www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية الأردنية7/أسامة عكنان

0

الحلقة السابعة الأزمة الرابعة بين المقاومة الأردنية والنظام الأردني في حزيران/يونيو 1970

الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية الأردنية
“دراسة في حلقات”
“جزء من بحث قُدِّمَ لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية”

أسامة عكنان
عمان – الأردن
الأردن وطن وليس مزرعة خراف
والأردنيون شعب وليسوا قطيع ماشية
والأردني مواطن يملك وطنا، وليس عابر سبيل يستجدي كسرة خبز
وحكام الأردن خدم وموظفون عند شعبهم، وليسوا سادة عليه أو مستعبدين له
فمن فهم فليعمل بما فهم، ومن لم يفهم فليذهب إلى الجحيم
قراءةٌ في دور الأردن التاريخي كوطن مُهِمٍّ يلد رجالاً أهم، ورفضُ دورِه الوظيفي كمزرعة تسمِّن الخراف لخلق فضاءٍ آمنٍ لأعداء الأمة

الحلقة السابعة
الأزمة الرابعة بين المقاومة الأردنية والنظام الأردني في حزيران/يونيو 1970

لم يكن من السهل على “الثورة الأردنية” بعد أن أصبحت “ثورة فلسطينية”، أن تواجهَ “نظاما أردنيا” بدا واضحا أنها تنافسه على “السيادة”، بالقوة واليقين والمشروعية نفسها التي كان بإمكانها مواجهته بها فيما لو بقيت “أردنية” تنافسه على “السلطة”. إن عناصر “قوة” و”يقين” و”مشروعية” الثورة الأردنية راحت تتآكل منذ بدأت تستشعر “فلسطينيتها” تتجسَّدُ على أنقاض “أردنيتها”، في معادلةِ تناسبٍ عكسي يتضاءل أحد طرفيها ويتقزَّم كلما تكامل الطرف الآخر وتعملق.
لقد بدأ النظام الأردني معركَتَه مع نقيضَتِه في الوجود والوظيفة “ثورة الشعب الأردني” بميزان قوى مُخْتَلٍّ لصالحها. فهو نظام تجسَّدت فيه عناصر الهزيمة العسكرية في حزيران 1967، وهي ثورة تجسَّدت فيها عناصر النصر العسكري بعد أقل من عام من هزيمته، في كرامة آذار 1968. وهو نظام فقد اليقين في قدرته على الاستمرار حتى على صعيد كونه نظاما قُطْريا وظيفِياًّ، وهو يرى هيبةَ النظام ومفاعيل السلطة تَتَفَلَّتُ من بين يديه لصالح قوة جديدة صاعدة لا يمتلك أدواتِها المُرْبِكَة والفعالة والمثيرة، بينما هي ثورة راح يغمرها اليقين بأنها تمثل بجماهيريتها وبأيديولوجيتها في المقاومة، البديلَ الأخلاقي والسياسي لكل نماذج السقوط العربية الماثلة أمامها. وهو نظام اهتزت مشروعيَّتُه بعجزه شكلا ومضمونا عن أن يثبِتَ أهليَّتَه لقيادة الدولة التي كان على رأسها، وهي مقاومة شعبية راحت تُؤَسِّسُ لمشروعيتها الثورية بسرعة ونماء واعتزاز، لتكون بديلا لمشروعية نظام هُزِمَ فتهاوي، بعد أن كان يقمع ويضطهد ويمنع أيا كان من حملِ بندقية أو من مجرد الحديث عن رصاصة، كي لا تتعرقل الخطة القومية للتحرير، وهي الخطة التي جسَّدَتها هزيمة حزيران النكراء أفضل تجسيد.
