انشودة الأموات
لحظة الموت لحظة ليس من ره | بتها في وجودنا المرّ حامي |
وسيأتي اليوم الذي نحن فيه | ذكريات في خاطر الأيّام |
كلّ رسم قد غيّرته الليالي | كلّ قلب قد عاد صخرا أصّما |
دفنت عمرنا السنين كأن لم | نملأ الأرض بالأناشيد يوما |
ليس إلا صوت العواصف فوق ال | مدفن الصامت الرهيب الستور |
وحفيف النخيل في رعشة الري | ح ونوح الأمواج بين الصخور |
قد سمعنا صوت الرياح المدوّي | حين كان الوجود ملك يدينا |
وعشقنا صوت النخيل وهمنا | بخرير الأمواج قلبا وعينا |
وعبدنا أشّعة القمر الضا | حك في الصيف وابتسمنا إليه |
وشدونا الأنغام تحت سناه | ورسمنا الأحلام بين يديه |
وضحكنا مع الزمان وسرنا | في ظلام الحياة مبتسمينا |
تارة ساخرين من كل ما نل | قى وأخرى تحت الدجى باكينا |
وبنينا قصورنا تحت ضوء الش | مس يوما إلى جوار القبور |
وزرعنا زهورنا وتخذنا | من دماء الموتى غذاء الزهور |
وضحكنا إذ الطبيعة تبكي | بالدجى والرياح والأمطار |
وسخرنا والدهر غضبان جهم | ورقصنا على حفاف النار |
فإذا غّنت العصافير وافترّ | ت ثغور الأزهار فوق ثرانا |
وتمّشى الأحياء فوق بقايا | نا وداسوا عظامنا ودمانا |
فهو ثأر الطبيعة البارد المرّ | وسخرية الزمان العاتي |
وحقود الحياة لا بد للمي | ت منها في عالم الأموات |
يا جموع الأحياء في الأرض هيها | ت يعود الماضي الجميل إليكم |
فاغنموا ليلكم وغّنوا فمن يد | ري ؟ لعلّ الصباح يقضي عليكم |
علّها الليلة الأخيرة من عم | ركم في الوجود يا أحياء |
ليس منكم من يضمن الغد فاشدوا | فقريبا يضيع هذا المساء |
ربما كنتم مساء غد تح | ت تراب القبور والأحجار |
يتباكى عليكم البوم والغر | بان بعد الكؤوس والأوتار |
وتعود القصور والزهر ملكا | لسواكم من ضاحكي الأحياء |
ويظلّ القمريّ يشدو وانتم | في سكون المنيّة الخرساء |
وتعود الحقول في الفجر خلوا | من أغانيكم ووقع خطاكم |
ويذيب النسيان ذكر أماني | كم ويذوي الممات غصن صباكم |
ويظلّ الراعي يغرّد للأش | جار والنبع في صفاء المغاني |
وتنامون أنتم لا حراك | لا نشيد في قبضة الأكفان |
لن تنوح الحياة إن متم أن | تم فغنّوا ولا تنوحوا عليها |
فهي تلك الخلوب تبسم للأح | ياء والسمّ كامن في يديها |
فانعموا في ظلال أفراحكم في | ها وروّوا الظماء قبل الممات |
وامرحوا في الحقول واستنشقوا العط | ر وصوغوا فواتن النغمات |
ودّعوا هذه الشوارع عند الن | هر يا أشقياء قبل الرحيل |
ودّعوها فليس في القبر غير الص | مت والهمّ والظلام الطويل |
وابسموا للنجوم والقمر الحل | و وغّنوا النسيم كلّ مساء |
أيّ غبن أن تفقدوا كل شيء | في البلى والسكون والظلماء |