www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

حرب الأزواد الأخيرة في شمال مالي وتداعياتها على المنطقة/: أ . تحسين يحيى أبو عاصي

0

بداية يجب قراءة ظاهرة الأزواد من منطلق حيادي وموضوعي ، بعيداً عن شهوة الانتماء السياسي ، والترف الفكري ؛ لكي نصل إلى نتيجة صحيحة ، لأن كل بداية صحيحة ستؤدي غالباً إلى نتيجة صحيحة ، وأود الإشارة هنا بأنني كاتب مستقل أرفض الإرهاب بشدة بكل أيديولوجياته ، واكره سفك الدماء ، وأتناول الحقيقة من منظار تحليلي بحت ، دون أن يكون لي ناقة ولا جمل هنا أو هناك .

حرب الأزواد الأخيرة في شمال مالي وتداعياتها على المنطقة

بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل – 27-4-2012م

= = = = = = = = = =

بداية يجب قراءة ظاهرة الأزواد من منطلق حيادي وموضوعي ، بعيداً عن شهوة الانتماء السياسي ، والترف الفكري ؛ لكي نصل إلى نتيجة صحيحة ، لأن كل بداية صحيحة ستؤدي غالباً إلى نتيجة صحيحة ، وأود الإشارة هنا بأنني كاتب مستقل أرفض الإرهاب بشدة بكل أيديولوجياته ، واكره سفك الدماء ، وأتناول الحقيقة من منظار تحليلي بحت ، دون أن يكون لي ناقة ولا جمل هنا أو هناك .

إن موضوع الأزواد له تشابكاته وتفاعلاته ، كما أن له أسبابه ونتائجه وأهدافه ، خاصة عندما نأخذ بعين الموضوعية أن الحركة الوطنية الازوادية هي ذات توجهات علمانية معظم منتسبيها من الطوارق وأنها تعتمد عقيدة سياسية وطنية ، وتعلن عن هدفها وهو استقلال إقليم أزواد ، وتعتبر جيش مالي جيشا محتلا وفق أدبياتها

، ويشارك الحركة الوطنية الازوادية في نضالها جماعات أخرى مثل : جماعة أنصار الدين وهي من الطوارق تهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، ليس في الأزواد فقط بل في كل مالي ، يساعدها في ذلك الميول الإسلامية لشعب مالي ، وإحساسه بالظلم الواقع عليه ، و حياة الفقر والحرمان والتفرقة والتمييز الواقع عليه ، فنحو نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر – على سبيل المثال لا الحصر -، وقد تجلى واضحا ذلك الإحساس من خلال مشاركتها في المعارك التي خاضتها الحركة الوطنية لتحرير الأزواد ، وحركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا وهي حركة قريبة جدا من توجهات ومنطلقات جماعة أنصار الدين ووجدت تفاعلا كبيرا لها بين مواطني دولة مالي ، ثم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بأجندته التي تتجاوز الجغرافيا … بمعنى انه يوجد أوجه متعددة للتيار الديني الجهادي العالمي ، الذي يلتقي فيما بينه بمقاطع ومحاور كثيرة في جميع أنحاء العالم ، آخذين بعين الاعتبار أن جميع أوجه التيار الديني لا تتلقى دعما من أحد ، أي أنهه ليست بحضن أحد من حيث التمويل والتدريب والتسليح والإمداد ، فلا توجد حتى اليوم مؤشرات أولية لعلامات منظومة الدعم اللوجستي والتموين لأي مسمى من مسميات أُطر ذلك التيار الديني ، كما لا بد من الجمع بين مختلف خيوط تلك الظاهرة مجتمعة ( ظاهرة الازواد ) ، فلا يمكن عزل خيط عن آخر عند تناولنا لتعقيدات وتشابكات حركة الازواد ، باعتبارها جزءا من الكل الفاعل والمؤثر أمام حالة الإخفاق والفشل والعجز التي شهدتها جميع أحزاب الدول الآسيوية والإفريقية خلال مسيرتها السياسية الطويلة ، خاصة ونحن أمام حدث جديد له تداعياته وانعكاساته ليس فقط على مناطق جوار مالي ، بل ربما على دول الساحل الإفريقي وكثير من دول العالم …

