بابل
أنا لـم أحفـظ عـن الله كتابا | أنا لـم أبنِ لقـديسٍ قبـابـا |
أنا ما صليت.. ما صمت.. و ما | رهبت نفسي لدى الحشر عقابا |
و الدم المسفوك من قافيتـي | لم يراود من يَدَيْ عَدنٍ ثوابا |
فهو لو ساءلتـَه عن مَطْمَـحٍ | ما ارتضى إلا فدى النور انسكابا |
*** | *** |
غضبي.. غضبة جرح أنشبت | فيه ذؤبانُ الخنا طفراً و نابا |
و انتفاضاتي عذابٌ.. ودَّ لو | ردّ عن صاحبِهِ الشرقُ عذابا |
و أنا أومن بالحق الذي | مجدهُ يؤخذ قسراً و اغتصابا |
و أنا أومن أني باعثٌ | في غدي الشمسَ التي صارت ترابا |
فاصبري يا لطخة العار التي | خطّها الأمسُ على وجهي كتابا |
و انظري النار التي في أضلعي | تهزم الليل و تجتاح الضبابا |
شعشعت في آسيا فاستيقظت | و صحت افريقيا.. غاباً فغابا! |
*** | *** |
يا حمام الدوح! لا تعتب أسىً | حسبنا ما أجهش الدوحُ عتابا |
نحن لم نزجرْك عن بستاننا | لم نُحكّمْ في مغانيك الغرابا |
نحن أشباهٌ و قد أوسعنا | غاصب الأعشاش ذلاً و اغترابا |
فابكِ في الغربة عمراً ضائعاً | و ارثِ عيشاً كان حلواً مُستطابا |
علّ نار الشجو تُذكي نخوةً | في الأَُلى اعتادوا مع الدهر المصابا |
فتهد اللحدَ عنـها جُثــثٌ | و يمور البعث شِيـباً و شبابا |
*** | *** |
يا قرى.. أطلالُها شاخصةٌ | تتقرّى غائباً أبكى الغيابا |
يا قرىً يُؤسي ثرى أجداثها | أنّ في النسل جراحاً تتغابى |
يا قرانا.. نحن لم نَسْلُ.. و لم | نغدر الأرض التي صارت يبابا |
خصبها يهدر في أعراقنا | أملاً حراً، و وحياً، و طِلابا |
و الذرى تشمخ في أنفسنا | عزةً تحتطبُ البغي احتطابا ! |
*** | *** |
يا بلاداً بلّلت كلَّ صدىً | و صداها لم يَرِدُ إلا سرابا |
يا بلادي نحن ما زلنا على | قسم الفدية شوقاً و ارتقابا |
يا بلادي! قبل ميعاد الضحى | موعدٌ ينضو عن النور حجابا ! |
*** | *** |
نكبةُ التيهِ التي أوردت بنا | فطرقنا في الدجى باباً فبابا |
عَمّقت سكِّينها في جرحنا | و جرت في دِمنا سُمّاً و صَابا |
و تهاوينا على أنقاضنا | فخرابٌ ضمّ في البؤسِ خرابا |
و من الأعماق.. من تُربتنا | هتف التاريخ.. و المجد أهابا |
فإذا أيامنا مشرقةٌ | بدمٍ.. من لونه أعطى الترابا |
و إذا روما نداءٌ جارحٌ | طاب يومُ النارِ يا نيرونُ طابا! |
*** | *** |
أيها العاجمُ من أعوادنا | نحن ما زلنا على العَجمْ صِلابا |
فاسأل الجرح الذي عذّبنا | كيف ألّبنا على الجرح العذابا |
نكبةُ التيه التي سّدّت بنا | كل أُفق ضوّأت فينا شهابا |
فأفاقت من سُباتٍ أعينٌ | وُلِدَ الدهرُ عليهنّ و شابا |
و اشرأبّت في المدى ألويةٌ | خفقت في الأربع الجُرد سحابا |
و على وقعُ خطانا التفتت | أمم أغضت هواناً و اكتئابا |
و رؤانا أخصبت فاخضوضرت | أعصُرٌ ناءَت على الشرق جِدابا |
*** | *** |
شعَفَاتُ الشمس من غاياتنا | فازرعي يا أمتي الليلَ حِرابا |
و إذا الأسداف أهوت جُثثاً | و إذا أحنى الطواغيتُ رقابا |
و إذا فَجّرْتِ أنهارَ السنى | و سنون الجدبِ بُدّلن خِصابا |
فانشري النور على كل مدى | و ابعثي أمجاده عجباً عجابا |
نحن أحرى مستجيباً إن دعا : | من يُفَدّي؟ و هو أحرى مستجابا ! |