www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

دعوة لتذوق معاناة الفلسطينيين/تحسين يحيى أبو عاصي

0

لم أكتب هنا بقصد الإنشاء ، فقد كُتب عن ذلك الكثير ، ولكنني قصدت أن يُحلّق معي القارئ عاليا ، وأن يبحر معي عميقاً في معاني وآفاق وبحار الكلمات ، لعله بذلك يفرق بين مبنى الكلمة وبين معناها ؛ فيملك إحساسا مرهفاً ، ويستخرج منها عصارتها ويتذوق من كأسها المعنوي ، فيشعر ولو يسيرا بتلك النار المستعرة في القلوب المكسورة البائسة لأهلنا في غزة

دعوة لتذوق معاناة الفلسطينيين

بقلم : تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب مستقل –

= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =

لم أكتب هنا بقصد الإنشاء ، فقد كُتب عن ذلك الكثير ، ولكنني قصدت أن يُحلّق معي القارئ عاليا ، وأن يبحر معي عميقاً في معاني وآفاق وبحار الكلمات ، لعله بذلك يفرق بين مبنى الكلمة وبين معناها ؛ فيملك إحساسا مرهفاً ، ويستخرج منها عصارتها ويتذوق من كأسها المعنوي ، فيشعر ولو يسيرا بتلك النار المستعرة في القلوب المكسورة البائسة لأهلنا في غزة .

عندما نقول كلمة ( أسد ) ، فمبنى هذه الكلمة هو ثلاثة أحرف ، ولكن معناها يسع صفحات كثيرة .

ولو طلبنا من شاب يعيش في كوبن هاجن أو سويسرا أو لندن ( على سبيل المثال لا الحصر ) أن يشرح لنا ماذا تعني له كلمة تذوق ؟ فربما يقول : أنها الشوكولاته والهامبورغر والبيبسي ، والكرة واللهو واللعب وما شابه ذلك ، وفي المقابل لو سألنا شاباً فلسطينياً ، ماذا تعني لك كلمة تذوق ؟ فربما يجيب : أنها تعني الحرمان والجروح والموت ، والاعتقال والفقر والحزن ، والجوع ودمار البيوت وتجريف الأراضي والمصانع وقصف الطائرات ، وكل كلمة ووصف هنا تعني تذوقاُ وكأساً ومشرباً وإحساساُ وإدراكاً ومعرفة ، فتذوق الألم والمرض والإرهاق والجوع والفقر والجروح والسجن ، ليس كتذوق العافية والراحة والشبع والغنى والحرية بالقطع .

وهناك من الأمثال الفلسطينية الدارجة : ( الذي يأكل الضرب ليس كالذي يعدّه ) ( والذي يده في النار ليس كالذي يتدفأ عليها ) .

أخي أريد منك أن تتذوق لا أن تقرا فقط ، وأن تستشعر لا أن تشعر فقط ، وأسأل الله أن يحميك وأسرتك وكل المسلمين والعرب والشرفاء في هذا العالم ، مما أصابنا نحن الفلسطينيين :

ولو قلنا للعالم أجمع على سبيل الأمثلة لا الحصر : من منكم أيها الناس تذوق ( بمعنى التذوق ) قطْع الكهرباء ليلا فتخبّط في الظلمة ، فإذا قام ليبحث عن شمعة تعثر ومن حوله الأطفال يبكون من الخوف ، واستمر القطع أياما وليالي ؟ . فهل تذوقت أو استشففت بدقة معنى قطع الكهرباء مثلا ؟ .

وتلك النساء الواقفات في الطابور ؛ للحصول على قارورة غاز لطهي الطعام ، هل تذوقت معنى ذلك ؟ .

وهل تتذوق أن يموت لك عزيز لا سمح الله أمام عينيك ، وأنت عاجز من أن تقدم له دواء أو تسافر به إلى الخارج للعلاج ؟ .

حصار غزة استمر ثلاث سنوات حتى اليوم ، فهل نتذوق بحق التذوق ماذا يعني ذلك من فقر وبطالة وحرمان من كل شيء تقريباً ؟ .

هل تذوقت كيف يسقط بيتاً فوق رؤوس ساكنيه من نساء وأطفال وشيوخ ، بفعل صواريخ الطائرات ؟ .

عندما تريد أن تزوج ابنك فلذة كبدك ولم تجد له مالا .

عندما تريد أن تبني لك بيتا فلا أسمنت ولا حديد ولا أموال ، فهل تستشعر وتتذوق ماذا يعني ذلك ، وما هو مردوده ونتائجه على نفسيتك ونفسية أسرتك ؟ كان الله في عون الفلسطينيين . 

مصانع مغلقة ، وورشات مدمرة ، وممتلكات مجرفة ، وتجارة كاسدة ، هل تتذوق معنى أن يُجرف أو يدمر الاحتلال ملك تملكه ، وما يتبع ذلك من ألم وحسرة ومرارة ؟ ، هل تذوقت أخي ؟ .

وأن تمشي متعثرا في الحفرات المنتشرة في طرقات غزة ، وأن ترى الشوارع تحتاج إلى ترميم كبير ، وأن ترى غزة شاحبة اللون ، يعيش الكثيرون من أهلها في الخيم ، بعد ما أصابهم من دمار، وقد أصبحوا متسولين من بعد أن كانوا أحرارا في بيوتهم ، وهم بإذن الله أحرار أعزاء كما كانوا وسيظلوا كذلك ، فهل تعلم ماذا يعني ذالك ؟ هل تذوقت ؟ هل أدركت ؟ .

اليوم في غزة نستخدم موقد الكيروسين ، ونستخدم الحطب من أجل الطهي .

اليوم في غزة قلوب الناس منكسرة ، وحسبنا الله على من كسر قلوبهم .

اليوم في غزة ، وقد شاهدت بأم عيني نساءً كريمات شريفات يتسولن لقمة أطفالهن ، فإنا لله وإنا أليه راجعون .

فهل يمكن تذوق معنى ذلك وليس معرفة ذلك فقط ؟ وإن تذوقت فهل ستتذوق حقيقة ما يتذوقه أهل غزة حيث يتجرعون كاسات الحنظل المر ؟ .

هل تهتز الضمائر ؟ وهل تتحرك القلوب والمشاعر ؟ هل من رجال يدافعون عنك يا فلسطين ؟

قضيتنا قضية وطنية إسلامية عادلة ، قضية شعب وتراب ووطن ووجود وهوية .

صحيح أنها في النهاية هي ضريبة الوطن والحرية والكرامة ، ولكن صدقوني لم ولن ندفعها لوحدنا !! .

tahsseenn2010@hotmail.com  

 

www.tahsseen.jeeran.com  مدونتي : واحة الكتاب والأدباء المغمورين

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.