www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

العاشق المخدوع

0

العاشق المخدوع

أبصرتها في الخمس و العشر فرأيت أخت الرئم و البدر
عذراء ليس الفجر والدها و كأنّها مولودة الفجر
بسّامة في ثغرها درر يهفو إليها الشاعر العصري
و لها قوام لو أشبّهه بالغصن باء الغصن بالفخر
مثل الحمامة في وداعتها و كزهرة انّسرين في الطهر
مثل الحمامة غير أنّ لها صوت الهزار و لفتة الصقر

شاهدتها يوما وقد جلست في الرّوض بين الماء و الزهر
ويد الفتى ” هنري ” تطوّقها فحسدت ذاك الطّوق في الخصر
و حسدت مقلته و مسمعه لجمالها و كلامها الدرّي
أغمضت أجفاني على مضض و طويت أحشائي على الجمر
و خشيت أنّ الوجد يسلبني حلمي ، و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه باليأس آونة و بالصّبر
ثمّ انقضى عام و أعقبه ثان و ذاك السرّ في صدري
فعجبت ، منّي كيف أذكرها و قد انقضى حولان من عمري
خلت اللّيالي في تتابعها تزري بها عندي فلم تزر
زادت ملاحتها فزدت بها كلفا ، و موجدة على ” هنري ”

و سئمت داري و هي واسعة فتركتها و خرجت في أمر
فرأيت فتيان الحمى انتظموا كالعقد ، أو كالعسكر المجر
يتفكّهون بكلّ نادرة و على الوجوه علائم البشر
ساروا فأعجبني تدفّقهم فتبعتهم أدري و لا أدري
ما بالهم ؟ و لأية وقفوا ؟ لمن البناء يلوح كالقصر
أوّاه ! هذي دار فاتنتي من قال ما للشمس من خدر
و عرفت من ” فرجين ” جارتها ما زادني ضرّا على ضرّ
قد كان هذا يوم خطبتها يا أرض ميدي ! يا سما خرّي
و رأيت ساعدها بساعده فوددت لو غيّبت في قبر
و شعرت أن الأرض واجفة تحتى ، و أنّ النار في صدري
و خشيت أنّ الوجد يسلبني حلمي و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه اليأس آونة و بالصّبر

قالوا : الكنيسة خير تعزية لمن ابتلي في الحبّ بالهجر
فنذرت أن أقضي الحياة بها و قصدتها كيما أفي نذري
لازمتها بدرين ما التفتت عيني إلى شمس و لا بدر
أتلو أناشيد النبيّ ضحى و أطالع الإنجيل في العصر
حينا مع الرهبان ، آونة وحدي ، و أحيانا مع الحبر
في الغاب فوق العشب مضطجعا في السّفح مستندا إلى الصّخر
في غرفتي ، و الريح راكدة بين المغارس ، و الصّبا تسري
حتى إذا ما القلب زايلة تبريحه ، و صحوت من سكري
و سلوتها و سلوت خاطبها و ألفت عيش الضنك و العسر
عاد القضاء إلى محاربتي ورجعت للشكوى من الدهر

في ضحوة وقف النسيم بها متردّدا في صفحة النهر
كالشاعر الباكي على طلل أو قاريء حيران في سفر
و الشمس ساطعة و لامعة تكسو حواشي النهر بالتبر
و الأرض حالية جوانبها بالزّهر من قان و مصفرّ
فكأنّها بالعشب كاسية حسناء في أثوابها الخضر
و علا هتاف الطير إذ أمنت بأس العقاب و صوله النسر
تتلو على أهل الهوى سورا ليست بمنظوم و لا نثر
يحنو الهزار على أليفته و يداعب القمريّة القمري
و انساب كلّ مصفّق عذب و اهتزّ كلّ مهفهف نضر
فتذكّرت نفسي صبابتها ما أولع المهجور بالذّكر
أرسلت طرفي رائد فجرى و جرى على آثاره فكري
حتى دوى صوت الرئيس بنا فهرعت و الرهبان في إثري
و إذا بنا نلقى كنيستنا بالوافدين تموج كالبحر
و إذا ” بها ” و إذا الفتى هنري في حلّة بيضاء كالفجر
تمشي بين ذي أدب حلو ، و بين مليحة بكر
رفع الرئيس عليها يده و أنا أرى و يدي على صدري
يا قلب ذب ! يا مهجتي انفطري يا طرف فض بالأدمع الحمر
أغمضت أجفاني على مضض و طويت أحشائي على الجمر
و خشيت أنّ الوجد يسلبني حلمي ، و يغلبني على أمري
فرجعت أدراجي أغالبه باليأس آونة و بالصبر
و خرجت لا ألوي على أحد و رضيت بعد الزّهد بالكفر

أشفقت من همّي على كبدي و خشيت من دمعي على نحري
فكلفت بالصهباء أشربها في منزلي ، في الحان ، في القفر
أبغي الشفاء من الهموم بها فتزيدني وقرا على وقر
و تزيدني و لعا بها و هوى و تزيدني حقدا على هنري
قال الطبيب و قد رأى سقمي : لله من فعل الهوى العذري
ما لي بدائك يا فتى قبل السحر محتاج إلى سحر
و مضى يقلّب كفّه أسفا و لبثت كالمقتول في الوكر
ما أبصرت عيناي غانية إلاّ ذكرت إلى الدمى فقري

و سئمت داري و هي واسعة فتركتها و خرجت في أمر
فرأيتها في السوق واقفة و دموعها تنهلّ كالقطر
في بردة كاللّيل حالكة لهفي على أثوابها الحمر
فدنوت أسألها وقد جزعت نفسي ، وزلزل حزنها ظهري
قالت : قضى هنري ! فقلت : قضى من كاد لي كيدا و لم يدر
لا تكرهوا شرّا يصيبكم فلربّ خير جاء من شرّ
رهفا هواها بي فقلت لها : قد حلّ هذا الموت من أسري
قالت : و من أسري ! فقلت : إذن لي أنت ؟ قالت : أنت ذو الأمر
فأدرت زندي حول منكبها و لثمتها في النحر و الثّغر
و شفيت نفسي من لواعجها و تأرت بالتصريح من سرّي
ثمّ انثنيت بها على عجل باب الكنيسة جاعلا شطري
و هناك باركني و هنّأني من هنّأوا قبلي الفتى هنري

من بعد شهر مرّ لي معها أبصرت وضح الشيب في شعري
ما كنت أدري قبل صحبتها أنّ المشيب يكون في شهر
فكرت في هنري و كيف قضى فوجدت هنري واضح العذر
يا طالما قد كنت أحسده و اليوم أحسده على القبر

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.