www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الغرب والإسلام شمولية الهجمة الغربية الحديثة (28)/مصطفى إنشاصي

0



جمعت الحملة كل ما وضعه علم الاستشراق من مخططات لتدمير الإسلام والقضاء عليه لتضعه موضع التنفيذ، فاللافت للنظر أن الحملة لم تكن حملة عسكرية فقط لكنها كانت حملة شاملة ضد الأمة والوطن، ولنبدأ مع الحملة الفرنسية من مرحلة الإعداد لها:
التأسيس للموالاة بين اليهود والنصارى: دعوة نابليون عشية حملته على الشرق الإسلامي لإعادة اليهود إلى ما يزعمونه (أرض الميعاد) فلسطين التي يعتبرها العلمانيين أنها هي التي فتحت أعين الغرب على أهمية استغلال اليهود الذين لم يفكروا من قبل بالعودة لفلسطين وينتظرون المسيح اليهودي لعيدهم إليها سلماً، لم تكون مبادرة منه لكنها كانت طلباً من اليهود أنفسهم. لأن اليهود فقد أرسل مجلس السنهدرين اليهودي الإيطالي عندما علم بتحضيره لحملته إليه رسالة عبر أحد الضباط البروتستانت في الجيش الفرنسي سلمها لوزير الحرب الفرنسي الذي سلمها بدوره لنابليون، يعرضون عليه أن يساعدهم في العودة إلى (أرضهم الموعودة) فلسطين مقابل أن يدعموه بالمال والمعلومات والأدلاء و…. وقد كان نابليون بدعوته تلك يضع البند السادس الذي جاء في وثيقة لويس التاسع، التي سبق ذكرها، موضع التنفيذ: “العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد حتى تصل إلى الغرب”.
تلك الدعوة مع أنها فشلت واكتشف نابليون أن اليهود غرروا به ووصفهم “أنهم حثالة البشر وجراثيمه” كما أنهم تآمروا عليه ونفوه، إلا أنها شكلت دفعة قوية زادت من عزيمة اليهود لقرب أملهم في تحقيق حلم إقامة دولتهم في فلسطين ومضاعفة جهودهم الذاتية. وكما أنها فتحت عيون الغرب على أهمية فلسطين الاستراتيجية للقوى الاستعمارية وخاصة بريطانيا، فقد فتحت عيونه أيضاً على أهمية التحالف مع اليهود الذين يعملون للعودة إلى فلسطين وإقامة دولتهم الموعودة فيها. لقد كانت دعوة نابليون أول دعوة رسمية أوروبية للتأسيس للموالاة التي حذرنا منها الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (المائدة:51).
تفكيك وتمزيق وحدة الأمة على اختلاف قومياتها: أول ما أن وصل إلى مياه الإسكندرية بدأ دور المطبعة التي اصطحبها معه، حيث أرسل أو منشوراته للمصريين ليزرع الشقاق والفرقة بين أبناء الأمة والواحدة المصريين والمماليك والعثمانيين، وليكون أول دعوة وطنية وقومية لهدم وحدة الأمة وإثارة النعرات الجاهلية، فقد جاء فيه:
“بسم الله الرحمن الرحيم. لا إله إلا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه. من طرف الفرنساوية، المبني على أساس الحرية والتسوية … لقد قيل لكم أني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد غزالة دينكم، فذلك كذب صريح فلا تصدقوه، وقولوا للمغترين أنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين، وأنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى وأحترم نبيه والقرآن العظيم”. فقد زعم أنه جاء ليحارب المماليك ويخلصهم من ظلمهم!
وما أن احتل الإسكندرية ووصل القاهرة بدأ دور البهثة العلمية ليقوموا في البحث والتنقيب عن الآثار الفرعونية للتأسيس للنعرات الجاهلية، كأحد المخططات الغربية الرئيسة لتمزيق الأمة وتفكيكها من خلال نسج تاريخ قديم لكل قطر ليشكل هوية وطنية جديدة ويكون بديل له عن التاريخ الإسلامي، وهذا الهدف لِما يسمى علم الآثار إضافة لمحاولة إثبات صحة خرافات التوراة عن بني إسرائيل وتاريخهم في وطننا، كشف عنه برنارد لويس بقوله:
“إن إعادة اكتشاف الشرق الأوسط القديم كان كلية على يد الباحثين الأوروبيين وبذلك عدوا على تعميق أبعاد هذه الدراسات وزادوا في المعلومات التاريخية لشعوب هذه المنطقة التي كانت تعتبر تاريخ الشرق الأوسط يبدأ فعلاً منذ بعثة محمد صلَ الله عليه وعلى آله وسلم فقط”.
ويقول أحد المستشرقين الصرحاء: “إننا في كل بلد إسلامي دخلناه، نبشنا الأرض لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذب ولاءه للإسلام وبين تلك الحضارات”. وذلك حالنا نزاع بين انتماء وولاء للإسلام وانتماء وولاء للوطن!
