في أحضان الطبيعة
أيها الشاعرون يا عاشقي النب | ل وروح الخيال والأنغام |
ابعدوا ابعدوا عن الحبّ وانجو | بأغانيكم من الآثام |
اهربوا لا تدّنسوا عالم الفنّ | بهذي العواطف الآدميّه |
احفظوا للفنون معبدها السا | مي وغنوا أنغامها القدسيّه |
قد نعمتم من الحياة بأحلى | ما عليها وفزتم بجناها |
يعمه الآخرون في ليلها الدا | جي وأنتم تحيون تحت سناها |
اقنعوا باكتآبكم واعشقوا الفنّ | وعيشوا في عزلة الأنبياء |
وغدا تهتف العصور بذكرا | كم وتحيون في رحاب السماء |
اقنعوا من حياتكم بهوى الفنّ | وسحر الطبيعة المعبود |
واحلموا بالطيور في ظلل الأغ | صان بين التحليق والتغريد |
اعشقوا الثلج في سفوح جبال ال | أرض والورد في سفوح التلال |
وأصيخوا لصوت قمرّية الحق | ل تغني في داجيات الليالي |
اجلسوا في ظلال صفصافة الوا | دي وأصغوا إلى خرير الماء |
واستمدّوا من نغمة المطر السا | قط أحلى الإلهام والإيحاء |
وتغّنوا مع الرعاة إذا مرّ | وا على الكوخ بالقطيع الجميل |
وأحبوا النخيل والقمح والزه | ر وهيموا في فاتنات الحقول |
شجرات الصفصاف أجمل ظلاّ | من ظلال القصور والشرفات |
وغناء الرعاة أطهر لحنا | من ضجيج الأبواق والعجلات |
وعبير النارنج أحلى وأندى | من غبار المدينة المتراكم |
وصفاء الحقول أوقع في النف | س من القتل والأذى والمآثم |
وغرام الفراش بالزهر أسمى | من صبابات عاشق بشريّ |
ونسيم القرى المغازل أوفى | لعهود الهوى من الآدميّ |
وحياة الراعي الخياليّ أهنأ | من حياة الغنيّ بين القصور |
في سفوح التلال حيث القطيع ال | حلو يرعى على ضفاف الغدير |
حيث تثغو الأغنام في عطفة المر | ج وتلهو في شاسعات المجالي |
وينام الراعي المغرّد تحت السّ | رو مستسلما لأيدي الخيال |
في يديه الناي الطروب يناجي | ه ويشدو على خطى الأغنام |
مستمدّا من همس ساقية السف | ح لحون الشباب والأحلام |
آه لو عشت في الجبال البعيدا | ت أسوق الأغنام كل صباح |
وأغنّي الصفصاف والسرو أنغا | مي وأصغي إلى صفير الرياح |
أعشق الكرم والعرائش والنب | ع وأحيا عمري حياة إله |
كلّ يوم أمضي إلى ضّفة الوا | دي وأرنو إلى صفاء المياه |
اصدقائي الثلوج والزهر والأغ | نام, والعود مؤنسي ونجّيي |
ومعي في الجبال ديوان شعر | عبقريّ لشاعر عبقريّ |
أتغّنى حينا فتصغي إلى لح | ني مياه الوادي ومرتفعاته |
وأناجي الكتاب حينا وقربي | هدهد شاعر صفت نغماته |
وخرير من جدول معشب الضفّ | ة يجري إلى حفاف الوادي |
وثغاء عذب من الغنم النش | وى وهمس من النسيم الشادي |
آه لو كان لي هنالك كوخ | شاعريّ بين المروج الحزينه |
في سكون القرى ووحشتها أق | ضي حياتي لا في ضجيج المدينه |
ليتني من بنات تلك الجبال ال | غنّ حيث الجمال في كل ركن |
ليتني ليتني وهل تبعث الأح | لام إلا الدموع في كلّ عين |
قدّرت لي السنين أني هنا أق | ضي حياتي قلبا رقيقا شجيّا |
في ضباب الخيال أمشي وحولي | عالم للغنى يموت ويحيا |
قد أحبوا أيامهم وتمّرد | ت عليها فعشت في أحلامي |
إن أكن قد ولدت في هذه الضجّ | ة فلألتجيء إلى أوهامي |
ولأعش في الخيال حيث تهيم ال | روح بين المروج والقطعان |
هكذا تهدأ الأماني إلى حي | ن وتخبو مرارة الأحزان |
هكذا أدفن الطموح كما يد | فنه كلّ طامح بشريّ |
وعيون الأقدار يضحكن مني | هازئات بضعفي الادميّ |
ياعيون الأقدار لا ترمقي دم | عي ولا تهزأي بقلبي الحزين |
إن يكن في دمي طوح نبيّ | فأسى اليائسين ملء عيوني |
كان هذا الطموح لعنة أيّا | مي فيا ليتني عصيت هواه |
كلما حّقق الزمان لقلبي | حلما صورت حياتي سواه |
لست أدري ماذا سيجنيه قلبي | من شرودي في كل أفق ونجم |
أبدا أرتقي النجوم وأرنو | لمجاهيل عالم مدلهّم |
لست أدري شيئا أنا اليأس يا أر | ض وأنت ابتسامتي ودموعي |
أنت وحيي ومنك تنبع أحلا | مي, وإن كنت في حماك الوضيع |
إرفعيني إلى السماء إذا شئ | ت بوحي من سحرك الشاعريّ |
وأعيدي مني إذا شئت للطي | ن فتاة تبكي على كل حيّ |
أضحكيني وأطلقيني ورقاء | تغني بحسنك الفّتان |
أو دعيني أبكي على أشقياء ال | أرض بين الحنين والحرمان |
ضاع يا أرض فيك معنى الأماني | وتبقّى الشقاء والأكدار |
وخبت في كآبة الموت أصوا | ت الأغاني واستسلم القيثار |
فعلام العزاء والأمل المو | هوم في حومة الدجى المدلهمّ |
ولم الأشقياء يخفون بلوا | هم ويحيون في خداع ووهم |
قد وصفت الشقاء في شعري البا | كي وصوّرت أنفس الأشقياء |
وشدوت الحياة لحنا كئيبا | ليس في ليله شعاع ضياء |
فأثارت كآبتي عجب النا | س وحاروا في سرّها المجهول |
ما دروا أنني أنوح على مأ | ساتهم في ظلامها المسدول |
أنا أبكي لكل قلب حزين | بعثرت أغنياته الأقدار |
واروّي بأدمعي كلّ غصن | ظامىء جفّ زهره المعطار |