صراع .. وإذعان
كنْتُ فيها الجَنِينَ في المَهْبلِ المُظُلِمِ | يَحُنو فيها عَلَيَّ حَبِيِبْي! |
هي أُمِّي التي تَجَشَّمَتِ الهَوْلِ | وعانَتْ مِن وعْكَةٍ وطبيبِ! |
وأنا نُطْفَةٌ بِصُلْبٍ عَطُوفٍ | يَتَمَنَّى قُدُومَ طِفْلٍ نَجيبِ! |
*** |
|
وتَحدَّرت مِن مَعينين صُلْبٍ | عَلَويِّ.. ومَهْبَلٍ عَرَبِيِّ! |
وتّلَفَّفْتُ بالقِماطِ .. فما يُدْفيءُ | مَهْدي غَيْرُ الحنَانِ الشَّجِيِّ! |
لّسْتُ أَدْرِي أأسْتَوي في حياتي | كَرَشيدٍ. أَمْ أَسْتَوي كَغَوِيِّ؟! |
كيف يَدْرِي الطِّفْلُ العمِيُّ بِما يُفْضي إلَيْه.. مِن عاطِلٍ وسوِيِّ؟! |
|
*** |
|
وتَدَرَّجْتُ في الحياةِ صَبِيّاً وفّتىً | ساهِماً .. وكَهْلاً حرِبيا! |
كان صَدْرِي كالأرض تَرْتَقِبُ القَطْرَ | ليَغْدو الجدِيبُ مِنْها خصِيبا! |
ويَشِحُّ القَطْرُ السَّخِيُّ ولو جادَ | لأمْسىَ اليَبِيسُ منها رطيبا! |
وتراهُ يَهْمي على غَيْرِها .. الرّوض | وما احْتَاجُهُ .. فَتَشْكو النَّصيبا! |
*** |
|
وأَراني غَدَوْتَ مِن شَجَنِ الدُنْيا حَكِيماً.. يَرى من البُؤْسِ ُنعْمي! |
|
بَعْد أَنْ كنْتُ شاكِياً .. أَنْدُبُ الحَظَّ.. وأَطْوي غَمّاً. وأُنْكِرُ ظُلْما! |
|
عادَ غُرْمي الذي تخيَّلْتُ بالأَمْسِ | بِرُوحي الذي تَرَفَّعَ.. غُنْما! |
وبَدَتْ لي الخُطُوبُ . وهي تُناغِيني وتَكْسو العِظامَ لَحْماً وشَحْما! |
|
*** |
|
كانَ وَهْماً ما خِلْتُه قَبْلُ مَجْداً | وحُطاماً .. والماءُ كانَ سرابا! |
فَهُما يُشْقِيانِ إنْ لم يكونا | عَمَلاً مُسْعِداً.. ورأْياً صَوابا! |
والكَثيرُ.. الكثيرُ مِنَّا شَحِيحٌ | وعَنِيفٌ.. إذا اسْتَقَلَّ السَّحابا! |
في يَدَيْهِ الحُطامُ والمَجْدُ ما عاش | على النَّاسِ.. أَسْهُماً وحِرابا! |
*** |
|
وتَفَكَّرْتُ فاسْتَبانَ لِيَ الَأمْرُ | وقد كان خَلْفَ شتَّى السَّتائِرْ! |
رُبَّ تِبْرٍ هو التُّرابُ.. وما يُغْني فَتَيلاً .. ولا يَصُدُّ الفَواقِرْ! |
|
إنَّه كالهباءِ يُرخِصُهُ الشُحُّ | ويُشْقي بحجزه في الغَرائِرْ! |
رَبُّهُ لا يَحُوزُ منه سوى الفقْرِ | سوى المَقْتِ. واحْتِواءِ المآثِرْ! |
*** |
|
أيُّ فَقْرٍ أَنْكى من الجَشَع المُزرِي وَجَمْع الحُطامِ .. لا إنْفاقِهْ! |
|
بِئْسَما المَرْءُ وهو يَلْهَثُ في السَّقي لئيماً .. يَخافُ مِن إمْلاقِهْ؟! |
|
وهو في ذُرْوَةِ الثَّراءِ. فَلَوْ أغْدَقَ | لاقى المزيد من إغْداقِهْ! |
رُبَّ جَدْبٍ يَعودُ خَصْباً | بَعْدَ تَشْذِيبِهِ. وبعد احْتراقِهْ! |
*** |
|
يا عَبِيدَ المَجْدِ الحَقِيرِ تَرَخَّصْتُمْ | فلم تَسْلكُوا السَّبِيلَ القَوِيما! |
لم تَنالُوا المَجْدَ اللُّبابَ وهَيْهاتَ فإنَّ القُشُورَ تُرْضي اللَّئيما! |
|
ورَضِيتُمْ بِها. وخُضْتُم إِليْها | لُجَجاً واصْطَفى الرَّميمُ الرَّمِيما! |
رُبَّ مَجْدٍ يَقُول سُحْقاً لِراعِيهِ | فَإنِّي وأَنْتَ نَصْلى الجحيما! |
*** |
|
إنَّ في اثنَيْكُما .. حُطاماً ومَجْداً | ما يُزَكِّي الضَّمِيرَ.. أَوْ ما يَغُولُ! |
ما يَرى النَّاسُ فيه خَيْراً وشَرّاً | من نُفُوسٍ تَطْغَى عَمًى وتَصُولُ! |
ونُفُوسٍ أَوَّابةٍ تَشْتَهي العَوْنَ | فَتَروِي به الصَّدى .. وَتَعُولُ! |
كم تُضِيءُ الحُلُولُ سَودَ الدّياجِير | وكم تَنْشُرُ الظَّلامَ الحُلُولُ! |
إنَّ نَفْسي ما بَيْنَ تلْكَ وهذي | فهي نَفْسٌ غَوِيَّةٌ. وبَتُولُ! |
فَصُعُوداً حِيناً إلى النَّجْم بالخَيْرِ | وحيناً يحْلُو لَديْها النّزُولُ! |
آهِ مِمَّا عانَيْتُ مِنْها فأجْهشتُ | ولكنَّها العليمُ.. الجَهُولُ! |
طال ما بَيْنَنا الصِّراعُ ولَمَّا | تؤْثِر السَّلْمِ فَهي حَرْبٌ تَطُولَ! |
*** |
|
يا إلهي لو أَنَّني كنْتُ مُخْتاراً.. لما اخْتَرْتُ غَيْرَ نَهْجِ الرَّشادِ! |
|
غَيْرَ أنِّي مِن بَعْدِ عَجْزي تَنَوَّرتُ سَبِيلَيَّ في الذُّرى والِوِهادِ! |
|
فَتَطَلَّعْتً لِلسَّماءِ.. وأَلْقَيْتُ إلى رَبِّها العلِيِِّ قِيادي! |
|
فإذا بي قَلْبٌ شَجِيٌّ.. وفِكْرٌ | عَبْقَرِيٌّ طابا بِطِيبِ المعَادِ! |