لآلــئ الشِّعــر
يَقولُ : تَـرْتَجِلُ الأَشْعَـار تُنْشِدُهـا | وَزْنـاً وَقَافِيـةٍ قَـيْـداً وإِعـسـارا |
دَعِ القْـوافـيَ والأَوْزَانَ ! إِنَّ بِهَـا | رَجْـعَ التُّـراثِ وأَغـلالاً وأَوضـارا |
ودَعْ بَلاغَـةَ أَجْـدَادٍ وقَـدْ غَبَـروا | واتْبَعْ هواكَ ومَا قَدْ شاءَ واخْـتـارا |
و ” اغْسلْ ” كَلامَك أو “طهّره” إِنّ به | مِنْ السِّنين، مِنَ التّاريخ ، وإِغبارا |
واتْركْ قَواعِـدَهمْ واهْـدِمْ دَعـائِهُمْ | واجعل ” حديثك ” بينَ الناس أَسرارا |
واجْعَلْ مِنَ الشّعرِ ألغازاً تـدورُ بِهِمْ | لا يَفْقَهُ القومُ مـا قَـدْ قِيـلَ أو دارا |
حُـرّاً يُعِيـدُ أَساطيـرَ الخَيـالِ بِـهِ | ويَنتَشي بِـضَلالٍ حَـيْثُمـا سَـارا |
يَهيمُ في كلِّ وادٍ مِـنْ ضـلالَـتِـه | مَعَ الشياطـينِ إِقْـبَـالاً وإِدْبَـارا |
كُـلُّ القَـدِيم قَدِيـمٌ لا يُـبَـالِ بِـهِ | وجَـدِّدِ اليـوم أَهْـوَاءً وأَفْـكـارا |
ومَزِّقِ “الشَّكلَ” لَيْسَ “الشَّكْلُ” ذا صِلَةٍ | بالدِّينِ ! أَنْشِبْ بهِ ناباً وأَظفَـاراً |
كلُّ الشياطين جَالَـتْ في مَنَـازِلِـهِ | تُغْري وتُطلِقُ أَعـوانـاً وأَنْـصَـارا |
فَكَمْ جَذَبْنَـا بأَلْـوانِ الخِـدَاع فَتـىً | هَــوَى يُـرَدِّدُ أعـذاراً وإِعْـذارا |
فَقُلْتُ : وَيْحَكَ ما قَـدْ قُلْـتَ إِنَّ بِـهِ | مِنْ فِتْنَـةِ الشَّـرِّ أو مِنْ وقْـدِه نارا |
الشِّعْـرُ حُـرُّ بِـأَوْزَانٍ وقَـافِـيـةٍ | مـلءَ المَيَاديـنِ دفَّـاقـاً وزَخَّـاراً |
إذا تَجَـرَّدَ مِنْها غـابَ في ظُـلُـمٍ | بَيْنَ المَجَـاهِـل إِجْـدابـاً وإِقْفـارا |
كَـأَنَّـهُ هَـذَرٌ لـمُ يُبْـقِ آصِـرَةٍ | لَهُ مَعَ الشِّعْـرِ لا صَحْبـاً ولا جَـارا |
لَـمَ يَتْرُكُوا نَسَباً للشِّعْـرِ أَو رحِمـاً | يَاوَيْـلَ مَنْ قطَّعَ الأرْحـام أَو جَـارا |
لاّلـئُ الـشِّعْـرِ أَوْزانٌ وقـافِـيـةٌ | تَشِـعُّ مِنْ وَهَـجِ الإِبْـداعَ أَنْـوارا |
الشِّعْـرُ فَنُّ وآلافُ السِّنـين بَنَـتْ | لآلـئَ الوزنِ أو صَاغَـتْ لَه الغَـارا |
لِسَانُـهُ لُـغـةُ الـقُـرْآنِ آيَتُهـا | إِعْـجـازُه دَارَ إِجْـلالاً وإِكْـبـارا |
وَعَبْقَـرِيُّ عَطاءِ الشعْـرِ قَافِـيـةٌ | تَجْـري مَعَ ” البَحْر ” إِنشاداً وإِبْحارا |
الشِّعْرُ فنُّ إّذا مـا قُلْتُـه انتفَضَـتْ | مِنْكَ الجَوارح تَحْنَـانـاً وَتَـذْكَـارا |
