كاترينا
أقبلتْ والشِّمال تلوي اليمينا | تخلط القادمين بالرَّاحلينا |
أرسلتْ طرفَها ومدَّتْ خُطاها | تَطَأ الأَرض توقظ الغافلينا |
كشفتْ رأسَها، فلم تُخْفِ وجْهاً | حين سارتْ ولم تُغطِّ الجبينا |
مقلتاها تحدِّ ثانِ بسر | كان قبل المجيء سرَّاً دَفينا |
شفتاها تُردِّدان حروفاً | وحديثاً عمَّا تُريد مُبينا |
قَدَماها تُعلِّمان الفيافي | ما يُريها انطلاقَها ويُرينا |
ساقت الموجَ والبحار وساقت | خَلْفها الرِّيح تَطرد الهاربينا |
وأدارتْ في كلِّ شيءٍ رحاها | فأحالت ما واجهته طحينا |
وأراقت عليه ماءً أُجاجاً | صنعتْ منه للفناءِ العَجينا |
لا تبالي بما تقابل مهما | كان ضخماً وكان صلباً متينا |
ملأتْ دربها الطويل ضحايا | وصراخاً وادمعاً وأنينا |
كيف جاءت وأين تغدو وماذا | تبتغي هذه التي تجتوينا؟! |
ما اسمُها؟ ضجَّت الأعاصيرُ لمَّا | سألوها، ورددتْ (كاترينا) |
(كاترينا) أما ترون يديها | كيف هزَّتْ قلاعكم والحصونا؟! |
أو ما تسمعون وقْع خُطاها | أَورَثَ العقل حيرةً وجنونا؟! |
مالكم – ويلكم – وقفتم حيارى | وفغرتم أفواهكم واجمينا؟! |
أنتم القوَّة العظيمة هيَّا | حطّموها، وأمّنوا الخائفينا |
وجِّهوا نحوها أساطيل جوّ | واملؤوا البحر للدِّفاع سفينا |
أمطروها بسائل الغاز حتى | تقتلوها قتلاً فظيعاً مُهينا |
حرِّ قوها بناركم، مزِّقوها | كضحايا العراقِ حتى تَلينا |
عندكم خبرة القتال، رأينا | في بلاد الأَفغانِ منها فُنونا |
ورأينا العراق يجري دماءً | بعد أن صار في يديكم رهينا |
(كاترينا) هيَّا اسمُلوا مقلتيها | بالمسامير، أَغمِدُوا السكِّينا |
عندكم خِبرَةُ السجون فهيَّا | أَسِكنُوها في (قونتنامو) السُّجونا |
أجهزوا – أيها الصقور – عليها | قبل أن يَهزِمَ اليقينُ الظُّنونا |
بادروها بجيشكم، واستعدُّوا | قد أتتكم (ريقا) بما تكرهونا |
جَنْدِلُوا هذه وتلكَ سريعاً | أولستم بجيشكم قادرينا؟! |
نحن – والله – لا نريد هلاكاً | للضحايا، ولا نريد فُتونا |
غير أنا نقول قوْلَةَ حقّ | يصبح الظنُّ في مداها يقينا |
يُمهل الله خلقَه ويُريهم | طُرُق الخير عَلَّهم يَسلكونا |
جعل العفو واحةً وغصوناً | وارفاتٍ تظلِّل التائبينا |
بابُه مُشرعٌ لكلِّ منيبٍ | بابُ خيرٍ يستوعب العالمينا |
فإذا أسرف العباد وجاروا | وتمادوا وروَّعوا الآمنينا |
قال: كُنْ، خالقُ العباد فكانتْ | لَمْحَةُ العينِ مُهلَةَ الظالمينا |
يا ضحايا غرورهم وهواهم | كم ننادي غروركم فاسمعونا |
اسمعونا فربما جاء يومٌ | مُثْقَلٌ يملأُ المسامع طينا |
اخرجوا من مغارةِ الوهم إنَّا | لنراكم في ليلها غارقينا |
احرسوا شعبكم بعدلٍ، وإلا | فعليكم أوزارُهم أجمعينا |
ما دهاكم، أما كفى ما رأيتم | من ملايين شعبكم هائمينا؟! |
لحظةٌ من إرادة الله دكَّتْ | ما بنيتم من القلاع سنينا |
مَنْ رأى البحر هائجاً، وتمادَى | دوَّنتْه الأمواجُ في الهالكينا |