إفاقــة
سرابٌ وإلا كيف لا ينقع الصدى | شرابٌ أضعت العمر في رشفهِ سُدى |
ووهمٌ وإلا كيف يخدعني السنا | فأرنو ولا نار هناك ولا هدى |
وزيفٌ وإلا كيف تطربني المنى | فأصغي ولا لحن هناك ولا صدى |
أفقتُ وأدركت الحقيقة بعدما | وهَى جَلَدي – وآحرستي – وتبددا |
وما نفع إدراكي الحقيقةَ بعدما | وصلت إليها لا فؤاداً ولا يدا |
تلمّستها والعود غضٌّ ولِمّتى | ترفّ فأعياني هواها وأجهدا |
وعشت لها حبي الكبير وصبوتي | وقلبي وألحاني طروباً مغردا |
وأعطيتها أغلى مناي ومهجتي | وأهرقت فيها ريِّقَ العمر والندى |
فلما ذوى عودي وغاضت مناهلي | وأصبح روضي سبسب الحقل أجردا |
تراءت لعينيَّ الحقيقةُ جهرةً | وضمّت يدي منها عناناً ومِقْودا |
وشفّ من الأجواء ما كان غائماً | وقرّ من التيار ما كان مزبدا |
وعُدت إلى نفسي جديداً كأنما | ولدتُ وما أحلاه عَوداً ومولدا |
وراجعت ماضيّ الغرير وحاضري | وجرّدت من نفسي لنفسي مفندا |
وقلت لأوهامي رويداً فلم يعدْ | سرابك يغريني وإن رقّ موردا |
كأن على الإنسان ضربة لازبٍ | عبور الطريق الوعر مهما تزودا |
يسير على أرض مشى في شعابها | أبوه ويعدو في الطريق الذي عدا |
يرافقه وهْمُ الحياة وزيفها | يؤملُ إن أمسى ويرجو إذا غدا |
غريراً تمنيه الأماني فينتشي | ويلهو فما ينفك غرّاً معربدا |
إذا ما مضت من يومه ساعةٌ هفا | إلى غيرها مستعجلاً يطلب الغدا |
دواليكَ والأيام تجري وتنقضي | سراعاً ولم يبلغ مراداً ولا مدى |
فمن لي بتلقيني الحقيقة جرعة | مروقة لا أشتكي بعدها صدى |