في وادي العبيد
ضاع عُمْري في دياجيرِ الحياة | وخَبَتْ أحلامُ قلبــي المُغْرَقِ |
ها أنا وحدي على شطِّ المماتِ | والأعاصيــرُ تُنادي زورقي |
ليس في عينيّ غيـرُ العَبَراتِ | والظلالُ السودُ تحمي مفرقي |
ليس في سَمْعيَ غيرُ الصَرَخاتِ | أسفاً للعُمْـــرِ، ماذا قد بَقِي ؟ |
سَنَواتُ العُمْر مرّت بي سِراعا | وتوارتْ في دُجَى الماضي البعيدْ |
وتبقَّيْتُ على البحْر شِراعـا | مُغرَقاً في الدمْع والحزنِ المُبيدْ |
وحدتـي تقتلُني والعُمْرُ ضاعا | والأَسى لم يُبْقِ لي حُلماً “جديدْ” |
وظلامُ العيْش لم يُبْقِ شُعَاعـا | والشَّبابُ الغَضُّ يَذْوي ويَبِيـدْ |
أيُّ مأساةٍ حياتي وصِبايــا | أيّ نارٍ خلفَ صَمْتي وشَكاتي |
كتمتْ روحي وباحتْ مُقْلتايا | ليتها ضنّتْ بأسـرار حياتـي |
ولمن أشكو عذابـي وأسَايا ؟ | ولمن أُرْسـلُ هذي الأغنياتِ ؟ |
وحوالـيَّ عبيـدٌ وضحايـا | ووجودٌ مُغْـرَقٌ فـي الظُلُماتِ |
أيُّ معنىً لطُموحي ورجائـي | شَهِدَ الموتُ بضَعْفـي البَشريّ |
ليس في الأرض لُحزْني من عزاءِ | فاحتدامُ الشرِّ طبْعُ الآدمــيِّ |
مُثُلي العُلْيا وحُلْمي وسَمَائـي | كلُّها أوهامُ قلبٍ شاعــريِّ |
هكذا قالوا … فما مَعْنى بَقائي ؟ | رحمةَ الأقدارِ بالقلب الشقــيِّ |
لا أُريدُ العيشَ في وادي العبيـدِ | بين أَمواتٍ … وإِن لم يُدْفَنـوا |
جُثَثٌ ترسَفُ في أسْرِ القُيــودِ | وتماثيلُ اجتـوتْها الأَْعيُـــنُ |
آدميّونَ ولكـنْ كالقُــرودِ | وضِبَاعٌ شَرْســةٌ لا تُؤمَــنُ |
أبداً أُسْمعُهـم عذْبَ نشيـدي | وهُمُ نومٌ عميـقٌ مُحْـــزنُ |
قلبيَ الحُرُّ الـذي لم يَفْهمـوهُ | سوف يلْقَى في أغانيــه العَزَاءَ |
لا يَظُنّوا أَنَّهم قـد سحقـوهُ | فهو ما زالَ جَمَالاً ونَقَــاءَ |
سوف تمضي في التسابيح سِنوهُ | وهمُ في الشرِّ فجراً ومســاءَ |
في حَضيضٍ من أَذاهْم ألفـوهُ | مُظْلمٍ لا حُسْنَ فيه ، لا ضياءَ |
إِن أَكنْ عاشقةَ الليلِ فكأسـي | مُشْرِقٌ بالضوءِ والحُبِّ الوَريقِ |
وجَمَالُ الليلِ قد طهّرَ نفسـي | بالدُجَى والهمس والصمْتِ العميقِ |
أبداً يملأ أوهامــي وحسِّـي | بمعاني الرّوحِ والشِعْرِ الرقيـقِ |
فدعوا لي ليلَ أحلامي ويأسي | ولكم أنتم تباشير الحياة |
8-8-1946 |