كما تسعى الحركة الوطنية الازوادية إلى رفع الظلم التاريخي الواقع على شعب مالي خاصة وان حكومة مالي مدعومة من واشنطن ، فماذا ننتظر من حكومة تدعمها واشنطن دعما ماليا وسياسيا وعسكريا واستخباراتيا ، كما تدعم النظام العربي الرسمي في بعض محاوره الآن وقبل ثورات الربيع العربي ، فهل تدفع أمريكا ملايين الدولارات لحلفائها بدون أن تتحقق أهدافها من وراء ذلك؟ ، وهل ترسل أمريكا المدربين الجزائريين إلى شمال مالي لتدريب وتجهيز الجيش المالي من اجل عيون الشعب المالي ؟ ثم ماذا يمكننا أن نفهم من خلال عمليات التدريب السنوية التي تديرها الولايات المتحدة في صحاري مالي ؛ لمكافحة ما تسميه بالإرهاب في الصحراء الإفريقية ؟ ، فقد كانت كل من موريتانيا وفرنسا تدخل إلى التراب المالي ، وتقوم بعمليات عسكرية بحجة محاربة القاعدة ، صحيح أن مالي تعرضت لانقلاب عسكري ، ولكن الحسابات الأيديولوجية والسياسية فرضت واقعا جديدا لا بد منه بعد انقلاب مالي ، بحيث لا يمكن نسيان وتخطي مراحل القمع والتهميش التي استمرت لحوالي خمسين عاما ضد شعب مالي من مختلف أقلياته وأعراقه .

إنني أختلف مع كثير من المحللين القائلين بأن قيام كيان جديد في منطقة الساحل يلتقي مع توجهات وسياسات غربية … كما لا اتفق مع من يقول بان الإعلان عن ميلاد دولة هناك يُعتبر امتدادا للمشروع الاستعماري الغربي القائم على تفتيت الوطن العربي ومنطقة الساحل ، والتي بدأت بالعراق وامتدت إلى السودان ، فهذا في رأيي خلط بين حقيقة الواقع وبين الشهوة السياسية عند هذا المحلل السياسي أو ذاك ، فالسودان تتعرض لمؤامرة واضحة أدواتها ليسوا من الإسلاميين لكي يحلو للكثير تعليق فشلهم على بُعبُع الإسلاميين … كما إنني لا أوافقهم عندما يعتبرون أن قيام تلك الدولة سيؤدي إلى تفكيك دولة مالي إلى 23 كيانا جديدا – يعادل عدد العرقيات الموجودة في مالي –ويقولون أن النيجر هي الحلقة القادمة في مسلسل إعادة تشكيل المنطقة ، بعد تفتيتها حسب المخطط الغربي ، وان قوى غربية تدعم بشكل مباشر الجماعات الإرهابية التي سوف تحول الحدود إلى معابر لتجارة الأسلحة والمخدرات واللصوص وقطاع الطرق ، وغيرها من عمليات الإجرام ، وتعرض المسافرين لعمليات سطو وضرب ونهب ، والاعتداء بالسلاح ، وان ذلك هو المشروع الحقيقي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية والصين من خلال صراعاتها القائمة ؛ لتفكيك المنطقة إلى دويلات ، والاستحواذ على ثرواتها ومواردها الطبيعية الممتدة على طول 5 ملايين كلم مربع …

نعم تحرص الدول المعادية على تفكيك المنطقة واستغلال مواردها ، لكن يجب أن ندرك بأنه ليس كل تحرك ثوري بالضرورة أن يصب في مصلحة الصين أوالولايات المتحدة أو هذه الدولة وتلك ، كما أثار بعض المحللين الشكوك ولا زالوا حول ثورات الربيع العربي .

