الملهى والمحراب
اسْمِعيني – لا أَسْمَعَ الله أُذْنَيْكِ | حديثَ الصِّبا. ونَجْوى الشَّباب! |
يَوْمَ كُنَّا طيرين نمرح في | العُشِّ.. ثمالى من خَمْرةٍ ورُضابِ! |
يَوْمَ كنَّا عَفَّيْنِ ما نَعْرفُ العِهْرَ | ونُفْضي عَمَّا وراءَ الثِّيابِ! |
لا نُبالي بالقَوْلِ يَجْرَحُ.. | والنَّظْرَةِ تُدْمِي. ولا بِسُوءِ الحِساب! |
فَلَنا مِن رَفارِفِ الطُّهْرِ مأوى | ليس يَخْشى نَقاؤُه من عِقابِ! |
وتعالى العُواءُ حَوْلي فما ارْتَعْتُ | ولا أَنْتِ مِن عُواءِ الذّئابِ! |
كيف يَرْتاعُ عاشِقانِ | طَهُورانِ بَرِيئانِ مِن خَنًى ومَعابِ؟! |
هكذا هكذا دَرَجْنا على | الحُبِّ خَلِيّاً من شِقْوةٍ وعَذابِ! |
وتَخيَّلْتُ أَنَّني العاشقُ الفَرْدُ | وأَنّي أختْالُ فَوْق السّحابِ! |
وتَبَدَّيْتِ لي حصاناً رَزَاناً | فهي ماءٌ.. وغَيْرُها من سرابِ! |
كَمَلاكٍ مِن الفرادِيسِ لا | عَيْبَ به غَيْرُ فِتْنَةِ الألْبابِ! |
والورى حَوْلَه نِشاوى | فمن حُسْنٍ وَضِيءٍ: ومن عَبِيرِ مَلابِ! |
* * * |
|
وتَخَيَّرتِني فلاقيتِ مِنِّي | غيْرَ ذي مَخْلَبٍ.. وذي أَنْيابِ.. |
غَيْرَ ذي شَهْوةٍ يَطِيحُ بها | الجِسْمُ عَشِيقاً مُزَعْزِعاً.. للتُّرابِ! |
هو قَلْبٌ من الحنانِ رقيقٌ | وهو عَقْلٌ مُلاَلِىءً كالشِّهابِ! |
واسْتَويْنا نِدَّيْنِ يَحْسِدُنا الخَلْقُ | فمن واثِقٍ.. ومن مُرْتابِ! |
فَحَسِبْنا. والأَمْرُ غَيْرُ الذي نَحْسبُ | والعيشُ كلُّه ذُو اضْطِرابِ! |
أنَّ هذا الهوى سيمْتَدُّ مُخْضَراً | مدى عُمْرِنا.. مدى الأحقابِ! |
يا لها من سذاجةٍ وغباءٍ | هَوَّنا بالكِذابِ كلَّ الصِّعابَ! |
وأنا دُونَكِ الأحْمقُ الغِرُّ | فقد كنْتِ نِقْمةً في إِهاب! |
نِقْمةً تَخْتَفي وَراءَ حِجابٍ | هو أَعْتى من الصُّخُورِ الصِّلابِ! |
يا لَرُوحي مِمَّا اعْتَرَاها من الغَفْلةِ | دَهْراً.. ويا له من عُجابِ! |
إنَّ هذا هو العُجابَ وما أكْثَر مَا في حياتِنا من عُجابِ |
|
أُيُّهذا المَلاكُ يَرْتَدُّ شّيطاناً مَرِيداً ويَزْدَهِي بالمآبِ! |
|
بِئْسَ هذا الجزاءُ مِنْكِ فأغْصانُكِ عادتْ عَلَيَّ مِثْلَ الحِرابِ! |
|
ضَرَّجَتْني لكنَّها أَنقْذتني | من خِداعٍ مَضَلِّلٍ.. وكِذابِ! |
عَلَّمَتْني.. وما أُحَيْلى هدى العلمِ عَليْنا يَرُدُّنا للصَّوابِ! |
|
ربَّما كان خَيْرُنا في عَذابٍ | مُنْضج. صارِفٍ عن الأَوْشابِ! |
وأراني أَراهُ يعد تماديَّ سِفاهاً | وبعد فَصْلِ الخِطابِ! |
واضِحاً.. واضِحاً.. جَلِيّاً .. جَلِيّاً | في كِليْنا من رِفْعَةٍ وتَبابِ! |
* * * |
|
لم تَعُودِي يا بُلْبُلي الصَّادِحَ | بالمَطْرِباتِ.. غَيْرَ غُرابِ! |
فارْقُبي يَوْمَكِ وقُولي | يا لَنَفْسي من وَحْشَةٍ وخَرابِ! |
واسْكُبي دّمْعَكِ الغَزِيرَ على الماضي لَئِيماً يَضجُّ بالأوْصابِ! |
|
وارْجعي للرَّشادِ.. حتَّى وإِن كان فَقِيراً ولَيْس بالوهَّابِ! |
|
كيف يَحْبو وما لَهُ من سناءٍ | يَتَصَبَّى.. وما لَهُ مِن رِحابِ؟! |
فَلَعلَّ المتابَ كفَّارَةُ العُمْرِ | ورَضْوى تِلكَ القُلوبِ الغِضابِ! |
هل تُطيِقينه؟ عَسى أن تُطِيقيهِ | وأَن تَدْخُلي إلى المِحْرابِ! |