www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الشاعر و الملك الجائر

0

الشاعر و الملك الجائر

أمر السلطان بالشاعر يوما فأتاه في كساء حائل الصّبغة واه جانباه
و حذاء أوشكت تفلت منه قدماه قال : صف جاهي ، ففي وصفك لي للشعر جاه
إنّ لي القصر الذي لا تبلغ الطير ذراه و لي الروض الذي يعبق بالمسك ثراه
و لي الجبش الذي ترشح بالموت ظباه و لي الغابات و الشمذ الرواسي و المياه
و لي الناس … و بؤس الناس منّي و الرفاه إنّ هذا الكون ملكي ، أنا في الكون إله !

2

ضحك الشاعر ممّا سمعته أذناه و تمنّى إنّ يداجي فعصته شفتاه
قال: إنّي لا أرى كما أنت تراه إنّ ملكي قد طوى ملكك عنّي و محاه

***

ألقصر ينبيء عن مهارة شاعر لبق ، و يخبر بعده عنّكا
هو الألى يدرون كنه جماله فإذا مضوا فكأنّه دكّا
ستزول أنت و لا يزول جلاله كالفلك تبقى ، إن خلت ، فلكا

***

و الرّوض ؟ إنّ الروض صنعه شاعر سمح ، طروب ، رائق ، جزل
وشّى حواشيه وزيّن أرضه بروائع الألوان و الظلّ
لفراشة تحيا له ، و لنحلة تحيا به ، و لشاعر مثلي !
و لديمة تذري عليه دموعها كيما تقيه غوائل المحل
و لبلبل غرد يساجل بلبلا غردا ، و للنسمات و الطلّ
فإذا مضى زمن الربيع أضعته و أقام في قلبي و في عقلي !

***

و الجيش معقود لواؤك فوقه ما دمت تكسوه و تطعمه
للخبز طاعته و حسن ولائه هو ” لاته ” الكبرى و ” برهمه ”
فإذا يجوع بظلّ عرشك ليلة فهو الذي بيديه يحطّمه
لك منه أسيفه ، و لكن في غد لسواك أسيفه و أسهمه
أتراه سار إلى الوغى متعلّلا لولا الذي الشعراء تنظمه ؟
و إذا ترنّم هل بغير قصيدة من شاعر مثلي ترنّمه ؟

***

و البحر ، قد ظفرت يداك بدرّه و حصاه ، لكن هل ملكت هديره ؟
هو للدجى يلقي عليه خشوعه و الصّبح يسكب ، و هو يضحك ، نوره
أمرجت أنت مياهه ؟ أصبغت أن ت رماله ؟ أجبلت أنت صخوره
هو للرياح تهزّه و تثيره و الشهب تسمع في الظلام زئيره
للطير هائمة به مفتونة لا للذين يروّعون طيوره
للشاعر المفتون يخلق لاهيا من موجة حورا و يعشق حوره
و لمن فيه رمز كيانه و لمن يجيد لغيره تصويره
يا من يصيد الدرّ من أعماقه أخذت يداك من الجليل حقيره
لا تدّعيه … فليس يملك ، إنّه كالرّوض جهدك أن تشمّ عبيره

***

و مررت بالجبل الأشمّ فما زوى عنّي محاسنه و لست أميرا
و مررت أنت فما رأيت صخوره ضحكت و لا رقصت لديك حبورا
و لقد نقلت لنملة ما تدّعي فتعجّبت ، ممّا حكيت ، كثيرا
قالت : صديقك ما يكون ؟ أقشعما أو أرقما ؟ أم ضيغما هيصورا ؟
أيحوك مثل العنكبوت بيوته حوكا ؟ و يبني كالنسور و كورا ؟
هل يملأ الأعوار تبرا كالضّحى و يردّ كالغيث الموات نضيرا ؟
أيلفّ كاللّيل الأباطح و الرّبى و المنزل المعمور و المهجورا ؟
فأجبتها : كلّا ! فقالت : سمّه في غير خوف ” كائنا مغرورا ! ”

3

فاحتدم السّلطان أيّ احتدام و لاح حبّ البطش في مقلتيه
وصاح بالجلّاد : هات الحسام ! فأسرع الجلّاد يسعى إليه
فقال: دحرج رأس هذا الغلام فرأسه عبء على منكبيه

***

قد طبع السّيف لحزّ الرّقاب و هذه رقبة ثرثار
أقتله …و اطرح جسمه للكلاب و لتذهب الروح إلى النّار

***

سمعا و طوعا ، سيّدي !.. و انتضى عضبا يموج الموت في شفرتيه
و لم يكن إلاّ كبرق أضا حتّى أطار الرأس عن منكبيه
فسقط الشاعر معرورضا يخدّش الأرض بكلتا يديه
كأنّما يبحث عن رأسه فاستضحك السلطان من سجدته
ثمّ استوى يهمس في نفسه ” ذو جنّة ” أمسى بلا جنّته

***

أجل ، هكذا هلك الشاعر كما يهلك الآثم المذنب
فما غضّ في روضة طائر و لم ينطفيء في السّما كوكب
و لا جزع الشّجر الناضر و لا اكتأب المطرب
و كوفيء عن قتله القاتل بمال جزيل وخدّ أسيل
فقال له خلقه السّافل : ألا ليت لي كلّ يوم قتيل !

4

في ليلة طامسة الأنجم تسلّل الموت إلى القصر
بين حراب الجند و الأسهم و الأسيف الهنديّة الحمر
إلى سرير الملك الأعظم إلى أمير البرّ و البحر !!
ففارق الدنيا و لمّا تزل فيها خمور و أغاريد
فلم يمد حزنا عليه الجبل و لا ذوى في الرّوض أملود

5

في حومة الموت و ظلّ البلى قد التقى السّلطان و الشاعر
هذا بلا مجد ، و هذا بلا ذلّ ، فلا باغ و لا ثائر
عانقت الأسمال تلك الحلى واصطحب المقهور و القاهر

*

لا يجزع الشاعر أن يقتلا ليس وراء القبر سيف و رمح
و لا يبالي ذاك أن يعذلا سيّان عند الميّت ذمّ و مدح

6

و توالت الأجيال تطّرد جيل يغيب و آخر يفد
أخنت على القصر المنيف فلا الجدران قائمة و لا العمد
و مشت على الجيش الكثيف فلا خيل مسوّمة و لا زرد
ذهبت بمن صلحوا و من فسدوا و مضت بمن تعسوا و من سعدوا
و بمن أذاب الحبّ مهجته و بمن تأكّل قلبه الحسد
و طوت ملوكا ما لهم عدد فكأنّهم في الأرض ما وجدوا
و الشاعر المقتول باقية أقواله فكأنّها الأبد
ألشيخ يلمس في جوانبها صور الهوى و الحكمة الوله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.