وليس دقيقا ما نسمعه من تصريحات تتعلق حول قادة الضباط الذين قاتلوا لصالح القذافي على أنهم يبحثون عن مصالح جديدة ، وامتيازات كانوا قد خسروها في ليبيا ، ويرغبون في خلق واقع جديد لهم في مالي ، حتى وغن كان قائد حركة الأزواد عسكريا في ليبيا …

ما سبق هو غُلو في التحليل ، يكاد أن يكون الأقرب إلى المهاترات ، فقد تعود هؤلاء المحللون على تبرير عجزهم وفشلهم في كل شيء ، وحصلوا على الامتياز تلو الامتياز في ذلك ، فأين هؤلاء المتباكين على مالي من انقلاب الجزائر على الديمقراطية ، عندما رفضت نتائج الانتخابات التي فازت فيها الجبهة الإسلامية ، وحلت حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ 1992 ، وأغرقت بسبب ذلك البلاد ببحر من الدماء – ليس دفاعاً عن احد -…

ولقد فشل هؤلاء مَهَرة الفذلكة الكلامية – حلفاء ومعارضة – في مكافحة الفساد ، وقمعوا الحريات ، وامتصوا دماء شعوبهم ، ورهنوا خيرات أوطانهم لصالح أعداء شعوبهم ، ثم يرتدُون اللباس الوطني وفق أهوائهم كلباس الثعالب ؛ لينطبق عليهم قول الشاعر : برز الثعلب يوما في لباس الواعظين ….. ومشى في الأرض يهدي ويسب الماكرين ، واعتبروا أن عدوهم المركزي هو الإرهاب الإسلامي ؛ للتغطية على تحالفاتهم وامتيازاتهم !! .

 

ومن ناحية أخرى فقد غفل هؤلاء عن مفهوم حركة التاريخ ، فقد كانت مالي – على سبيل المثال لا الحصر- جزءاً من ثلاث إمبراطوريات إفريقية غربية ، هي مملكة غانا ، ومالي ، وصونغاي ، وفي أواخر القرن التاسع عشر سيطرت فرنسا على مالي ، وجعلتها جزءا من السودان الفرنسي ، وضمت فرنسا إليه في ذلك الوقت السنغال … فلا أحد يتمكن من إيقاف حركة التاريخ ، خاصة من بعد أن ظهر واضحا ذلك الفشل الذريع لجميع تلك الأنظمة الحاكمة في آسيا وإفريقيا ، والتي أجادت بمهارة قمع وذبح شعوبها . أعتقد أن العقيدة القتالية المؤدلجة ليس فقط لحركة تحرير الازواد وحلفائها من الحركات الإسلامية الأخرى ، بل لجميع الأجسام المناضلة خاصة في العصر الحديث ، بحيث لا يمكن تطويعها وفق مزاج مصالح الدول ومنطلقاتها السياسية ، فهي ستقاوم كافة التهديدات التي ستواجهها بعقيدة المقاتل – وما لهذا التعبير من معانٍ عميقة في تقديري – ففي حرب مالي ازداد الانشقاق في صفوف الجيش المالي لصالح مقاتلي الحركة الوطنية لتحرير أزواد ، وفرَّ معظم عناصر جيش مالي أمام قوة أداء وفعل العقائديين الذين سيطروا على غاو في اليوم الأول من انسحاب الجيش المالي!! .