ولأن المعركة بينه وبين الثورة كانت معركةَ وجود، فما كان أمام النظام المتهالك إلا أن يبحثَ عن الأسلحة التي تُمَكِّنُه من استعادة ميزان القدرة لصالحه، كي يضمنَ بقاءَه أولا، وكي يضمنَ ثانيا أن يحسمَ لصالحه معركةً ما كان لها أن تستمرَّ زمنا طويلا دون أن تُحْسَم لصالح أحد طرفي المواجهة فيها. نظر النظام إلى القوى المختلفة التي تكَوِّن مُجْتَمِعَةً قدرتَه وقدرةَ المقاومة، فوجدها تنحصر في ثلاثة عناصر يميل اثنان منها لصالح الثورة، فيما تتوازى في الثالث كفَّة الطرفين، أو هي تتأرجح لصالح هذا الطرف حينا ولصالح الطرف الآخر حينا آخر، وحتى لو مالت لأحدهما دون الآخر، فليست هي التي ستحسمُ المعركةَ إذا ما افتقرَ الطرف القوِّي بهذا العنصر إلى قوة العنصرين الآخرين. وهذه العناصر الثلاثة هي: عنصر القوة العسكرية، وعنصر القوة الشعبية، وعنصرُ قوَّةِ الشرعية.
عنصر القوة العسكرية كان هو العنصر الذي يتوازى فيه النظام مع المقاومة، والذي اعتبره النظام غيرَ ذي أهمية لوحده في حسم المعركة، لأن ترجيحَه لصالحه عند الضرورة أمرٌ ميسورٌ ومقدورٌ عليه أكثر مما تقدر على ذلك المقاومة نفسها، فالمهتمون بتسليح النظام الأردني للقضاء على الثورة عندما يكون السلاح وحده هو الفيصل كثيرون، وبالتالي فلا أهمية للاعتداد به أمام عدو يستحوذ على “القاعدة الشعبية” وعلى “الشرعية”. فكلُّ الثورات في نهاية الأمر أسقطت أنظمة وطردت محتلين هم بالمعايير العسكرية أقوى منها وأكثر عتادا وعدة، لأنها امتلكت العناصر الحاسمة التي لا ينفع معها سلاح، وهي الشعب والحق اللذين تكون قد تَدَثَّرَت بهما واستخدمت بعد ذلك ما يتاح لها من سلاح بأكثر الأشكال جدوى وفعالية لتحقيق النصر.
إذن فقد انصَبَّ جهدُ النظام وتركَّزَت خطَّتُه لحماية نفسه ابتداءً، وللقضاء على ثورة الشعب الأردني في مرحلة لاحقة من ثمَّ، في اتجاه العنصرين الأهم اللذين شكلا في تلك الفترة الحرجة من عمره، الركيزة الأساس في منظومة العناصر المُكَوِّنة لقدرة المقاومة، ألا وهما قوة “القاعدة الشعبية” وقوة “الشرعية”. ولأن هذين العنصرين مترابطان بحيث أن كلا منهما يستمِدُّ جزءا من قوته من الآخر، فقد أدرك النظام أن عليه صياغةَ خطَّةٍ قادرةٍ على استحلاب ما تستطيعه من قاعدة شعبية ومن شرعية، لتضعها في كَفَّةِ عناصر قوَّتِه.
بدأ النظام خطَّتَه من معادلةٍ “صفرية”، تُؤَشِّرُ على أن نسبة وجود كلٍّ من “القاعدة الشعبية” و”الشرعية” في كفَّتِه يساوي صفرا، وأن كل عناصر هذه القاعدة وتلك الشرعية إنما هي مُتَجَمِّعَةٌ في كفة المقاومة. ونَسْتَثْنى من الحساب في هذا الشأن، أولئك الذين يُصَنَّفون من بين أفراد الشعب على الدوام خاملين وصامتين أزليين، لأنهم لا يُحْسَبون لا لهذا الطرف ولا لذاك، فهم سلبيون إزاء الحدث القائم، وسلبيون إزاء الحدث القادم على حدٍّ سواء، لأنهم دائما مُتَلَقُّون ومُنْفَعِلون، ويمثلون في العادة نسبةً كبيرة من أفراد الشعب، ويتاخمون فيه من حيث التناغُمِ والانسجام، “فئة المتعاطفين” المذكورة أدناه..
أي أن الحديث إنما يدور حول..
1 – “الفاعلين في القاعدة الشعبية بوعي”، وهم في العادة فئةٌ مُفعمة بروح التضحية والعطاء والانتماء، ويشعر أفرادُها بأن مصيرَ شعوبهم هو مسؤوليتُهم المباشرة، فيتصرفون على ذلك الأساس، وهم في العادة أكثرُ الفئات فعالية وقدرة على صناعة تاريخ شعوبهم، وإن كانت فئتُهم لا تشكِّلُ إلا نسبة محدودة من أفراد الشعب، وهم يَجْمَعون بين بعض النُّخَب الثقافية، وبعض البرجوازيين الوطنيين، فضلا عن مهنيين وحرفيين وفنيين أكفاء، بالإضافة إلى طلاب وجامعيين ونقابيين، علاوة على قاعدة واسعة ممن يصلحون مقاتلين شرسين.
