ناح الحمام وغرّد الشحرور
ناح الحمام وغرّد الشحرور | هذا به شجن وذا مسرور |
في روضة ِ يُشجى المشوق ترقرق | للماء في جنباتها وخرير |
ماء قد انعكس الصفاء بوجهه | وصفا فلاح كأنه بَلور |
قد كاد يمكن عنذ ظني أنه | بالماس يوشر منه لي موشور |
وتسلسلت في الروض منه جداول | بين الزهور كانهن سطور |
حيث الغصون مع النسيم موائل | فكأنهن معاطف وخصور |
ماذا أقول بروضة عن وصفها | يعيا البيان ويعجز التعبير |
عني الربيع بوشيها فتنوعت | للعين أنوار بها وزهور |
مثلت بها الاغصان وهي منابر | وتلت بها الخطباء وهي طيور |
متعطر فيها النسيم كأنما | جيب النسيم على شذا مزرور |
للنرجس المطلول ترنو أعين | فيها وتبسم للاقاح ثغور |
تخذت خزاماها البنفسج خدنها | وغدا يشير لوردها المنثور |
وكأن محمر الشقيق وحوله | في الروض زهر الياسمين يمور |
شمع توقد في زجاج أحمر | فغدا حواليه الفراش يدور |
وتروق من بعد بها فوارة | في الجو يدفقُ ماؤها ويفور |
يحكى عمودُ الماء فيها آخذا | صعدا عمود الصبح حين ينير |
ناديت لما ان رأيت صفاءه | والنور فيه مغلغل مكسور |
هل ذاك ذوب الماس يجمد صاعدا | أم قد تجسم في الهواء النور |
تتناثر القَطرات في أطرافها | فكأنما هي لؤلؤ منثور |
ينحل فيها النور حتى قد ترى | قوس السحاب لها بها تصوير |
كم قد لبست بها الضحى من روضة | فيها علتني نضرة وسرور |
فاجلت في الازهار لحظ تعجبي | ولفكرتي بصفاتهن مُرور |
فنظرتهن تحيراً ونظرنني | حتى كلانا ناظر منظور |
فكأن طرف الزهرِ ثمة ساحر | لما رنا وكأنني مسحور |
إن الزهور تكهن براعم | مثل العلوم تجنهن صدور |
وتضوُّع النفحات منها مثله | تبيينها للناس والتقرير |
وبتلك قلب الجهل مصدوع كما | ثوب الهموم بهذه مطرود |
والزهر ينبته السحاب بمائه | يزهو فذلك في النهَى تنوير |
او كان هذا لا يدوم فان ذا | ليَدوم ما دامت تكر عصور |