www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

السم في الدسم .. آخر طبعة/بقلم : شامل سفر

1

انتشرت في الآونة الأخيرة أفلام قصيرة (مقاطع فيديو) تم إخراجها بعناية

تُظهر أن علماء من الغرب (والشرق أيضاً) قد توصلوا إلى أن ما ورد في القرآن الكريم والسنّة الشريفة

من حقائق علمية ، صحيحٌ ومطابقٌ لِما توصّلوا إليه … حسناً …

أولاً ـ وقبل أي شيء ـ نحن المسلمين لا ننتظر إثباتاتٍ كهذه من أحد ، لأننا آمنّا وصدّقنا ، ومنذ زمنٍ بعيدٍ أيضاً …. ثانياً ـ وهذا هو الأهم ـ إذا توهّم بعضُ الناس أن (كل) مشاهدي هذه الأفلام متلقّون سلبيّون غير قادرين على قراءة ما بين السطور ، ولا على اكتشاف السم المدسوس في الدسم … فهم واهمون إلى درجة التهريج المثير للضحك .
لأي فيلم من مثل تلك الأفلام ثلاثة عناصر أساسية: (لسانُ حال = ما يريد أن يقوله الفيلم) أي العنوان العام لمقولته … و (حثٌّ على سلوكٍ معيّن = ردة فعل المشاهد تجاه ما شاهده) أي ما يريد منتجو الفيلم من المشاهد … و (تفصيلات صغيرة = الأفكار الممررة) بين ثنايا النص والرؤية البصرية ….. وأرجوك أيها القارئ الكريم أن تركل بقدمك تلك الأكذوبةَ المضحكة التي مفادها: ها هم قد تنبّهوا أخيراً إلى الحقيقة ، وها هو اعترافهم … فخبراء علم النفس الذين أشبعوا النص والسيناريو والإخراج وكل التفصيلات الباقية ـ قبل النشر ـ أذكى مما تتوقّع بكثير … وهذا هو بالتحديد ما يريدون منك أن تقوله في نفسك … فارتقِ وكن أعمق من ذلك .. أرجوك.
السلسلة بأكملها قائمةٌ على فكرة (القراءة غير الإيمانية) للحقائق العلمية ؛ بمعنى أنها تنطلق من أن الوارد في القرآن الكريم غير صحيح ، وأن الـ (علماء!) يخضعونه للتدقيق والبحث ، كي يتوصلوا إلى ما (إذا) كان صحيحاً ، أو إلى أنه (غير) صحيح …. أي أن أول القصيدة كفر ….. طبعاً ستقول لي أنهم أجانب وغير مسلمين ، وأنه من الطبيعي أن يكون هذا منطلقهم .. وستغنّي أمامي أغاني العقل الحر ، وحقه الطبيعي في التشكيك بكل شيء … وأنه ـ أي العقل ـ عنما يتوصل إلى الاقتناع الكامل القائم على البرهان العقلي ، فله أن يؤمن أو لا يؤمن … لك ذلك .. لن أكلمك عن (شرف) التصديق المباشر … فتلك مرحلةٌ عُليا … والحمد لله رب العالمين. ….. لكنني سأحدثك عن عقلك هذا الذي لا يحترمه منتجو سلسلة الأفلام تلك يا أيها الـ (عاقل) … وعن طريقتهم في مخاطبتهم إيّاه .. تارةً على أنه مؤمنٌ يريد تثبيت إيمانه .. وتارةً على أنه غير مؤمن ، ويريدون أن ينبّهوه إلى حقائق كانت خافيةً عنه … بمعنى .. أنهم يتلاعبون بـِ (عقلك) المحترم هذا .. تماماً كما يتلاعب فريقان بِكُرَةِ قَدَم … تبادلٌ للترفيس لمدة ساعة ونصف ، ما عدا التمديد .. وربما كان في النهاية (ركلات) ترجيحية … وهم .. منتجو الفيلم .. جالسون في بيوتهم .. يتفرجون على الجمهور الذي يصفّق .. يصفّق لـِ (عقلك) .. كلّما رفسه أحدهم فأوقعه بين الشباك .
