www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

في ذكرى الإسراء والمعراج/ مصطفى إنشاصي

0

في ذكرى الإسراء والمعراج

محاولة لفهم الواقع في ضوء الآيات الأولى في سورة الإسراء

حلقات نشرتها سابقاً قبل طوفان الأقصى الذي أغرق الأقصى والقضية كلها وأهلها في دوامة من الدمار والقتل والإبادة نتيجة ليس لقرار خاطئ فقط اتخذه قلة لا يفقهوا شيء في أي شيء لأنهم يعيشون أوهام في رؤوسهم هم وجماعتهم وأنصارهم من القطيع المستحمر في العالم كله، تلك الأوهام حجبت عقولهم عن فهم الإسلام فهماً صحيحاً واختزلته في نفسها واعتبرت نفسها الأمة الجديدة، وكأن الإسلام فيه أمة قديمة وأمة جديدة، ولكنهم يرون الأمة الجديدة هي جيل عباداً لنا وأنهم هم وعد الآخرة الذين سيدمرون العلو والإفساد الإسرائيلي في الأرض، فانفصلوا من شعبهم وأمتهم ولم يروا الواقع على حقيقته ويريدوا بالإرهاب والإكراه واتهام من لا يرى ضلالهم هدى أن يفرضوا هزائمهم ونكباتهم لنا بالقوة انتصارات وإلا فنحن: خونة، عملاء، منافقين، ومثبتين، منسقين أمنيا …

سأعيد نشرها في ذكرى الإسراء والمعراج التي نعيش في رحابها هذه الأيام لمن يريد أن يفهم: أن فلسطين قضية دين وأمة، وأن الدين والأمة لا يختزلا في جماعة مريضة نفسياً وعقلياً وأنه أعظم رحابة وسِعة من أن تدركه عقولهم المريضة ونفوسهم الصغيرة:

الآيات الأربعة الأولى شاهد على العصر!

ما جهله مَن جهل وتجاهل علينا أن الآيات الأربعة الأولى من سورة الإسراء تؤكد لنا البُعد الديني والعالمي في الصراع، وأنها شاهد على الواقع وتؤكده صحته. قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا. وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} (الإسراء: 1 – 4).

منذ عقود وقرون كل عام نحيي ذكرى الإسراء والمعراج ونعيد قراءة المقروء وكتابة المكتوب، ولم نلتفت إلى الترتيب الإلهي للآيات الأولى في سورة الإسراء، لأنه بكل تأكيد أن الله لم يضعهما في هذا الموضع عشوائياً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما ليلفت انتباه المسلمين إلى العلاقة العميقة دينياً وتاريخياً وواقعياً عندما يحدث الإفساد، بين العلو والإفساد وبين ادعاء اليهود أنهم أتباع موسى عليه السلام، وأن الله (فضلهم على العالمين)، وأنهم (شعبه المختار) وأنهم ورثة العهد بالبركة الذي أعطي لنوح عليه السلام وتم اختزاله في (سام بن نوح) وذريته … وبقية المنظومة التوراتية التي من خلال تحويلها عقيدة لدى النصارى ومنظومة معرفية للعالم في مجالات علمية عدة ما كانوا بلغوا ما هم عليه الآن!

ألا يمكن أن تكون هذه رؤية قرآنية وعالمية كان علينا الانتباه لها وعولمتها، وتوحيد كل قوى الخير والإنسانية معنا ضد مخططات اليهود للسيطرة على العالم وفرض سيادتهم عليه؟! خاصة وأن رحلة الإسراء والمعراج كانت بشرى من الله لرسوله صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأمته إلى يوم الدين، حيث أنها:

الآية الأولى أكد الله فيها على العلاقة الدينية والتاريخية بين المسجدين، البيت الحرام والمسجد الأقصى، ووحدة العقيدة والجغرافيا بين نقطة الانطلاق (المسجد الحرام) ونقطة الوصول قبل العروج (المسجد اﻷقصى)، بين مركز الأرض وبوابة السماء!

وبشر بأن المسلمين سيفتحون القدس والمسجد الأقصى فتحاً مادياً بعد الفتح المعنوي ليلة الإسراء والمعراج. وأكدت على وحدة رسالات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وأحادية الدين السماوي الإسلام وليس (الأديان السماوية)، بإمامة النبي محمد صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لجميع الأنبياء والرسل، وتأكيد على هوية الورثة لإرثهم جميعاً لا يشاركهم فيه أحد ..

والآيتان الثانية والثالثة الله لم يضعهما في هذا الموضع عشوائياً تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وإنما لينفِ فيهما أساسا العلو والإفساد:

في الآية {2} نفي أفضليتهم وزعمهم أنهم (شعب الله المختار) بعد أن ظلموا أنفسهم واتخذوا من دون الله وكلاء وليس وكيلاً واحداً، وحرفوا التوراة وحولوا رسالة موسى عليه السلام السماوية إلى ديانة بشرية وثنية! قال تعالى: {وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي ‎وَكِيلًا} .. لكنهم ظلموا أنفسهم واتخذوا من دونه وكلاء وليس وكيلاً واحداً!

وفي الآية {3} قال تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} نفى (كذبة السامية)، التي اختزلت في كذبة أن البركة أعطيت لـ(سام بن نوح) وذريته، التي اختزلت في اليهود فقط، تأكيده على أن أصل سكان الأرض من نوح عليه السلام و﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾، 

كما أنها أكدت على وحدة الأصل البشري من كل سلالة أبينا آدم عليه السلام ورفض اختزاله في عرق خرافة، رفضا لنهج الاستئصال والإبادة الجماعية للجنس البشري (كذبة السامية)، التي ترعب العالم اليوم! 

فلولا تلك المنظومة التوراتية التي أصبحت عقيدة لدى بعض النصارى، ومنظومة معرفية للعالم في مجالات علمية عدة ما كانوا بلغوا ما هم عليه الآن!

والبشرى الدائمة المستمرة بإسلامية الأرض المباركة، وأنها لا يعمر فيها الظالمين مهما طال احتلاله لها، قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}، وأيا كان رقم الإفساد هذه المرة فيشمله قوله تعالى: (وإن عدتم عدنا)!

وربط كل ذلك بالتصعيد الصهيوني وتسريع الخطى لفرض (السيادة اليهودية) على الأقصى تمهيداً لهدمه وإعادة (بناء الهيكل المزعوم)!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.