الطائر الحزين
عُدْتُ بلا حِسَّ ولا خاطِرِ.. | كأنًّني عُشٌ بلا طائِرِ! |
عُشٌّ كَثيبٌ نالَ منه الِبلَى | يَفِيضُ بالبؤسِ على الناظِر! |
واهٍ على ماضٍ قطفتُ المُنَى | ريَّانَةً مِن رَوْضِهِ النَّاضِرِ! |
وَلَّى فلم يَبْقَ سوى مُهْجَةٍ | .. غابِرُها يَبْكِي على الحاضِرِ.. ! |
يَبْكي عليه.. ثم يَرْضى البِلى | كلاهما.. من أَلَمٍ صاهِرِ! |
ولا يَضيقانِ بَلاُوائِهِ | ولا يًثُورانِ على الواتِِرِ! |
فرُبَّما كانتْ بِطَيَّاتهِ | نُعْمى تُعيدُ الرِّبْحَ للخاسِرِ! |
مُضاعَفاً يَنْسى بآلائِهِ | ما كانَ من ناهٍ.. ومن آمِر! |
ورُبَّ حَظِّ عاثِرٍ يَنْتَهي | بِرَبِّهِ لِلأَمَلِ الزَّاهِرِ! |
خواطِرٌ هذي جَلاها الأَسى | بعد الدُّجى الحالِكِ للشّاَعِرِ! |
لكنَّهُ صابَرَ حتى اسْتَوَتْ | وضَّاءَةَ الباطِنِ والظَّاهِرِ! |
حقائِقاً عادَ بِها ناعِماً | باللاَّبِنِ المُغْدِقِ والتَّامِرِ! |
يا ذاتَ أَمْسى.. يا جَلاَل الهوى | يا ذاتَ حُبِّي الوامقِ الطاَّهِرِ! |
يا رّبَّةَ السِّحْر الذي قادني | إلى الذُّرى ذاتِ السَّنا الباهِرِ! |
ثُمَّ إلى الدّرْكِ.. إلى شِقْوَةٍ | أوَّلُها يَعْثُرُ بِالآخِر! |
كيف طَوى ذاك الجمالَ الرَّدى | وانْقَلَبَ السِّحْرُ عَلى السَّاحِرِ؟! |
عاد به المَهْجُورُ في جَنّةٍ | ولَيْسَ بالباكي ولا السَّاخِرِ |
وليس بالتَّاعِسِ من جَوْرِهِ | وليس بالآسِي على الجائِرِ! |
وأَنْتِ ما عُدْتِ سوى لِلأسَى | بعد الخَنى. بعد الضُّحى العابِرِ! |
ما أَرْوَعَ القِصَّة هذي الَّتي | تَرْوِي عن المَهْجُورِ والهَاجِرِ! |
* * * |
|
وسأَلْتُ نَفْسي. ما الذي يُجْدي الهوى | في حالّتيْه.. بِوَصْلِهِ وبِصَدِّهِ؟! |
هل لو سَعِدْتُ بِقُرْبِهِ ونَوالِهِ | أغدْو الرَّفِيعَ بِمَجْدِهِ. وبِرَغْدِهِ؟! |
أغْدو أَسيرُ وما أخافُ من الرَّدى | ولو استطال بِبَرقِهِ. وبِرَعْدِهِ؟! |
أم أَنَّني أغْدُو الهَلُوعَ لأنَّني | بِعْتُ الحياةَ على الحَبِيبِ ورِفِدِهِ؟! |
فَغَدَوْتُ مَمْلوكاً يُفَزّعُهُ النَّوى | فيَوَدُّ أن يَبْقى الحُسامُ بِغِمْدِه؟! |
لَنَجَوْتُ مِن طَيْشِ الغَرامِ وهَزْلهِِ | وخَرَجْتُ منه بِصَدِّه.. وبِجِدِّه! |
لو أَنَّني اسْترسَلْتُ فيه لَرَدَّني | بِحُسامِهِ عن مَطْمَحي.. وبِجُنْدِهِ! |
وّلكُنْتُ في يَوْمي الأَسيرَ.. وبِئْسَما | يَلْقى الأسِيرُ من الهوانِ بِوَجْدِهِ! |
وأنا الطَّلِيقُ بما اسْتَخْرَتُ. أنا الذي | ناوَأْتُهُ.. فَنَجا الكريمُ بجِلدِه! |
ولقد يُحَلِّقُ عاشِقٌ بِتَرَفُّع | عن دَعْدِهِ.. وتَمَنُّع عن هِنْدِه! |
ولقد يَظَلُّ بسَفْحِهِ. ولو أنَّهُ | شَحَذَ العَزِيمةَ لاسْتَوى في نَجْدِهِ! |
الحُرَّ لا يَرْضَى بِرَغْمِ شُجُونِهِ | حتى ولو نَخَرَتْ حَشاهُ بِقيْدِهِ! |
شَتَّانَ بَيْنَ مُنافِحٍ عن حُبِّهِ | يهْوِي بهِ.. ومُنافِحٍ عن مَجْدِهِ! |
* * * |
|
مُدِّي يَدَيْكِ.. فَإنَّني من عَنْصُرٍ | زاكٍ. وشافٍ صَدْرَهُ مِنْ حُقْدِهِ! |
ما إنْ شَمِتُّ بٍفاخرٍ مُتَنفِّجٍ | بالحُسْنِ.. بعد سُقُوطِهِ في لَحْدِهِ! |
فلقد بَرِئْتُ من الشَّماتِ وعَسْفِهِ | ولقد بَرِئْتُ من الغَرُورِ وكَيْدِهِ! |
ليْتَ الجمالَ إذا اسْتوى في عَرْشِهِ | لم يَسْتَبِدَّ على ضراغِمَ أُسْدِهِ! |
أَوْ يَطْغَ.. فالعُشَّاقُ في حُسْبانِهِ | كحِجارةٍ يَلهوَ بهمْ في نَرْدِهِ! |
فلقد يَوَدَّ إذا هَوى عن عَرْشِهِ | أنْ لو أَنالَ بِجَزْرِهِ وبِمَدِّهِ! |
لو أنَّه جَذَبَ المشَاعِرَ والنُّهيَ | المُسْتَهامَةَ. لاسْتَعَزَّ بِخَلْدِهِ! |
دُنْيا.. فهذا رابِحُ من غَيِّهِ | فاعْجَبْ. وهذا خاسِرٌ مِن رُشْدِهِ! |