2 – “المتعاطفين مع من يمثل حالة وعي ونموذج تضحية”، وهؤلاء يكتفون بتعاطفهم، ويقدمون كل ما لا يَفْرِزُهم رسميا وتنظيميا بشكلٍ واضح وصريح، للمعسكر الذي تعاطفوا معه. وهم قد ينقلبون لسبب تراجيدي أو لآخر إلى عناصر فاعلة، أو معادية، أو خاملة. وهم المنطقة الرَّخْوَة في القاعدة الشعبية كلِّها، والتي يلعب جميع الفرقاء المتصارعون على تغيير مشاعرها وعواطفها وعلى استدراجها، ويتنافسون على احتوائها. وهؤلاء مثلهم مثل الفئات الخاملة والصامتة يمثلون فئة واسعة من أفراد الشعب، تزيد أو تنقص بحسب طبيعة الحَدَث المجتمعي، وهم على تماس مباشر مع فئة الصامتين، ومن السهل انتقال أفراد هاتين الفئتين عبرَ تخومِهما من إحداهما إلى الأخرى، أكثر من الانتقال من إحداهما إلى أي فئة أخرى.
3 – “الانتهازيين والوصوليين” الذين لا يُحْسِنون إلا القفزَ إلى النتائج بعدما يرونَها ماثلةً ومتجَسِّدَةً أمام أعينهم، ما يجعلهم عديمي التأثير في صيرورة الحدث، مع أنهم ربما يكونون من أكثر الفئات قدرةً على جني ثمار جهود غيرهم واستثمار تضحياتهم بعد انقشاع سُحُبِ الأحداث، وهم في العادة مجموعة من النُّخب الثقافية وأصحاب المال والطموحات السياسية أو الفئوية القادرين على التّلَوُّن، ويفتقرون في الغالب إلى منظومات القيم الأخلاقية الرادعة، وإن كانوا يبدون التزاما بالتقاليد الاجتماعية الضامنة للنفوذ والسيطرة والمكانة، حتى لو كان ذلك بالنفاق والمجاملة.
4 – فئة “المرتزقة” الذين لا يَهُمُّهُم في تحديد مواقعهم ومواقفهم وخنادقهم سوى التَّأَكُّد من أنهم في المكان الذي يَدْفَعُ ويُطْعِمُ ويَكْسِي ويُؤَمِّنُ من ثمَّ المتطلبات المادية للحياة، وهؤلاء أكثر الفئات قدرة على التحلُّل من القيم الخُلُقِيَّة والدينية، وأقلها احتراما للإنسان وحُرُماتِه وحياته، ومن السهل أن يكونوا قتلةً مأجورين.
وعندما بدأ النظام بصياغة خُطَّتِه منطلقا من هذه النقطة الصِّفْرِيَّة، في مجتمع تلك هي تركيبته، وجد أن الخطةَ كي تعيدَ له شيئا من التوازن المفقود بينه وبين الثورة في عنصر “القاعدة الشعبية”، يجب ان تنجح في تحقيق النتائج التالية..
1 – تجزئة القاعدة الشعبية المباشرة للمقاومة من فئة “الفاعلين في القاعدة الشعبية بوعي”، وسحب جزءٍ منها ليتخندق في خندقه هو، أي في خندق النظام بدل خندق المقاومة، والتركيز في أفراد تلك الفئة على من يُصَنُّفون بموجب مقتضيات خريطة الأردن “السايكبيكوية” باعتبارهم هم الأردنيين الذين أُطْلِقَ عليهم بعد ضمِّ الضفة الغربية، “الشرق أردنيين”.
