ذِلّة ٌ، | والبَغْيُ جُرْحٌ، والسّياسة ُ مَرهَمُ |
بالبَطِش تَمّ المُلكُ لابنِ مَراجِلٍ، | وتأخّرَ ابنُ زُبَيدَة َ المُتَقَدِّمُ |
وعَنَتْ لمُعتصِم الرّقابُ ببأسِه، | ودهى العبادَ بلينهِ المستعصمُ |
ما رتبَ اللهُ الحدودَ، وقصدهُ، | في النّاس، أن يَرَعى المُسيءَ ويَرحَمُ |
لو شاءَ قال: دَعوا القِصاصَ، ولم يقلْ | بل في القصاصِ لكم حياة ٌ تنعمُ |
إن كانَ تَعطيلُ الحُدودِ لرَحمَة ٍ، | فاللهُ أرأفُ بالعبادِ وأرحمُ |
فاجزِ المُسيءَ، كما جَزاهُ بفِعلِهِ، | واحكمْ بما قد كانَ ربكَ يحكمُ |
عقرتْ ثمودُ لهُ قديماً ناقة ً، | وهو الغنيّ، عن الورى ، والمنعمُ |
فأذاقَهمْ سَوطَ العَذابِ، وإنّهمْ | بالرجزِ يخسفُ أرضهمْ ويدمدمُ |
وكَذاكَ خَيرُ المُرسَلِينَ مُحَمّدٌ، | وهوَ الذي في حكمِهِ لا يظلمُ |
لمّا أتَوهُ بعُصبَة ٍ سَرقوا لهُ | إبلاً من الصدقاتِ، وهو مصممُ |
لم يَعفُ بل قَطَعَ الأكُفّ وأرجُلاً | من بَعدِ ما سَمَلَ النّواظِرَ منهُمُ |
ورماهمُ من بعدِ ذاكَ بحرة ٍ، | نارُ الهَواجرِ فوقَها تتَضرّمُ |
ورجا أناسٌ أن يرقّ عليهمُ، | فأبَى ، وقال: كذا يجازي المجرمُ |
وكذا فتى الخطابِ قادَ بلطمة ٍ | ملكاً لغسانٍ، أبوهُ الأيهمُ |
فشكا، وقالَ له: أتلطمُ سوقة ٌ | مَلِكاً؟ فقال: أجَل وأنفُك مُرغَمُ |
هذي حدودُ اللهِ من يخللْ بها، | فجزاؤهُ، يومَ المعادِ، جهنمُ |
وانظرْ لقولِ ابنِ الحسينِ وقد رأى | حالاً يشقُّ على الأبيّ ويعظمُ |
لا يَسلَمُ الشرَفُ الرّفيعُ من الأذى ، | حتى يراقَ على جوانبِهِ الدمُ |
هذا فَعالُ اللَّهِ، ثمّ نَبيّهِ، | والصحبُ والشعراءُ، فيما نظموا |
فافتُكْ بهمْ فَتكَ المُلوكِ، ولا تَلِنْ | فيصحَّ ما قالَ السوادُ الأعظمُ |
واعذِرْ مُحِبّاً لم يُسىء ْ بقَريضِهِ، | أدباً، ولكنّ الضرورة َ تحكمُ |
واللهِ ما أسفي على مالٍ مضَى ، | إلاّ على استِلزامِ بُعدي عنكُمُ |
فالمالُ مكتسبٌ على طولِ المدى ، | والذكرُ ينجدُ في البلادِ ويتهمُ |
هَذي العِبارَة ُ للمُحَقِّقِ عِبرَة ٌ، | واللَّهُ أعلَمُ بالصّوابِ وأحكَمُ |