هم فجر الحياة بالإدبار
هم فجر الحياة بالإدبار | فإذا مر فهي في الآثار |
والصبا كالكرى نعيم ولن | ينقضي والفتى به غير داري |
يغنم المرء عيشه في صباه | فإذا بان عاش بالتذكار |
إيه آثار بعلبك سلام | بعد طول النوى وبعد المزار |
ووقيت العفاء من عرصات | مقويات أواهل بالفخار |
ذكريني طفولتي وأعيدي | رسم عهد عن أعيني متواري |
مستطاب الحالين صفوا وشجوا | مستحب في النفع والإضرار |
يوم أمشي على الطلول السواجي | لا افترار فيهن إلا افتراري |
نزقا بينهن غرا لعوبا | لاهبا عن تبصر واعتبار |
مستقلا عظيمها مستخفا | ما بها من مهابة ووقار |
يوم أخلو بهند تلهو وتزهو | والهوى بيننا أليف مجاري |
كفراش الرياض إذ يتبارى | مرحا ما له من استقرار |
نلتقي تارة ونشرد أخرى | كل ترب في مخبإ متداري |
فإذا البعد طال طرفة عين | حثنا الشوق مؤذنا بالبدار |
وعداد اللحاظ نصفو ونشقى | بجوار ففرقة فجوار |
ليس في الدهر محض سعد ولكن | تلد السعد محنة الأكدار |
كلما نلتقي اعتنقنا كأنا | جد سفر عادوا من الأسفار |
قبلات على عفاف تحاكي | قبلات الأنداء والأسحار |
واشتباك كضم غصن أخاه | وكلثم النوار للنوار |
قلبنا طاهر وليس خليا | أطهر الحب في قلوب الصغار |
كان ذاك الهوى سلاما وبردا | فاغتدى حين شب جذوة نار |
حبذا هند ذلك العهد لكن | كل شيء إلى الردى والبوار |
هد عزمي النوى وقوض جسمي | فدمار يمشي بدار دمار |
خرب حارت البرية فيها | فتنة السامعين والنظار |
معجزات من البناء كبار | لأناس ملء الزمان كبار |
ألبستها الشموس تفويف در | وعقيق على رداء نضار |
وتحلت من الليالي بشامات | كتنقيط عنبر في بهار |
وسقاها الندى رشاش دموع | شربتها ظواميء الأنوار |
زادها الشيب حرمة وجلالا | توجتها به يد الأعصار |
رب شيب أتم حسنا وأولى | واهن العزم صولة الجبار |
معبد للأسرار قام ولكن | صنعه كان أعظم الأسرار |
مثل القوم كل شيء عجيب | فيه تمثيل حكمة واقتدار |
صنعوا من جماده ثمرا يجنى | ولكن بالعقل والأبصار |
وضروبا من كل زهر أنيق | لم تفتها نضارة الأزهار |
وشموسا مضيئة وشعاعا | باهرات لكنها من حجار |
وطيورا ذواهبا آيبات | خالدات الغدو والإبكار |
في جنان معلقات زواه | بصنوف النجوم والأنوار |
وأسودا يخشى التحفز منها | ويروع السكوت كالتزآر |
عابسات الوجوه غير غضاب | باديات الأنياب غير ضواري |
في عرانينها دخان مثار | وبألحاظها سيول شرار |
تلك آياتهم وما برحت في | كل آن روائع الزوار |
ضمها كلها بديع نظام | دق حتى كأنها في انتشار |
في مقام للحن يعبد بعد العقل | فيه والعقل بعد الباري |
منتهى ما يجاد رسما وأبهى | ما تحج القلوب في الأنظار |
أهل فينيقا سلام عليكم | يوم تفنى بقية الأدهار |
لكم الأرض خالدين عليها | بعظيم الأعمال والآثار |
خضتم البحر يوم كان عصيا | لم يسخر لقوة من بخار |
وركبتم منه جوادا حرونا | قلقا بالممرس المغوار |
إن تمادى عدوا بهم كبحوه | وأقالوه عن كبا من عثار |
وإذا ما طغى بهم أوشكوا أن | يأخذوا لاعبين بالأقمار |
غير صعب تخليد ذكر على الأرض | لمن خلدوه فوق البحار |
شيدوها للشمس دار صلاة | وأتم الرومان حلي الدار |
هم دعاة الفلاح في ذلك العصر | وأهل العمران في الأمصار |
نحتوا الراسيات تحت صخور | وأبانوا دقائق الأفكار |
وأجادوا الدمى فجاز عليهم | أنها الآمرات في الأقدار |
سجدوا للذي هم صنعوه | سجدات الإجلال والإكبار |
بعد هذا أغاية فترجى | لتمام أم مطمع في افتخار |
نظرت هند حسنهن فغارت | أنت أبهى يا هند من أن تغاري |
كل هذي الدمى التي عبدوها | لك يا ربة الجمال جواري |