2 – تقليص فئة “المتعاطفين” بتحويلهم إلى خاملين أو إلى متعاطفين مع النظام، بل تحقيق أعلى درجات الاستفزاز لمشاعرهم وعقولهم ومنظوماتهم القِيَمِيَّة، بشكل يدفع بالكثيرين منهم لعدم الاكتفاء بعدم التعاطف مع المقاومة أو بالتعاطف مع النظام، بل بالانضمام إلى معسكر النظام، والتركيز في أفراد هذه الفئة أيضا على من تمَّ تصنيفهم بـ “الشرق أردنيين”.
3 – فتح كل قنوات التواصل الممكنة مع فئة “الانتهازيين والوصوليين” خاصة في مراحل متقدمة من الصراع، بإشعارهم بأن الحسمَ أصبح قريبا لصالح النظام، لضمان قيامهم بالتجييش لصالح مستقبلهم الذي لن يضمنوه إلا مع هذا النظام.
4 – تجييش أكبر أعداد ممكنة من المرتزقة سواء في الصحافة والإعلام، أو في الجيش والأجهزة الأمنية، وفي مجال التعبئة والحشد الجماهيريين، لضمان وجود فئة لا ترحم عندما تدخل المعركة مراحل الحسم الدامية.
ولكنَّ تحويلَ الشعب الأردني من شعبٍ ثائرٍ يتمترسُ معظمُه في خندق المقاومة، ويتعاطف مع الثورة، ويقف موقفا معاديا من النظام، إلى شعبٍ بهذه البُنْيَة التي يبدو من الواضح أنها تخلقُ حالة من توازن القوى في عنصر “القاعدة الشعبية” بين النظام والثورة، يتطلب “أيديولوجيةً” قادرة على إحداث هذه النقلة غير السهلة. أيديولوجيةٌ تصيبُ الشرعيةَ التي قامت عليها “ثورة الأردنيين”، وناجزت بسببها النظام الأردني القُطْري الوظيفي ونافسَته في سلطته، في مَقْتَلٍ. وهنا “مربط الفرس وبيت القصيد”.
بنصائح الأميركيين والإسرائيليين ومعهم نظام “آل سعود” الذي كان يتعامل مع النظام الأردني باعتباره الفناء الأمامي لقصور الملوك والأمراء السعوديين، التقط النظام فكرةً شيطانية لم يكن من السهل أن تخطر على بالِ “إبليس” نفسِه، قرأ فيها – وشجَّعَه عليها أو ربما أمره بها من وُجَدَ لحمايتهم وخدمة مصالحهم في الإقليم – التِّرْياقَ الذي سيعيد الحياة إلى جثته المتهالكة، وطوقَ النجداة الذي سيحميه من الغرق، إن هو أحسن استخدامَها، وتغاضي عما فيها من خسائرَ شكلية مؤقتة تتعلق بأيديولوجية السيادة على الضفة الغربية.
إن إعادة إنتاج الشعب الأردني الذي فَجَّر ثورتَه وفعَّلَها وهدَّدَ بها النظامَ القُطْري أكثرَ مما هدَّدَ بها إسرائيل نفسَها، بالشكل الذي يجعله ينقسم على نفسه على النَّحو الذي أشارت إليه خطة النظام سالفة الذكر، يتطلب اللعبَ بمنظومة الشرعيات التي فَرَضَت الثورةَ، وتلك التي فرضتها الثورةُ، بشكلٍ يُحْدِثُ فيها تغييراتٍ جوهريةً تَتَسَبَبُ في حالةٍ من البلبلة الأيديولوجية في صفوف أبناء الشعب الأردني. وعلى هوامش هذه البلبلة يتحرك النظام مستثمرا الحالة لإعادة إنتاجه وإنتاج بُناه وعلاقاتِه بالشكل المُسْتَهْدَف في الخطة المشار إليها.
إن الشرعيات التي قامت عليها “ثورة الشعب الأردني” التي انطلقت في منتصف ستينيات القرن العشرين ثلاثٌ، اثنتان منها عسكريتا الطابع، وإن كان طابعهما العسكري هو الذي أَصَّلَ لهما أيديولوجيا، وليستا بذاتي أهمية في هذا السياق، هما “هزيمة حزيران” التي أسقطت “شرعية خيار النظام في التحرير”، و”انتصار الكرامة” الذي أسس لـ “شرعية خيار الشعب في الثورة”. أما الشرعية الثالثة ذات الطابع الأيديولوجي، والتي أسست لفكرة “أردنية المقاومة”، وهي الشرعية الأهم في سياق خطة مواجهة الثورة، فهي شرعية “مؤتمر أريحا” الذي غيَّبَ “الهوية الفلسطينية” وأذابها إذابة كاملة في قلب “الهوية الأردنية”، جاعلا من أيِّ حراكٍ يقوم به سكان “الضفة الغربية” أو “الضفة الشرقية” حراكا أردنيا بكل ما لكلمة أردني من معانٍ سياسية وقانونية وأخلاقية.