في صُورةٍ جَمَعَتْ أَلْوانَهـا فَزَهـتْ | وحـرّكَتْ من بَدِيع اللَّحْـنِ أوتـارا |
وخفقَـةٍ عَبْقـرِيُّ الفَـنِّ يُطلِقُهـا | رَوائِعـاً مِنْ غَنِيِّ الشعْـر أَبْـكـارا |
كَأَنْهـا اسْتَلْهَمَـتْ مِنْ كُـلِّ قَافِيـةٍ | لَحْـنـاً تموحُ به الأَشْعَـارُ أَشْعـارا |
وعطّـرَتْ بالقـوافـي كـلَّ رَابِيَـةٍ | وزيَّنَتْ بالقـوافي السَّـاح والـدَّارا |
وأَطْلَقَـتْ في سَماء الشِّعْر أَنْجُمَهَـا | لآلِئـاً وعَـلـى الآفـاقِ أقْـمـارا |
كَأنّمـا اتَّسَعَـتْ للشِّعْر سَـاحَـتُـه | فَكَانَ بَحْراً وهِاجَ الـبَحْـرُ إِعْصـارا |
لا يرْكَبَنَّ غَبَابَ البَحْـرْ غيـرُ فتـىً | جَلْدٍ تمـرَّس إِقـلاعـاً وإِبـحـارا |
يَخُوضُـهُ كُلُّ ذي عَزمٍ ومـوهِبَـةٍ | ويَنْثَي العَـاجِـزُ المضطـرُّ إِدْبـارا |
يَغُـوصُ يَطْلُـبُ مِنْ أَعْماقِـه دُرَراً | ويَعْتَلي ظَـهْـرَهُ جُـوْداً وإصْـدارا |
هذي ” البُحورُ “بُحُورُ الشِّعْرِ ، واهِبَةٌ | للصَّادقـين عُـلاً يَزهـو وأَعْمـارا |
وإِنّ فِيها لأَصْدافـاً تُصَـانُ بِـهـاَ | لآلِـئُ الـشِّعْـرِ أوْزانـا وَأقْــدَارا |
الشعْرُ بَابَانِ : بَـابٌ منْ أَبـالِسَـةٍ | يُوحُـون بالشَعْـر آثـامـاً وأَوزَاَرا |
وزُخْرُفاً لم تَـزَلْ تَرْضَـاه أَفْـئـدَةٌ | تَلقَى به النَّـارَ أو تَلْقـى به العـارا |
وشاعَـرٌ من هُدى الرَّحْمنِ خَفْقَتُـه | مَعْنى ولفظـاً وأشْـواقـاً وإيثـارا |
يَطُـوفُ في الكوْنِ يَلقَى مِنْ عَجائبه | آيـاً تُـفَتِّـح للأَلْـبَـابِ أَسْـفـارا |
يهتـزُّ من شَوْقِهِ للحقِّ ، يَخْشَعُ في | جَلاَلِه رَهَـبـاً يَـغْـشَـى وأَذكَـارا |
ويُطلِـقُ الشِّعْـرَ أَنـداءً مضمّخـة | كالـرّوضِ تلقاهُ أَنـواراً وأَثْـمـارا |
يَفيضُ فِيه الجَنى في ظِـلِّ وارِفـةٍ | تُفجِّـرُ الماء يَنبُـوعـاً وَ أَنْـهَـارا |
هذا هو الشّعْرُ !شِعْرُ المُؤمنين جَرَى | يَرْوي مَعَ الدَّهْـر أَمثـالاً وأَخْبـارا |
كَأنَّـه يَهَـبُ الأَحْـداثَ خَفْقَتـهـا | يَجْـرِي فَيَمْـلأُ أَسْماَعَـا وأَبصـاراً |
حتَّى إِذا سَمِـعَ الأَشعـارَ أُطْـلِقُهـا | رَوْضـاً تـفـتَّـح أوْراداً وأَزْهـارا |
فعادَ عن غَيِّـه وارتَـدَّ من عَجَـبٍ | يُرَجّـع الشّعـرِ إِعْجـابـاً وإِكْبـاراً |
يَقُـولُ هذا هُو الشّعْـرُ الحَلالُ جَرَى | عِطراً يَمُـوجُ وسِحْـراً بَيْنَـهُ دارا |