وكما فشل المجتمع الدولي والإقليمي في التعامل مع مشاكل أفغانستان وباكستان والصومال والعراق سيفشل أيضا في تعامله مع هذه المشكلة ، حتى لو تم الإعلان عن إمارة إسلامية في إقليم أزواد ، واستنساخ تجربة طالبان والقاعدة في أفغانستان – مع أنني لا أرغب في ذلك – ، واستخدموا ضد الأزواد جميع أوجه الضغط السياسية والاقتصادية ، وحتى لو تدخلت بعض الدول عسكرياً ، فسوف لن يجدي هذا التدخل شيئا ، خاصة وأن العالم اليوم في حالة حراك كبيرة لا يمكن تجاهلها ، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تمر بها أمريكا وبعض الدول التي تتحالف معها ، وحتى لو دخلت مالي لا سمح الله في حرب أهلية ، فإن المنتصر غالبا ما يكون هم أولئك المظلومون الذين ينطلقون من عقيدة قتالية ، وأي مواجهة عسكرية ضد الحركة الوطنية لتحرير أزواد ستكون صعبة الوقوع في هده الظروف على الأقل ، خاصة ونحن الآن في مرحلة انتخابات رئاسية فرنسية وأمريكية ، ولا أعتقد أن الدول الغربية قادرة على التدخل العسكري من أجل إعادة الاستقرار في مالي والمنطقة ؛ لأنها ستخوض حرب عصابات طاحنة قد تتسبب في إسقاط حكوماتها ، وأي تدخل عسكري للجزائر سيورطها في مستنقع صعب للغاية ، ولن تجدي من ورائه أيٍ من أهدافها ، وأي حرب هناك ستؤدي إلى تداعيات سيئة على دول الساحل الإفريقي كلها …

وأما مجموعة ايكواس التي تدخلت عسكرياً من قبل في ليبيريا وسيراليون وساحل العاج ، وإن حققت بعض النجاحات في مهامها الأمنية ، فإن تلك النجاح لم تكتمل بعد حتى تاريخه ، وهذا مؤشر كبير له مدلولاته ، ولا أعتقد بأن تلك المجموعة ستنجز شيئا أمام حالة مالي ، خاصة وان هناك نشاطاً عضويا واضحا لعدد من الحركات الإسلامية في المنطقة مثل نيجيريا والمغرب وتونس والجزائر وليبيا ، الأمر الذي سيجعل من أي مواجهة مع الازواد امراً له تداعياته الخطيرة على كل المنطقة ، إضافة إلى أن إقليم ازواد شاسع جدا تبلغ مساحته مساحة فرنسا وبلجيكا معا ، فلكل مرحلة رجالها ومتغيراتها ، ولا يسير التاريخ بوتيرة واحدة ، فكما أن الربيع العربي هو مرحلة جديدة ، فلا بد من أن يكون لهذه المرحلة إفرازاتها الحتمية بحكم معادلة التكامل والتفاعل بين الشعوب ، شئنا ذلك أم أبينا ، وما اضطرابات اليونان ولندن وحركة ( احتلوا وول سترييت عنا ببعيد ” Occupy Wall Street ” ، بمعنى انه لا بد من حدوث واقع جديد ربما يعصف بكيانات أخرى جديدة ، أو يؤدي إلى تغيير جديد في الخارطة ، فقد ذهبت وفود الحركات الإسلامية في كل من مصر وليبيا والمغرب وتونس موحدة بوفد واحد للقاء أوباما ، معبرة بذلك عن تغيير جديد ، ومؤشرات إيجابية كبيرة ، وهذا ما يتوقعه الكثيرون ، كما يحتدم الآن تنافس المعارضة السياسية مع النظام الحاكم في كل من موريتانيا والكويت واليونان وبريطانيا وروسيا وغيرهم من دول العالم … ، كل ذلك مؤشرات قوية تثبت أن حركة التاريخ حتمية لا يمكن أن تقف من ناحية ، وان إرادة المظلومين لن تُقهر من ناحية أخرى ، وان جميع المحاولات التي تهدف إلى كسر إرادة الأمم قد آلت إلى الفشل ، وان معاقبة الشعوب على خياراتها الديمقراطية لا تجدي شيئا وما تجربة غزة والجزائر ومصر عنا ببعيد.

للاتصال بالكاتب من داخل فلسطين 0599421664 من خارج فلسطين 00970599421664إميل tahsen-aboase@hotmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.