والقراءة الإيمانية يا صديقي … هي قراءةٌ للحقائق .. لا أعني أنها قراءة تقليدية للنص .. وإنما أتحدث هنا عن القراءة بمعناها الأكبر … بمعنى: (إعمال العقل باسمِ خالقِ العقلِ ، والذي هو خالقُ ما يفكّر به العقل .. أي باسمِ خالقِ كلٍّ من العقل وموضوع تفكير العقلِ أيضاً) … إنها قراءةٌ للكون .. وللظواهر الاجتماعية .. وللنظم الأخلاقية .. وللسلوك بشكليه الفردي والجمعي .. باختصار: لكل ما تراه عيناك ويفكّر به عقلك … حتى تلك المشاعر والأحاسيس .. بل حتى قراءةٌ متأنيّة لأفكارك نفسها ؛ كيف خطرت .. ولماذا خطرت .. وكيف تعامل معها عقلك (مع أنه مُنتِجُها الوحيد .. هكذا يتوهّم بعض الناس) … لاحظ أنها قراءةٌ باسمِ الله … لا باسمِ أي وهمٍ من الأوهام .. ولا حتى (وهنا الأهم) باسمِ الحقيقة العلمية نفسها … وإنما باسمِ خالقِ تلك الحقيقة .. باسمِ الذي خلقها وخلقك ، ثم أرشدك إليها كي تفهم .. كي تستوعب .. فتقترب .. فتسعد .. فتفوز …… والاقترابُ عملٌ .. عملُ خيرٍ لا شر .. والاقترابُ حركةٌ .. حركةٌ إيجابية لا سلبية .. والاقترابُ مبادرةٌ .. مبادرةٌ طيّبة لا خبيثة .. والاقترابُ تغييرُ سلوكٍ نحو الأفضل … لا مجرد إعجاب سلبي !
وعلى ذكر الإعجاب السلبي … فسلسلة الأفلام التي أحدثك عنها .. قائمةٌ من ألفها إلى يائها ، على أساس الإعجاب السلبي …. على أساس أنْ لا تتجاوز ردة فعلك بعد المشاهدة ، حدودَ أن تقول: سبحان الله .. ما هذا الخلقُ العظيم ….. ثم تعود إلى سابق عهدك .. كما أنت .. بدون اختلاف .. بدون تغيير .. السلوك نفسه .. التفلّت نفسه … الأخطاء نفسها ….. فإذا حدّثك أحدهم عن أن دينك أوهام .. انبريتَ تدافع عن الحقائق التي نقلها لك ـ كما يريد ـ الفيلمُ … وتحاجج كما يحاجج الفيلم … بل وتغضب حين يغضب الفيلم .. وتهدأ حين يهدأ الفيلم ………. هل انتبهتَ إلى هذه القطعة من السم الخفي ؟! …… إنها عبادةٌ للحقيقة العلمية بحد ذاتها …. وليست عبادةَ خالقِ تلك الحقيقة …. والأدهى أنها عبادةٌ للسياق العَرْضيّ الذي رأيتَ من خلاله تلك الحقيقةَ لأول مرة في حياتك .. أي أنها ـ بشكلٍ ما ـ عبادةٌ للفيلم نفسه …… القصة باختصار يا صديقي .. أن سلسلة تلك الأفلام ما هي إلا ترويجٌ لعبادة المكتشفات العلمية … نوعٌ من التسويق للمكتشفات العلمية على أنها (أنبياء) العصر الحديث …. فاحذر وانتبه … لم يعد هنالك أنبياء ، ولن يكون …… الموضوعُ منتهٍ وكاملٌ منذ زمنٍ بعيد ، لكنك لا تقرأ ….. بل تقلّب صفحاتِ جوّالك وتلهو …. وهكذا إلى أن (يتكرّم) أو (يتفضّل) أو (يمنّ) عليك منتجٌ ما .. لفيلمٍ ما .. في بلدٍ ما … بشيءٍ أحسنَ هو تصميمه وإخراجه كما يريد .. كي تتفرّج عليه كما يريد .. وتقرأ القراءةَ التي يريد .. كي تكون ردة فعلك كما يريد … ثم تتأثر التأثير الذي يريد ……. اسمح لي …. يا لك من كرة قدمٍ من النوع الأصلي .
إن السماوات والأرض .. أي الكون كله .. مسخرٌ لك يا صديقي .. سَخَّرَهُ الله وجعلهُ في خدمتك .. تسخيرَ تعريفٍ وتكريم .. تسخيرَ تعليمٍ وتفهيم .. تسخيراً يجعل من عقلك قيمةً عُظمى .. فاستعمله واستخدمه .. ولا تعطّله تعطيلَ تأملاتٍ مرافقة لنفخاتك الطويلة من دخان النرجيلة .. ولا تجعل منه سابحاً في الفراغ على غير هدى .
وبما أن الدين النصيحة … فإذا (فقط إذا) أحببتَ أن تسمع نصيحتي … فاعرف الآمرَ أولاً .. ثم تعرّف على أوامره ونواهيه …. لأنك إذا عرفتَ الأمرَ قبل أن تعرف الآمرَ ، تفننتَ في التفلّت من الأمر …. وأما إذا عرفتَ الآمر … إذا عرفتَ الله عزَّ و جلَّ … وعرفتَ عظيمَ كرمه وإنعامه .. وأنه خلقكَ للسعادة لا للتعاسة .. وللحياة لا للموت .. فعندئذٍ ستستحي أن تخالفَ أمره … لأن الحبَّ والحنان سيحوطانك من كل جانب … وللكلام بقية … والحمد لله رب العالمين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.