ترحلت عن زمني عائدا
ترحلت عن زمني عائدا | خلال القرون إلى ما وراء |
وما طيتي غير أني وقفت بآثار فن عداها الفناء |
|
هياكل شيدها للخلود | نبوغ جبابرة أقوياء |
فجسمي في دهره ماكث | وقلبي في أول الدهر ناء |
أجلت بتلك الرسوم لحاظا | يغالب فيها السرور البكاء |
فما ارتهن الطرف إلا مثال | عتيق الجمال جديد الرواء |
مثال لإيزيس في صلده | تحس الحياة وتجري الدماء |
يروعك من عطفه لينه | ويرويك من رونق الوجه ماء |
به فجر الحسن من منبع | فيا عجبا للرمال الظماء |
فتون الدلال وردع الجلال | وأمر الحياة ونهي الحياء |
فأدركت كيف استبت عابديها | بسحر الجمال وسر الذكاء |
وبث العيون شعاع النهى | يبيح السرائر من كل راء |
لقد غبرت حقب لا تعد | يدول النعيم بها والشقاء |
تزول البلاد وتفنى العباد | وإيزيس تزهو بغير ازدهاء |
إذا انتابها الدهر ما زادها | وقد حسر الموج إلا جلاء |
لبثت أفكر في شأنها | مطيفا بها هائما في العراء |
فلما براني حر الضحى | وأدركني في الطواف العياء |
أويت إلى السمح من ظلها | وفي ظلها الروح لي والشفاء |
يجول بي الفكر كل مجال | إذا أقعد الجسم فرط العناء |
فما أنا إلا وتلك الإلهة | ذات الجلالة والكبرياء |
قد اهتز جانبها وانتحت | تخطر بين السنى والسناء |
وترمقني بالعيون التي | تفيض محاجرها بالضياء |
بتلك العيون التي لم تزل | يدان لعزتها من إباء |
فما في الملوك سوى أعبد | وما في المليكات إلا إماء |
وقالت بذاك الفم الكوثري | الذي رصعته نجوم السماء |
أيا ناشد الحسن في كل فن | رصين المعاني مكين البناء |
لقد جئت من آهلات الديار | تحج الجمال بهذا العراء |
فلا يوحشنك فقد أنيس | سوى الذكر يعمر هذا الخلاء |
وإن الرسوم لحال تحول | وللحسن دون الرسوم البقاء |
له صور أبدا تستجد | وجوهره أبدا في صفاء |
بكل زمان وكل مكان | ينوع في الشكل للأتقياء |
فليس القديم وليس الحديث | لدى قدرة الله إلا سواء |
رفعت لك الحجب المسدلات | وأبرحت عن ناظريك الخفاء |
تيمم بفكرك أرضا لنا | بها صلة من قديم الإخاء |
بلاد الشآم التي لم تزل | بلاد النوابغ والأنبياء |
ففي سفح لبنان حورية | تفنن مبدعها ما يشاء |
إذا ما بدت من خباء العفاف | كما تتجلى صباحا ذكاء |
تبينتها وهي لي صورة | أعيدت إلى الخلق بعد العفاء |
فتعرفها وبها حليتاي | سحر الجمال وسر الذكاء |