في ظلال الصمت
ها أنا عدت إلى حيث التقينا | في مكان رفرفت فيه السعادهْ |
وبه قد رفرفَ الصمتُ علينا | إنّ في صَمْت الحبيبين عباده |
رب لحنٍ قص في خاطرنا | قصةَ الساري الذي غنى سهادهْ |
وكأنّ الصمتَ منهُ واحةٌ | هَيّأَتْ من عُشبها الرّطبِ وساده |
*** |
|
صمتَ السّهلُ ولكن أقبلتْ | من ثنايا السهل أصداءٌ بعيدهْ |
كلُّ لحنٍ في هدوءٍ شاملٍ | تشتهي النفسُ به أن تستعيدَهْ |
يتهادى في عُبابٍِ ساحرٍ | باعِثٍ للشّطِّ أمواجاً مديده |
فإذا ما ذهب الليلُ بها | تزخرُ النفسُ بأصداءٍ جديدهْ |
*** | *** |
هدأ الليلُ هنا لكنني | كنتُ في حُسنِكِ بالصمّتِ أُغنّي |
كلُّ لحنٍ لَجِبٍٍ يغشى دمي | لَعِبَ العازف بالعُود المَرنّ |
ناقلاً للنّهر والسهل معاً | قصةً يشرحُها عنك وعني |
قصة الشاعر والحسنِ إذا اسـ | ـتبقا للخلْدِ في حَوْمة فنّ |
*** |
|
ما الذي في خصلةٍ راقدةٍ | ما الذي في خطِّه أو كتبِهْ؟ |
ما الذي في أثرٍ خَلّفَهُ | من أفانينِ الهوى أو عَجَبِه |
*** |
|
ما الذي في مجلس يألفه | عقد الحب عليه موعده |
ربما يبكي أسىً كرسيُّه | إن نأى عنه وتبكي المائده |
ولقد نحسبها هشّتْ إذا | عائدٌ هَشّ لها أو عائده |
ولقد نحسبها تسألنا | حين نمضي أفراقٌ لعِدَه؟ |
*** |
|
كم أعَدّتْ نفسَها وانتظرتْ | واستوتْ موحشةً تحت السماء |
وهي لو تملِك كفّاً صافحت | كفَّكِ الغضّة في كل مساء |
*** |
|
رُبّ كَرْمٍ مَدّه الليلُ لنا | فتواثبنا له نَبْغي اقتطافَه |
وعلى خيمته حارسه | عربي الجود شرقي الضيافهْ |
وجَد العرس على بهجته | وسناه دونَ وَرْدٍ فأضافهْ |
ثم وراتْهُ غَياباتُ الدّجى | كخيالٍ من أساطيرِ الخُرافه |
*** |
|
أرجٌ يعبقُ في جُنحِ الدّجى | حملَته نحو عَرْشيْنا الرياحْ |
كلّ عطرٍ في ثناياه سَرَى | كان سِرّاً مُضْمراً فيه فباح |
يا لها من حقبة كانت على | قِصَرٍ فيها كآماد فساحْ |
نتمنى كلما امتدت بنا | أن يظل الليل مجهول الصباحْ |
*** |
|
أنا إن ضاقتْ بيَ الدنيا أَفِئْ | لثوانٍ رحبةٍ قد وَسِعَتْنا |
أنما الدنيا عُبابٌ ضمَّنا | وشطوطٌ من حظوظ فرَّقتنا |
ولقد أطْفُو عليه قَلِقاً | غارقاً في لحْظةٍ قد جمعتنا |
ومعاني الحسن تترى وأنا | ناظرٌ فيها لمعنىً خلف معنى |
*** |
|
هذه الدنيا هجيرٌ كلُّها | أين في الرمضاء ظلٌّ من ظلالكْ |
ربما تزخرُ بالحسن وما | في الدُّمى مهما غَلَتْ سحر جمالك |
ولقد تزخر بالنور وكم | من ضياء وهو من غيرك حالكْ |
لو جَرَتْ في خاطري أقْصى المُنى | لتمنّيتُ خيالاً من خيالِك ! |
*** | *** |
أين يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتبى | لهواه واصطفاه لي خدينا؟ |
لم أكن أطمع أن تُضمِر لي | آسياً يُبرئُ لي الجرح الدفينا |
*** | *** |
قلتُ للّيلِ الذي جلّلنا | والذي كان على السرّ أمينا |
أينَ يا قلبيَ مَنْ قلبي اجتَبَى | لهواهُ واصطفاهُ لي خدينا؟ |
لم أكن أطمع أن ترحمني | بعد أن قَضَّيْتُ في الوجدِ السنينا |
لم أكُنْ أطمعُ أن تُضْمِرَ لي | آسياً يُبْرئُ لي الجُرح الدفينا |
لم أكن أعلمُ يا ليلَ الأسى | أن في جُنْحِكَ لي فجراً جنينا |
*** |
|
أيها اللائذُ بالصّمتِ كَفَى | وأدِرْ وجْهَكَ لي وانظرْ طويلا |
لا تمِل واسخرْ من الدنيا إذا | شاءت الأيام يوماً أن تميلا |
*** |
|
ما الذي مكَّن في القلب الودادْ | ما الذي صبَّك صبّاً في الفؤادْ؟ |
ما الذي ملَّك عينيك القيادْ | ما الذي يعصف عصفاً بالرشادْ؟ |
ما الذي إِنْ أُقْصِهِ عنِّيَ عاد | طاغياً سِيّانِ قرب أو بعاد؟ |
ما الذي يخلقنا من عدم | ما الذي يُجري حياة في الجمادْ؟ |
*** | *** |
كم حبيب بَعُدت صهباؤه | وتبقت نفحة من حبَبهْ |
في نسيج خالدٍ رغم البلى | عبث الدّهرُ وما يعبث به |
أين سلطاني ومجدي والذي | حبُّه مجدٌ وسلطانٌ وعزَّه؟ |
أين إلهامي ونوري والذي | أيقظَ القلبَ إلى البَعْثِ وهَزَّه؟ |