عند الرهبان
سر بنا نحو ذلك المعبد القا | ئم فوق الصخور بين الجبال |
سر بنا سر بنا لعل لدى الره | بان سرّ النعيم والآمال |
هؤلاء الزهّاد في القّنة البي | ضاء حيث الصفاء ملء الوجود |
عّلهم يعرفون ما قد جهلنا | عن شهاب السعادة المفقود |
قد سألت الرهبان عن كنزنا السّح | ريّ لكن لم ألق منهم جوابا |
لم يجبني منهم سوى صوت محزو | ن يغّني ويجرع الأوصابا |
لم أجد في تلك الصوامع غير ال | أوجه الشاحبات والديجور |
لم أجد غير وحشة تبعث اليأ | س وصمت كمثل صمت القبور |
هؤلاء الأشباح ماذا تراهم ؟ | آدميّون أم بقايا طيوف |
فيم جاءوا وأية سلوى | وجدوها ما بين هذي الكهوف |
في بعيد الآفاق تحت دياجي | ر وجود تمشي الكآبة فيه |
حيث ما زالت الحياة كما كا | نت على عهد آدم وبنيه |
حيث لا زهر لا عرائش لا أش | جار لا شيء غير هذا السكون |
لا جديد فيه سوى موت حيّ | من بنيه ما بين حين وحين |
أيّها الراهب الذي يقطع العم | ر وحيدا في كوخه المكفهرّ |
هات حدّثني العشّية عما | عند دنياك من نعيم وبشر |
حدّثوني عنكم فقالوا حياة | من نعيم وأنفس من نقاء |
عجبا أين ما يقولون ؟ما لي | لا أرى غير حيرة الأشقياء |
ما الذي عندكم من البشر والأف | راح؟ ماذا يا أيّها الزاهدونا؟ |
ليس إلا عمر يمرّ حزينا | يتهاوى كآبة وسكونا |
حدّثوني عنكم فقالوا قلوب | نسجت من نقاوة وثراء |
ونفوس صيغت من الزهر والعط | ر وهامت مع السّنا والّنقاء |
أين هذا الذي يقولون عنكم | أيّها الراهبون؟ أين تراه؟ |
اسم (تاييس) لم يزل يملأ الكو | ن فأين الذي أضّلت خطاه؟ |
ما نسينا غواية الراهب المس | كين في حبّها, وكيف هداها! |
يا له بائسا سما بابنة الإث | م إلى قمّة السماء وتاها |
أيّها الراهبون لن تنبت الأز | هار والعطر والسّنا في النفوس |
عبثا تهربون من مغريات ال | عيش كم في الوجود من تاييس |
لن تذوقوا شهد السعادة ما دم | تم أناسيّ من تراب وماء |
كتبت هذه الطبيعة للأح | ياء أن يكرعوا كؤوس الشقاء |
أو تنسون أنكم لم تزالوا | مثلما كنتمو حيارى حزانى |
لم تزل فتنة الوجود تنادي | كم وتهفيكم إلى ما كانا |
لم تزل ذكريات أمسكم المه | جور تحيا في الأنفس المحزونه |
وخيال من عالم فاتن الأل | وان ملء المشاعر المغبونه |
أيها الراهبون ماذا إذن نف | ع اعتزال تشوبه الصبوات |
آه عودوا إلى مصارعة الده | ر وعيشوا كما تشاء الحياة |
أيها المعبد الحزين وداعا | أنت يا من لاذت به آمالي |
لم أجد في حماك زهرة أحلا | مي فيا ضيعة السّرى والكلال |
لم أجد زهرة السعادة والأف | راح عند الزّهاد والراهبينا |
آه ضاعت أيّام عمري وما زا | ل شراعي يطوي فراغا حزينا |
عند شط الحياة ألقيت مرسى | زورقي في الضباب تحت الظلام |
أرقب السائرين في الشاطىء الصخ | ريّ بين الوهاد والأكام |
أين ألقاك يا سعادة ؟هاتي | حدّثيني فقد بحثت طويلا |
طال تيهي فنبئيني متى يب | لغ قلبي مقرّك المجهولا |
أو لم أقطع البحار إلى الره | بان والزاهدين في الصحراء |
أو لم تنكر الفضيلة ألوا | نك يا لهفتاه ضاع رجائي |