إذا بقي الشعبُ الأردني الذي أوجدَه “مؤتمر أريحا”، شعبا أردنيا، وإذا بقيت ثورتُه التي منحَها ذلك المؤتمر شرعيَّةَ أردنيَّتِها، ثورةً أردنية، فإن النظامَ سيسقط لا محالة، إن آجلا أو عاجلا، لا بسبب القوة العسكرية المتنامية للثورة، فهذا أقل العناصر أهمية في انتصار ثورات الشعوب، بل بسبب شرعيتها المتناقضة مع شرعية النظام، وهو ما سيُفاقِمُ التناقضَ القائم بينها وبينه، تنافسا داميا على سلطةٍ تريدُها خادمةً لمشروعها الثوري ومفَعِّلةً لعناصر تقدُّمِيَتِه، بينما يريدُها هو ناحرةً لذلك المشروع وقاضيةً عليه في ضوء وظيفِيَّتِه “السايكسبيكوية” التي لا يستطيع النظامُ أن يكونَ شيئا آخرَ غيرَها.
وإذن فلكي يتجنبَ النظام حَتْمِيَّةَ سقوطِه المُدَوِّي بفعلِ ثورةٍ شعبيةٍ أردنيةٍ ستنقلب عليه بالقدر نفسه الذي ثارت فيه ضدَّ المحتل، يجب أن تتغيَّرَ الألوان، وتتجدَّد المُسَمَّيات، لتغدوَ بمذاقاتٍ وروائحَ أيديولوجيةٍ جديدة. يجب أن تنسلخ “ثورة الشعب الأردني” عن جلدها الأردني لتصبحَ ثورة شعب آخر، هو “الشعب الفلسطيني”. ولكي يتحَقَّقَ ذلك يجب أن يستشعرَ الأردنيون الذي كانوا قبل مؤتمر أريحا فلسطينيين، فلسطينيَّتَهم من جديد رغم مؤتمر أريحا التليد، ويُلْبِسوا أثوابَها للمقاومة الأردنية، ويبدأون بالتأسيس الأيديولوجي لذلك، رغم أنهم يقاومون ويثورون من الساحة الأردنية وعليها.
ومع ذلك فقد لا يكون هذا التلاعب بالهويات، عبر إحداث تَنَقُّلاتٍ فيها على حساب الشعوب ومصالحها، بالأمر الذي قد يُؤَثِّرُ بالشكل المطلوب على بُنْيَةِ الشعب الأردني لتمرير خطة النظام المستهدفة لحماية نفسه وللقضاء على المقاومة الخارِجَة عن سلطته من ثمَّ. فكما أن الفلسطينيين قبلوا بأردنيتهم منذ مؤتمر أريحا، ولم يَحُلْ هذا القبول بينهم وبين أن يثوروا تحت مظلة هذه “الأردنية” مانحين لثورتِهم هويتَها الأردنية باعتبارها هوية أصيلة لها وليست طارئة عليها. فكذلك الأردنيون، قد لن تُغَيِّرَ من ولاءاتِهم ومواقفِهم من الثورة لعبةُ “لوغو الهويات” المكشوفة هذه، ويبقون مع ذلك مساندين لها قلبا وقالبا، ويطالبون النظام بأن يسانِدَها ويقفَ معها ويسمحَ لها باستخدام الأراضي الأردنية كمنطلق للمقاومة، ليعود النظام إلى الحلقة المُفْرَغَة نفسِهاِ، والمتمثلة في التعامل مع شعب أردني لن يكون أمامه هذه المرة شعبٌ ثالثٌ يستخدمُ استحضارَ هويَّتِه مطِيَّةً ليشرخَه ويقسمَه ويفتتَه بها من جديد.
