حـب ووفـاء
حَنَانَيْك ! ما أَحْلى الوَفَـاءَ وعِطْـرَهُ | إِذا نَـشَـرَتْـهُ مُهْجَـةٌ وسَـرَائِـرُ |
وما أَجْمَـلَ الأيَّـامَ زهْـوُ عَطائِهـا | حَـنـانٌ وأَشْـوَاقٌ زَهَـتْ وبَـوَادرُ |
وما أَحْسَنَ الدُّنْيَا إِذَا الحُـبُّ نَفْحَـة | يَمُـوجُ بـهَـا بِـرٌّ غَنيٌّ وطـاهِـرُ |
وما أَعظَمَ الحـبَّ الغَنـيَّ ، ونبْعُـهُ | يَقيـنٌ وإِيمـانٌ جَلَـتْـهُ المـآثِـرُ |
هو الحُبُّ نَبـعٌ لا يَغيـضُ فتَـرْتَـوي | نُفُـوسٌ وتُـروَى لهْفَـةٌ ومَشاعِـرُ |
هو النّبْعُ : حُبُّ الله ، حُـبُّ رَسُوِلِهِ | إِذَا صَحَّ روَّى الكـونَ والنّبْعُ زَاخِـرُ |
فَتُـرْوَى بِهِ خُضْـرُ الرِّياضِ وَوَرْدَةٌ | وتُرْوَى بَـوادٍ بعدهـا وحـواضـرُ |
وتمْضِي به حُلْـوْ النَّسَائـم والنَّدى | ويَنْشُـرُه في سَاحِرِ اللّحْـنِ طائِـرُ |
حَنَانَيْك ! هذا الحـبُّ بِّـرٌّ ورَحْمَـةٌ | ولُحْمَـةُ أَرْحَـامٍ نَـمَـتْ وأواصِـرُ |
وصُحْبَـةُ إِخْوانٍ تَـدُومُ مَعَ التُّقـى | وعَدْلٌ مَعَ الإِنْسَـانِ مَـاضٍ وقـادرُ |
وأَجْمَلُـهُ بَـيْـتٌ عُـرَاهُ مَـوَدَّةٌ | لَهَا سَكُـنٌ حـانٍ عَلَيْـهِ ونـاشِـرُ |
تُظلِّلُـهُ الأَنْــداءُ رَيّـاً ورَحْـمَـةً | ويَحْفَظُـه خَيـرٌ مِـنَ الله عَـامِـرُ |
تَمُـوجُ به الأَنْـوارُ بَيْنَ رِحَـابِـهِ | فَتَنْشَـأُ فِـتـيـانٌ بـه وحَـرائِـرُ |
شَبـابٌ أَشِـدّاءٌ كـأَنَّ وجـوهَهـم | من النُّور صُبْحٌ مَشْرِقُ الأُفْقِ ظاهِـرُ |
وتُتْلَى بـه الآيَـاتُ نُـوراً وحكمـةً | فتنشـأ فِيـه حـانِيـاتٌ نَـوَاضِـرُ |
هي الأُمُّ يَرعَى لَهْفَة الشَّوق بَعْلهـا | وبيتـاً وأَجْيـالاً رَعَتْهـا المَفَاخِـرُ |
هو الأَبُ قـوَّامٌ مَعَ الرشْـدِ بَـذلُـهُ | ولِـلأبِ حَـقٌّ بالقِـوامَـةِ ظَـاهِـرُ |
ويَجْمَعُهُمْ في البَيْـتِ حُـبٌّ كَـأَنَّـه | رَفِيـقُ النَّـدى ظِلٌّ هِنـيءٌ ووافِـرُ |
هو الحُبُّ أَشـواقٌ هُنـاكَ ولَهْفَـةٌ | يمـوجُ بِهَـا قَلْـبٌ وفيٌّ وَخَـاطـرُ |
نَقِيٌّ كـأنْفَـاسِ الصَّبـاحِ ، رَفِيفُـه | غَنِيٌّ كَدَفْقِ النُّور ، في القَلْب عَامِـرُ |
كَأَنّ فَتِيتَ المِسْـكِ مِنْـه ، أو أنَّـهُ | مـن الْعَبَـقِ الفَـوّاحِ ورْدٌ وزَاهِـرُ |
كأَنّ النّسيـم الحُلْـوَ خفْـقُ حَنينـه | ورفُّ النَّـدَى مِنْـهُ غَنـيٌّ وناضِـرُ |
هو البيْتُ ! إِن أَعْدَدْتـه كـان أُمَّـةً | لها في مَيَـادينِ الحَيَـاةِ البشـائِـرُ |
مَضَينَـا نَشُقُ الدّربَ شَقّاً ونعتَـلي | صُخُـوراً ونمضـي دُونَها ونُغَامِـرُ |
