واخزا قحطان
قال : أكثَرت مدحنا وهِجانا | وتفنَّنت في اصطياد خَطانا |
تارةً تأتينا بأجمل لفظٍ | وبخُُبثٍ تذُمنا أحيانا |
لك وجهان ، غير أنك ترضى | أن تعيش الحياة نذلاً جبانا |
لم يعُد شِعْرُك الهزيل ليحظى | بالقليل القليل مما كانا |
فاترك الشِعْر للبهائم أمَرَى | أن يرى الشعر فوقه سعدانا |
قلتُ والثغر باسمٌ ، وسعيدٌ | أن أرى الفحم قد غدا إنسانا: |
“يا لهذي الحياة ما كنت أدري | أن شعري سيوقظ الصوانا |
آه لو تعلم الملوك بهذا | لأقاموا بشِعري البُلدانا |
أنا إن كنت قد مدحت (جَميلاً( | وتفانيت أن أُريه حنانا |
فلعلمي بحكمة قِيل فيها: | (شرفُ العبدِ أن يظلّ مُهانا) |
لمَ أهجو؟ فذاك أمرٌ عظيمٌ | يقف العقل عنده حيرانا |
أيهاُّ التَّيسُ مالك اليوم تهذي | تنطح الصخر ، والجبال رحانا |
لست ندي ، ولست تبلغ رُشدي | أنا من يملأ الحياة بيانا |
إنما الشِّعر آيتي وحديثي | وحروفي صنعتها تيجانا |
فادنُ مني وطأطأ الرأس إني | أرى في رأسك الغَبا أطنانا |
لمَ تنسل يا “جميل” وتمضي | أألفْت الحياة نذلاً جبانا |
إنما العيش للجبان فناءٌ | يتقن الخوف عُمرهُ إتقانا |
قال : إن كنت قد علمت أذانا | وتقلبت في نَعيم رِضانا |
فلماذا أراك تكتب شِعراً | وتُعري بقولهِ الأبدانا |
إن ترانا عن جُلِّ قولك نغضي | فسيأتيك ردُّنا بركانا |
قلت “والله ما أرى لك رُشدا | ولئن عِشت بعدنا أزمانا |
ولكَ الله يا زمان فهذا | نسلُ قحطان ،واخزا قحطانا |
أي ردٍ ، وأي فعلٍ ، وماذا | بيدِ القش إن لقي طوفانا |
أيها الغِرُ لا يُكن بك جهلٌ | أنا من يصنع الأسى ألوانا |
اِسأل الكون إن جَهلت فصِيتي | عَبَر الكون ، ثم عاد مصونا |
أنت ما عُدت يا “جميل” بعيني | غيرَ حُرقٍ دُخانه آذانا |
تترك الجرح غائراً ، وتولي | ومن العار أن تعيش دخانا” |
قال : مادمت قد سخرت بِقولي | فاعلم اليوم أنني غضبانا |
ولئن جئت بالمدائح ألفاً | و”تريماً” نحرتها قربانا |
وسبايا من “الحضارم ” تُرمى | عند أقدام خادمي إذعانا |
ما تراجعت عن قراري ورأيي | وستدري متى تدور رحانا” |
قُلت: والله ما علمتك إلا | ببغاءً يُردد الألحانا |
كم تَعَفَّرت في التُراب ولمّا | تعب الطين صاح فيك كفانا |
يالها من بجاحةٍ تُذهل الأب | صارَ والأسماعَ والأذهانَ |