وإذن فما قيمة العمل على دفع أردنيِّي الضفة الغربية واللاجئين باتجاه أن يستشعروا فلسطينيتَهم، إذا كان هذا الاستشعار سيعيدُ إنتاج علاقة النظام بالضفة سياسيا، دون أن يحقِّقَ هذا الاستشعار الغايةَ المرجوَّةَ منه، ألا وهي إعادة إنتاج الشعب الأردني عبر تقسيمه إلى خندقين، يمنحُ أحدُهما للنظام شرعيَّتَه في ذاته أولا، كمُمَثِّلٍ للهوية الأردنية التي يكاد يفقد حتى شرعية تمثيله لها بتنامي المدِّ الثوري الأردني، وشرعية ضربِه للمقاومة ثانيا، التزاما بدوره الوظيفي في الإقليم؟
أمام معضلةٍ كهذه، لم تعد الخُطَّة تكتفي بالدفع باتجاه جعلِ المقاومة تستشعرُ فلسطينيتَها، بما سيترتب على هذا الاستشعار من بروز استشعارٍ آخر مهمٍّ هو استشعارُ فئةٍ من الأردنيين لفلسطينيتهم كقاعدة لبدءِ تَجَسُّد “الهوية الفلسطينية” في صفوفهم، دون توظيف هذين الاستشعارين التوظيفَ الأمثلَ في سياقِ العمل على إحداثِ الشرخِ المُسْتَهْدَف إحداثُه في قلب الكتلة الشعبية الأردنية المتماسكة. بل أصبح من الضروري أن يحدثَ الاستشعاران ويتنامى تجسيدُهما واقعيا، عبر إبراز حالة التنامي والتجسيد هذه وكأنها على حساب “الهوية الأردنية”، ومن خلال استحضار شكل من أشكال التناقض الدفين معها، يجعل الأردنيين يستشعرون بدورهم حالةً من الخوف والرهبة والقلق من هذه الهوية الجديدة التي تتشكل في قلب هويتهم وعلى أرضهم، ما قد يُهَدِّدُ وجودَهم، وما قد يجعل هذه المشاعر تتحول إلى سلوكٍ قد يكون محايدا في البداية، وقد يكون معاديا للمقاومة ذاتِها في نهاية المطاف. وهو ما يمكنه – في تصور النظام – أن يستحلبَ أوسعَ كتلةٍ بشرية من “الشرق أردنيين” من خندق المساندة للثورة، لتتحولَ إما إلى فئة محايدة أو متعاطفة مع النظام، بل وربما إلى فئة مساندة له بالممارسة الفعلية.
إن إعادة إنتاج الشعب الأردني المُتَخَنْدِق على النحو المشروخ والمتربِّص المذكور سابقا، من رحم شعبٍ أردني متخندقٍ في خندق المقاومة ومعادٍ للنظام، هو الهدف الإستراتيجي الذي انطوت عليه الخطة وعملت على تحقيقه، مستحضرةً لأجل ذلك كل ما رأته مناسبا من وسائلَ وأدواتٍ، لضمان استعادة النظام لشرعيته المُتَرَنِّحَة، ولتمكينه من امتلاك أداةٍ جماهيرية مساندة له يواجه بها “الشرعية الثورية” بعد أن تضعف “الثورة الأردنية” بفقدانها جزءا من قاعدتها الشعبية، وبظهورها بمظهر “ثورةٍ فلسطينية” تناجزُ نظاما أردنيا على السيادة، وإن كانت ستقبل بتقاسمها معه عبر قبول مبدأ توزيع الأدوار السيادية المثير للضحك والسخرية، بعد أن كانت ثورة أردنية تناجزُ النظامَ لتستحوذَ منه على “كامل السلطة” على “كامل الدولة”.
استحضار الهوية الفلسطينية المُغَيَّبَة، والعمل على تجسيدها بحنكة وروِيَّة تَنُماَّن عن دراية في ممارسة لعبة “لوغو الهويات”، بدءا بدفع المقاومة إلى استشعار فلسطينيتها، مرورا بنقل هذا الاستشعار إلى مختلف مستويات التَّجَسُّد المُمْكِنَة، وانتهاء بتحويله إلى دين يُعْتَنَق لا مجال للارتداد عنه، ودون ذلك التضحية بالغالي والنفيس، هو “الآلية الأيديولوجية” التي تقرَّر استخدامُها لتحقيق الهدف الإستراتيجي السابق.