يَعَضُّ عليْنا الشوكُ تَدْمي به الخُطـا | وتَدْمـي به أَكبَـادُنُـا والنَّـواظِـرُ |
يَقودُ خُطانَـا مِنْ هُدَى الحقِّ دِينُنَـا | وأفـئِـدةٌ تُـجْـلَى بـه وبَصَائِـرُ |
وعَهْـدٌ مَـعَ الرَّحْمن أَبْلَـجُ نـورهُ | تَدَفَّـقَ فانْزاحَـتْ بِـذاك الدّيـاجِـرُ |
تدورُ بِنَـا الآفَـاقُ حَيْرَى يَروعُهَـا | دمـاءٌ على سَـاحَـاتِهَـا ومَجَـازرُ |
فتلك دِيـارُ المُسْلمـين تَـواثبَـتْ | ذئابٌ عَليْهـا أو وُحُوشٌ كَـواسِـرُ |
تُمـزِّقُ أرضـاً أَو تُـمـزِّقُ أُمَّـةً | وأَشـلاؤُهـا في الخافقـين تَنَاثَـرُ |
تَنـوَّعَـتِ الآلام : أحْـزَانُ أُمَّـةٍ | وأَهـواءُ قـومٍ لـوَّثَتْهـم مَعَايِـرُ |
فكم غَادَرَ الدّرْبَ السَّويَّ أَخُو هـوىً | يُطاردُ أشْبَـاحَ الهَـوىَ وهو سَـادِرُ |
وظَـلَّ على العَـهْـدِ النَّقيِّ أَجِلَّـةُ | لآلئُ مِنْ صَفْـو الوَفَاءِ جَـواهِـرُ |
حنانَيْـك ! هذا الدَّرب نحْملُ دُونَـهُ | رسَالَـةَ تَوحِيـد جَلَتْهـا المقـادِرُ |
سنَمْضي بـإذن الله نُـوفي بِعَهْدنـا | مَـعَ الله مَهْمَـا رَوَّعَتْنَـا المخاطِـرُ |
يُضـيء لَنَـا نُـورُ اليَقِين سَبيلَنَـا | فَتَنْـزاحُ عَـنَّـا غُمَّـةٌ وعَـوَاثِـرُ |
هُـوَ الحُبِّ مِنْ نَبْعِ الصَّفَـاءِ رُوَاؤه | تَمُـوجُ بِه أَحْنـاؤنـا والضمـائِـرُ |
فهـذا جَمَـالُ الحُبِّ هـذا جَـلالُـه | رَعَـاهُ وزكَّـاهُ الجِهـادُ المثـابِـرُ |
فما العُمْـرُ إلاَّ رَوْضَـةُ وغراسهـا | جِـهـادٌ غَنيُّ بالعـطـاءِ ونـاشـرُ |
حَنَانيكِ ! كَمْ جُـرح ضَمَـدتِ وأنَّـةٍ | مَسَحْـتِ وهَـمٍّ في الفـؤادِ يُـدَاورُ |
وكَمْ كَان مِنْ رأي رشيـدٍ بَـذَلِتِـه | فأطْلَقَـه ُ قَـلْـبُ ذَكـيُّ وخَـاطِـرُ |
وَكمْ لَيْلَـةٍ قـد بِتُّ أَرعى نَجْومهـا | فيطْـرُقُـنـي هَـمّ وهَـمُّ وآخَـرُ |
فَشَارَكتنـي همّي حَنانـاً وحـكْمِـةً | وقُمنا بِذكـر الله تُجلى الخَـوَاطِـرُ |
ضَرَعْنـا إلى الرَّحمن سِرّاً وجهـرةً | فَقَلـبٌ يُنَاجِي أو لِسَـانٌ يُجِـاهِـرُ |
فَزَعْنـا إِلى أَمن الصـلاة وأَمْنُهـا | خُشـوعٌ وهاتِيكَ الدّمُـوع المواطِـرُ |
مَضينا نشُقُّ الدَرْبَ والصَّخْرُ دونَنَـا | وأَشـواكُـهُ ، والله حَامٍ ونـاصِـرُ |
ومَنْ يتَّـقِ الرَّحمن يَنْجُ ومَنْ يَخُـنْ | مَعَ الله عهْداً لَمْ تَـدَعْـهُ الفـواقِـرُ |
ولا يَصْدُقُ الإيـمَـانُ إِلاَّ إِذا جـرى | هـواه لِيَرْعَى الحقَّ والحقَُّ ظاهِـرُ |
وَهَذا جَلالُ الحُبِّ يَمضي به الفَتـى | فَتُرْوَى به الدُّنْيا وتُرْوَى الضّمـائِـرُ |