تذكرت في أوطاني الأهلَ والصحبا
تذكرت في أوطاني الأهلَ والصحبا | فأرسلت دمعاً فاض وابلهُ سكبا |
وبتُّ طريد النوم أختلس الكرَى | بشاخص طرف في الدجى يرقب الشُّهبا |
كئيب كأن الدهر لم يلق غيره | عدُوًّا فآلى لن يهادنه حربا |
يِقل كروباً بعضها فوق بعضها | إذا ما رَمى كربا رأى تحته كربا |
وإني إذا ما الدهرُ جرَّ جريرة ً | لتأنف نفسي ان اكلمه عتبا |
وقد علم القوم الكرام بأني | غلام على حب المكارم قد شبا |
وأني أخو عزم إذا ما انتضيتُه | نبا كل عضب أو انكر الضرب |
وأني أعاف الماء في صفوه القَذى | وان كان في احواضه بارداً عذبا |
ولكن لي في موقف الشوق عبرة | أولى الأنام بعطف الناس أرملة |
وقاطرة ترمي الفضا بدُخانها | بدت نغمات ترقص الدمع منصبا |
وقاتطرة ترمي الفضا بدخانها | وتملأ صدر الأرض في سيرها رعبا |
لها مَنخر يبدي الشواظَ تنفساً | وجوف به صار اليخار لها قلبا |
تمشت بنا ليلاً تجرّ وراءها | قطاراً كصف الدوح تسحبه سحبا |
فطوراً كعصف الريح تجري شديدة | أشارك الناس طُرّاً في بَلاياها |
تساوى لديها السهل والصعب في السرى | فما استسهلت سهلا ولا استصعبت صعبا |
تدكُّ مُتون الحَزن دكّاً وإنها | لتنهب سهل الأرض في سيرها نهبا |
يمر بها العالي فتعلو تسلقا | ويعترض الوادي فتجتازه وَثبا |
اذا ولجت في جوفه النفق الرحبا | |
لها صيحة عند الولوج كأنها | تقول بهلا يا طود خلّ لي الدربا |
وتمضي مُضي السهم فيه كأنما | ترى افعواناً هائجاً دخل الثقبا |
تغالب فعل الجذب وهي ثقيلة | فتغلب بالدفع الذي عندها الجذبا |
طوت بالسير الارض طياً كانها | تسابق قرص الشمس ان يدرك الغربا |
وما إن شكت أينا ولا سُئمت سرى | ولا استهجنت بعدا ولا استحسنت قربا |
عشية سارت من فروق تقلنا | وتقذف من فيها بوجه الدجى شهبا |
فما هي إلا ليلة ونهارُها | وما قد دعونا من سلانيك قد لبى |
فجئنا ولم يُعي السفارُ مطينا | كأن لم نكن سفراً على ظهرها ركبا |
تغالبت يا عصر البخار مفضلا | على كل عصر قد قضى أهله نحبا |
يا ربُّ ما حيلتي فيها وقد ذَبلت | يذلل ادنى فعلها المطلب الصعبا |
تمشي بأطمارها والبرد يَلسعها |