أما “ازدواجية السلطة”، فهي “الآلية السياسية” التي تمَّ ابتداعُها ومن ثمَّ الدفع باتجاه تنميتها ومفاقَمَتِها إلى أبعد الحدود، لتجسيد الأيديولوجية الجديدة بالشكل المساند لكل الأدوات التعبوية المستخدَمَة لترسيخ عملية التَّخَنْدُق الجديدة المترتبة على الخُطَّة. ولكن من خلال معادلة نموٍّ وتفاقم دقيقة ومحبوكة، لا تسمح بالوصول إلى مستويات متقدمة منها – أي من ازدواجية السلطة – إلا بالترافق التام مع وصول تجسيد “الهوية الفلسطينية” للمقاومة إلى مستويات تناسبها، من حيث قدرتُها على منحِ شرعيةِ مواجهتِها للنظام من جهة، ومن حيث تزايد عجزها هي عن الحسم أو عن الرغبة فيه، بسبب تعارض ذلك مع أيديولوجية “فلسطينية الهوية” التي بدأت تهيمن وتسيطر من جهة أخرى.
وأما “التعبئة المدروسة” في صفوف الشعب الأردني، وتحديدا في صفوفِ من تمَّ تصنيفُهم كـ “شرق أردنيين”، بكل الوسائل القادرة على تحشيدهم وتجييشهم ضد مشروع المقاومة، وضد مشروع “الهوية الفلسطينية” الذي غدا وعاءً لتلك المقاومة، بعد أن يحقِّقَ استحضارُ “الهوية الفلسطينية” وتجسيدُها مَهَمَّتَه، وبعد أن تنجحَ “ازدواجية السلطة” في تحقيق غايتها، فهي بمثابة أمصالِ الوقايةِ الخلفية التي كان النظام يحقنُ بها كل من يستطيع حقنَه، للزج به إلى خندقِ واحدةٍ من الفئات الشعبية المُشَرْعِنَة لخندقه الذي سيكون عندئذٍ قد بدأ يتعافى من حالات الضعف واللايقين واللاشرعية التي حاصرته منذ الهزيمة، إلى أن كادت تخنقه بعد انتصار الكرامة.
خلاصة القول إذن، أننا بإزاء مؤامرةٍ استهدفت الشعبَ الأردني وثورتَه بغيةَ السَّطْوِ عليها، وضعت لنفسها خطةً استندت إلى أربعِ قوائم..
1 – إعادة انتاج الشعب الأردني وخندقته بشكل مختلف عما فرضته الثورة من تخندقاتٍ، هدفاً.
2 – استحضار “الهوية الفلسطينية” كحاضنةٍ لـ “المقاومة الأردنية”، لتغدو مقاومة فلسطينية، آليَّةً أيديولوجية لتحقيق الهدف.
3 – تكريس “ازدواجية السلطة” كأرضٍ خصبة لتوريط الثورة بين ما تفرضه فلسطينيتها الناشئة وما تشدُّ باتجاهه أردنيتها المنحورة، آليةً سياسيةً لتحقيق الهدف.
4 – التعبئة والتحشيد في صفوف فئات “الشرق أردنيين” من الشعب الأردني، حُقَنَ تجهيز وأمصالَ إعداد للمعركة الفاصلة القادمة. 
وبإزاء خطة مُحْكَمَة يقوم على تنفيذها جهازُ دولةٍ مسنودٍ بأعتى الخبرات الاستخبارية في العالم، تواجهها مقاومةٌ لم تكن أيديولوجيا في مستوىً من النضج والوعي الملائمين للتعاطي بحكمةٍ وحنكةٍ مع خطةٍ كتلك، كانت المقاومة تُسْتَدْرَجُ خطوة خطوة إلى مَقْتَلِها. ومع أنها كانت تستشعر ذلك كلما راحت أشكال مواجهتها مع النظام تنبئ عن شراسة وحزمٍ غير مسبوقين، إلا أنها كانت قد وصلت إلى نقطة اللاعودة الأيديولوجية، ما حال بينها وبين أن تكون قادرةً على الحسم الذي كانت ستقدر عليه على الصعيد الأيديولوجي بالدرجة الأولى، لو أنها كانت ما تزال تَتَدَّثُر بأردنيتها. لأن السؤال الذي كان يطرح نفسه عند كل مواجهة، وهو: “عما كان يدافعُ النظام، وعما كانت تدافع المقاومة”.. كان ينطوي على الإجابة بشكل ضمني، سنكتشفه بكل وضوح في تداعيات الأزمة التي نشبت بين النظام والثورة في حزيران 1970. أي قبل المجزرة الرهيبة والنهائية بأقل من أربعة أشهر، وبعد الأزمة السابقة بأقل من أربعة أشهر أيضا.