لقد بعثت حملة نابليون أن بعثت أول نعرة جاهلية في تاريخ الأمة الحديث وهي الدعوة إلى الفرعونية وأن مصر فرعونية وأنها صاحبة حضارة السبعة آلاف سنة … إلخ، وقد تبين أن هذه الدعوات ركن أساس في مخططات الغرب لاختراق وتدمير الإسلام وقد انتشرت بعد ذلك في كل أرجاء الوطن، البابلية في العراق، الآرامية في سوريا، الأنباط في الأردن، الكنعانية الفينيقية في فلسطين ولبنان، الأمازيغية في شمال إفريقيا، الطورانية في تركيا …، والآن يخطط الغرب لمزيد من التفتيت بنعرات الطائفية والمذهبية والأثنية و…!
الدعوة لسفور المرأة المسلمة وتفكيك الأسرة ونشر الرذيلة: وكما خطط لتفكيك وحدة الأمة فقد خطط أيضاً لتفكيك وحدة الأسرة والمجتمع، وذلك من خلال البغايا اللواتي جلبهن نابليون مع الحملة ونشرهن في شوارع القاهرة، اللواتي تحدث عنهن الجبرتي في أكثر من موضع في كتابه (عجائب الآثار): “أولئك الساقطات اللواتي جاء بهن نابليون، يسرن في شوارع القاهرة حاسرات متخلعات يثرن الفتنة وينشرن الفاحشة، ويغرين بعض النساء المسلمات لتقليدهن”.
تفكيك الهوية الإسلامية للمجتمع بفصل المسجد عن الدولة وتنحية الشريعة الإسلامية: وذلك ما أراده نابليون من الدستور الجديد ومحاولة علمنة الأزهر الذي كان يقود المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي يومها. وقد كان من أهم آثار تلك الحملة أن نجح نابليون “في دق أول آسفين في تركيب بنية المجتمعات الإسلامية عندما فصل المسجد عن الدولة، وهمش سلطة الأزهر كمصدر للتشريعات، وأضعف دوره القيادي في المجتمع وفي إرشاد المسئولين في الدولة، ووضع قوانين مدنية مستمدة من الدستور الفرنسي وجعلها الأساس التشريعي للقضاء المصري”. لقد حققت الحملة الفرنسية أول شرخ في الوطن الإسلامي بين دستورين وهويتين وسلطتين.
وقد فعل ذلك بزعم أنه مسلم وأنه حريص على تطوير مصر وتحديثها، وقد كشف حقيقة نوياه وكذبه شيخ الأزهر الشرقاوي وقال له في وجهه: “لو كنت مسلماً حقاً كما تدعي كنت طبقت الشريعة الإسلامية في بلدك فرنسا، بدلاً من تنحية الشريعة هنا، ووضع القوانين الوضعية بدلاً منها”.
آثار الحملة الفرنسية
لقد تركت الحملة الفرنسية آثارها الهائلة على جسد الأمة المنهك ومازلنا نعاني منها حتى اليوم، وقد تمثلت في نقلها التنافس الدولي الأوروبي إلى شرق المتوسط، ونقلت معركته مع الوطن الإسلامي من الصراع على الممرات والثغور إلى قلب الوطن نفسه، وأعادت الاهتمام الأوروبي بالممرات البحرية العربية – الإسلامية، نتيجة إعادة اكتشاف الأهمية الإستراتيجية لخط السويس، الذي يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط ويختصر طريق المواصلات الدولية الأخرى مع الشرق وخصوصاً حركة التجارة مع الهند والصين، وبدأت أفكار شق قناة السويس تتبلور إلى أن تم تنفيذ المشروع وهذا الأمر الذي رفع من نسبة حرارة الصراع الدولي على المنطقة.
كما أظهرت الحملة الفرنسية أهمية وطننا الإستراتيجية والحيوية لحركة التجارة العالمية، والوصول إلى مناطق احتلالات الدول الأوروبية، وفتحت باب التنافس بين الدول الأوربية الغربية للسيطرة على الممتلكات العثمانية في الشرق. ولقد اتفقت الدول الغربية فيما بينها في مؤتمر فينا عام 1815م الذي عقد لمواجهة حروب نابليون الأوروبية على إبقاء الدولة العثمانية في حالة ضعف والعمل على إضعافها أكثر إلى أن يحين الوقت المناسب لاقتسام ممتلكاتها. وقد كان على رأس مخططاتها منع نجاح أي محاولة يمكن أن تستعيد بها الدولة العثمانية قوتها ونهضتها من جديد، واستغلال الأصوات المنادية بالإصلاح من الداخل وتوجيهها في الاتجاه الذي يخدم أهدافها في القضاء على النظام السياسي الإسلامي المتمثل في “الخلافة الإسلامية العثمانية”. لذلك لم تفلح كل محاولات الإصلاح الداخلي التي قامت بها الدولة العثمانية، لتجديد شبابها وقوتها، سواء كانت تلك الإصلاحات على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الإداري أو العسكري. كما ازدادت أهمية وطننا بعد حملة محمد علي على بلاد الشام والحجاز، وبعد شق قناة السويس.

تتمة المقالات:

https://omferas.com/vb/search.php?searchid=1145344

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.