وظلت لها أبكي بعين قريحة رمتْ مِسمعي ليلاً بأنه مؤلم
وظلت لها أبكي بعين قريحة رمتْ مِسمعي ليلاً بأنه مؤلم | فألقت فؤادي بين أنياب ضيغم |
وبانت توالي في الظلام أنينها | وبت لها مُرْمى بنهشة أرقم |
فيهفو بقلبي صوتها مثلما هفت | بقلب فقير القوم رنة درهم |
إذا بعثت ذي أنة عن توجع | إذا بعثت لي أنة عن توجع |
تقطع في الليل الأنين كأنها | تقطع أحشائي بسيف مثلمِ |
يهز نياط القلب بالحزن صوتها | إذا اهتزَّ في جوف الظلام المخيِّم |
تردده والصمت في الليل سائد | بلحن ضئيل في الدجنة مبهمِ |
كأن نجوم اليل عند ارتجافها | تصيخ إلى ذاك الأنين المجمجمِ |
فما خفقان القلب إلا لأجلها | وما الشهب إلا أدمع النجم ترتمي |
لق تركتني موجعه القلب ساهراً | آخا مدمع جارٍ ورأس مهوَّم |
أرى فحمة الظلماء عند أنينها | فأعجب منها كيف لم تتضرم |
فأصبحت ظمآن الجفون إلى الكرى | وإن كنت ريَّان الحشا من تألمي |
وأصبح قلبي وهو كالشعر لم تدع | له شعراءُ القوم من متردِّم |
وبيت بكت فيه الحياة نحوسة | ولاحت بوجه العابس المتجهم |
به القت الإيامُ أثقال بؤسها | فهاجت به الأحزانُ فاغرة الفم |
كأني أرى البنيان فيه مهدَّماً | وما هو بالخاوي ولا المتهدّم |
ولكن زلزال الخطوب هوى به | إلى قعر مهواة الشقاء المجسم |
دخلت به عند الصباح على التي | سقاني بكاها في الدُّجى كأس علقم |
فألفيتُ وجهاً خدَّد الدمع خده | ومحمَّر جفن بالبكا متورِّم |
وجسماً نحيفاً أنهكته همومه | فكادت تراه العينُ بعض توهم |
لقد جثُمت فوق التراب وحولها | صغير لها يرنو بعيني ميتمَّ |
تراه وماإن جاوز الخمس عمرُهُ | يدير لحاظ اليافع المتفهِّم |
بكى حولها جوعاً فغذته بالبكا | وليس البكا إلا تِعلَّة مُعْدم |
وأكبر ما يدعو القلوب إلى الأسى | بكاء يتيم جائع حول أيِّم |
وقفت وقد شاهدت ذلك منهما | لمريم أبكي رحمة وابن مريم |
وقفت لديها والأسى في عيونها | تكلني عنها ولم تتكلم |
وساءلتها عنها وعنه فأجهشت | بكاء وقالت أيها الدمع ترجم |
ولما تناهت في البكاء تضاحكت | من اليأس ضِحك الهازيء المتهكم |
ولكن دموع العين أثناء ضحكها | هواطل مهما يسجم الضحكُ تسجم |
فقد جمعت ثغراً من الضحكُ مُفعَماً | إلى محجر باك من الدمع مفعم |
فتذري دموعاً كالجمان تناثرت | وتضحك عن مثل الجمان المنظم |
فلما أر عيناً قبلها سال دمعها | بكاء وفيها نظرة المتبسم |
فقلت وفي قلبي من الوجد رعشة | أمجنونة يا رب فارحم وسلم |
ومذ عرضت للابن منها التفاتة | أشارت إليه بالمدامع أن قم |
فقام إليها خائر الجسم فانثنت | عليه فضمته بكف ومعصم |
وضلت له ترنو بغين تجوده | بفذ من المع الغزير وتوأم |
فقال لها لما رآني واقفاً | أرّددُ فيه نظرة المتوسم |
سلى ذا الفتى يا أمُّ أين مضى أبي | وهل هو يأتينا مساء بمطعم |
فقالت له والعين تجري غروبها | وأنفاسها يقذفن شعلة مضرم |
أبوك ترامت فيه سفرة راحل | إلى الموت لا يرجى له يوم مقدم |
مشى أرمنياً في المعاهد فارتمت | به في مهاوي الموت ضربة مسلم |
على حينَ ثارت للنوائب ثورة | أتت على حَزازات إلى الدين تنتمي |
فقامت بها بين الديار مذابح | تخوض منها الأرمنيون بالدم |
ولولاك لاخترت الحمام تخلصاً | بنفسيَ من أتعاب عيش مُذَمم |
فأنت الذي اخرت أمك مريماً | عن الموت أن يودي بأمك مريم |
أمريمُ مهلا بعضَ ما تذكرينه | فإنك ترمين الفؤاد بأسهم |
أمريمُ إن الله لا شك ناقم | من القوم في قتل النفوس المحرّم |
أمريم فيما تحكمين تبصري | فإن أنت أدركت الحقيقة فاحكمي |
فليس بدين كلِّ ما يفعلونه | ولكنه جهل وسوء تفهم |
لئن ملئوا الأرض الفضاءَ جرائماً | فهم أجرموا والدين ليس بمجرم |
فما خفقان النجم إلا لأجلها | تمسوا بمطموس العلائم مبهم |
وقد سلكوا تيهاء من أمر دينهم | فكم منجد في المخزيات ومتهم |
ولما رأيت اللوم لؤماً تجاهها | سكتُّ فلم أنبس ولم أتبرّم |
وأطرقت نحو الأرض أطلب عفوها | وما أنا للجاني ولا بالمتيم |
وظلت لها أبكي بعين قريحة | جرت من أماقيها عصارة عندَم |
بكيتُ وما أدري أأبكي تضجراً | من القوم أم أبكي لِشقوة مريم |