الانتخاب: العملية التي يختار من خلالها المواطنون الأحرار أسيادهم.
إليزابيث هاردويك
بقلم: عبد الحق الريكي
شهدت دائرة المحيط بالعاصمة الرباط انتخابات جزئية أثارت نقاشات واسعة
حول مكامن القوة والضعف في النظام الانتخابي المغربي. هذه الانتخابات،
التي انتهت بفوز مرشح حزب التجمع الوطني للأحرار، لم تكن مجرد حدث محلي،
بل كشفت عن أبعاد أعمق مرتبطة بالمشهد السياسي الوطني والاستعدادات
للانتخابات التشريعية المقبلة.
نتائج الانتخابات وأبعادها السياسية
أسفرت الانتخابات الجزئية عن فوز مرشح الأغلبية الحكومية بفارق كبير، مما
عزز موقع حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش. في المقابل، جاءت
النتائج لتؤكد استمرار ضعف تأثير المعارضة التقليدية، وعلى رأسها حزب
العدالة والتنمية، الذي يواصل فقدان شعبيته منذ انتخابات 2021. ومع ذلك،
يبقى السؤال قائماً: هل كانت الانتخابات “نزيهة” كما يزعم البعض؟
نسبة المشاركة الضعيفة في دائرة المحيط تسلط الضوء على أزمة المشاركة
الشعبية، حيث بقيت معدلات التصويت منخفضة مقارنة بعدد الناخبين المسجلين.
هذا الوضع يثير تساؤلات جدية حول شرعية التمثيل السياسي ومدى ارتباط
المواطنين بالعملية الانتخابية.
إشكاليات القانون الانتخابي المغربي
القانون الانتخابي الحالي يعاني من عدة اختلالات تحول دون تحقيق تمثيل
عادل ومتوازن:
إلغاء العتبة الانتخابية: أدى إلى تشتت الأصوات، ما يجعل تشكيل تحالفات
حكومية متماسكة أمرًا صعبًا، وغالبًا ما ينتج عنه حكومات غير مستقرة.
غياب الشفافية في تمويل الحملات: يزيد من الشكوك حول نزاهة العملية الانتخابية.
ضعف تمثيل النساء والشباب: يستمر في تكريس إقصاء فئات واسعة من المجتمع المغربي.
التقطيع الانتخابي: يحتاج إلى مراجعة لضمان توزيع عادل للمقاعد
الانتخابية، مما يعزز تمثيل الأحزاب الصغيرة دون الإضرار باستقرار
المؤسسات التشريعية.
نحو إصلاح شامل للقانون الانتخابي
كما شهد المغرب إصلاحات دستورية مهمة في العقد الأخير، بات من الضروري
الآن إطلاق إصلاح شامل للقانون الانتخابي. الإصلاح يجب أن يشمل:
مراجعة التقطيع الانتخابي ونظام توزيع المقاعد.
تعزيز الشفافية من خلال فرض رقابة صارمة على تمويل الحملات الانتخابية.
تمكين النساء والشباب عبر اعتماد نظام حصص (كوتا) إلزامية.
إشراك المجتمع المدني في مراقبة الانتخابات وضمان نزاهتها.
رهانات المستقبل السياسي
فوز حزب التجمع الوطني للأحرار في الانتخابات الجزئية يعكس استعداده
لتعزيز هيمنته في الاستحقاقات المقبلة. ومع ذلك، فإن استمرار النظام
الانتخابي الحالي دون إصلاح قد يؤدي إلى تعميق الفجوة بين الطبقة
السياسية والمواطنين، مما يهدد استقرار العملية الديمقراطية.
كمعارض للحكومة اليمينية الحالية، أؤمن أن تحقيق الديمقراطية الحقيقية
يتطلب شجاعة سياسية لإصلاح المنظومة الانتخابية بشكل شامل. إن الاستمرار
في تجاهل قضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية لن يؤدي إلا إلى تقويض
الثقة في العملية السياسية برمتها.
ختامًا
الانتخابات الجزئية بدائرة المحيط ليست مجرد محطة عابرة، بل هي جرس إنذار
يدعو جميع الفاعلين السياسيين إلى إعادة النظر في القانون الانتخابي.
المغرب بحاجة إلى منظومة انتخابية جديدة تضمن تمثيلًا عادلًا وتعزز
المشاركة الشعبية. بدون هذا الإصلاح، ستظل الديمقراطية المغربية تواجه
تحديات كبيرة قد تؤثر على استقرارها على المدى البعيد.
عبد الحق الريكي
الرباط، الأحد 26 يناير 2025