دقت الساعة
سوف تجتاح حائط السجن يوما | فوراء القضبان يلهث حرّ |
غير أنّ الأيام تمضي وتمضي | وأنا شمعة تذوب وفكر |
وأمدّ الأنفاس مدّ فريق | أين من موجه الشديد المفرّ |
أين شعبي لقد تذكّرت أنّي | لي دين في عنقه لي عمر |
أين أنفاسه تحطّم قيدي | أين ثاراته أما لي ثأر ؟ |
إنّ شعبي العملاق في القمقم مثلي وفوقه الليل بحر |
|
ويعاني الذي أعاني وهل يفرح نسر وفي السلاسل نسر ! |
|
وهو لا بدّ حاطم قيده الأسود يوما والنصر يتلوه نصر |
|
فإذا الصرخة الكبيرة تدوّي | وإذا العالم المقّيد حرّ |
البساط الكبير يفرش للظافر قومي إفرشيه فاليوم خمر |
|
وغد نحن من صنعنا غد العالم عمّدانه الأيادي الحمر |
|
للملايين يفرحون به العمر فما فيه ظلمة أو قفر |
|
قد جعلنا الإنسان أثمن ما فيه له الأرض والسماء مقرّ |
|
وجعلناه كالرياح طليقا غده في يديه نور وزهر |
|
غدنا أيها القريب لقد أوشك يمشي على الطريق الفجر |
|
نحن لن نترك السلاح وفي الأرض أسارى وآسرون وأسر |
|
ساومونا على الحياة كما شاؤوا وما للحياة سوق وسعر |
|
وإذا ما صلاهم قلم الحر شعاعا يلقيه في الأرض فكر |
|
صرخوا صرخة الغراب على الجيفة واستنسروا وكرّوا وفرّوا |
|
ثمّ صاحوا بالشعب وهو دموع عتقّت في كؤوسهم فهي خمر |
|
إنّ تمثالك المقدّس يا شعب حطام بكلّ أرض يجرّ |
|
قتلوه فخذ بثأرك يا شعب فللميّت المقدّس ثأر |
|
غير أنّ الذي ينادون سدّت أذنه الريح والصّباح الأغرّ |
|
وعلى ضوئه تراءى له الوحش وقدّامه الضحايا الكثر |
|
أيها الشعب أيها الميت الحيّ بأرض منها القبور تفرّ |
|
هكذا تصنع النعوش لكي ترقد فيها وأنت يا شعب زهر |
|
خالد العطر مثقل بندى الفجر ولكن لا يطرد الجوع عطر |
|
هكذا قدّروك ميتا على الأرض وأيامهم لشمسك قبر |
|
يمضغون السنين من عمرك النضر ويلقونها ومالك عمر |
|
أنظر الصين كيف ثارت على الموت وفي الصين للملايين نصر |
|
كيف هدّت جدران معبدها الرحب وفيه الأصنام بيض وصفر |
|
صرخات العبيد في أذنيها | جمعت فالعبيد بعث ونشر |
ورياح تسوقها مثلما ساق الدهور البطاء في الأرض دهر |
|
ضربت موعدا له أمم الأرض فطارت به الجياد الحمر |
|
دقّت الساعة الرهيبة وانشقّ عن المارد المخدّر ستر |
|
أسندته إلى الجدار الأعاصير كسكران نال منه السّكر |
|
وشظايا الكؤوس غائصة فيه كما غاص في حشا الأرض جذر |
|
نسمات الصباح يا حلم التائه يمشي والقفر شوك وجمر |
|
بلّلي وجهه وشدّي خطاه | فطريق الكفاح صعب ووعر |
ملأته الأشواك والدم والدمع ولكّنه الممرّ الممرّ |
|
أيها الشرق كان ظلّك في الأرض سحابا يمرّ ما فيه قطر |
|
تشرب البوم من جداولك الخضر وتروى وليس ترويك بئر |
|
أورثوك القيود عن صنم مات فأشقاك في حياتك قبر |
|
هم لصوص التاريخ كم سرقوا منه شعوبا مصّوا دماها وفرّوا |
|
وهم المالئون أرض أمانيك ظلاما يضلّ فيه الفجر |
|
غير أنّ الحياة أقوى من الموت ولن يهزم الحياة القبر |
|
هي كالبحر مدّها الأمل الهادر طول السنين واليأس جزر |
|
يكشف الصخر حين يرجع بالموج ولن ينجي الغريق الصخر |