على مدى سنتين ونصف السنة تقريبا هي المدة الفاصلة بين أزمة شباط/فبراير 1968، ومجزرة أيلول/سبتمبر 1970، لم تكن ثورة الشعب الأردني تخرجُ من مُخَلَّفات صدامٍ مع النظام حتى تجدَ نفسَها وقد فُرِضَت عليها معالمُ صدامٍ آخر جديد يعمل ضمن الخطة الدافعة باتجاه الإبقاء على التماسك في جبهة الحل السلمي من جهة، وباتجاه تصفيتها هي نفسها بصفتها مشروعَ مقاومة يستهدف تحرير الأرض المحتلة من جهة أخرى.
وهكذا فما كادت أزمة شباط/فبراير 1970 تؤول إلى ما آلت إليه من اتفاق هُدْنَوِيٍّ هشٍّ ومؤقت، حتى بدأت الأوضاع تسير بوتيرة متسارعة نحو استفحال عناصر صدام جديد بين الطرفين. ولقد تجَلَّت أجواء هذا الصدام في بعض الإجراءات التي اتخذها النظام فيما بدا أنه إعداد لمرحلة مقبلة قد تكون أكثر شدة وحسما. “فقد بدأت القوات الخاصة تبرز تدريجيا كقوة مسلحة يُعِدُّها النظام لمجابهة المقاومة على امتداد الأردن. وبدأ النظام في تعبئة البدو وتسليحهم علنا. وراح يحقنهم ضد المقاومة ويشوِّه صورتَها لديهم، معتمدا على سذاجتهم وتقاليدهم القبلية. واستمر في عملية التعبئة في صفوف القوات المسلحة لاستعدائها على المقاومة”(1).
وفضلا عن ذلك فقد لجأ النظام إلى افتعال حوادث استفزازية كانت تهدف إلى شحن الأجواء بصورة تعدُّ الرأي العام الأردني بشكل يتيح نجاح خطة الصدام الأخير عندما يأتي وقته المقرَّر. “فمن حادث 2 مايو/ايار الذي تعرضت فيه القوات المسلحة الأردنية لمجموعة تابعة لحركة “فتح” كانت متجهة إلى الأرض المحتلة، وما نجم عن الحادث من إنزالٍ استعراضي لقوات مدرعة، إلى نسف بعض البيوت السكنية خلال اشتباكاتٍ نجمت عن الحادث المذكور. إلى معارك “وادي الأردن” بين الفدائيين والقوات الأردنية، مرورا بحوادث إطلاق النار في الزرقاء بتاريخ 8 و9 و10 مايو/أيار، إلى غيرها من الحوادث، كان النظام يعدُّ العُدَّة لليوم المشهود”(2).
والثورة – كعادتها – تعيش وهمَها المتجذِّرَ في أعماق أيديولوجيتها، والقائم على أنها رغم “فلسطينيتها” التي أصبحت متجسِّدة بشكل علني ورسمي وقانوني، منذ ذلك التزاوج التاريخي بين فصائل المقاومة ومنظمة التحرير الفلسطينية، قادرةٌ على فرض إرادتها في تقاسم السيادة والسلطة مع النظام على الساحة الأردنية، وأنها تملك الحق والشرعية في ذلك، متجاهلة حقيقة أنها منذ انسلخت عن أردنيتها لم تعد تملك أيَّ شرعية لا يقبلها النظام الذي بدأ يُوَسِّع في دوائر المتمترسين في خنادقه من “الشرق أردنيين”، وأنها بدأت تفقد امتداداتِها الجماهيرية في فئة واسعة من هؤلاء، ولم تعد تقدر على استدرار التعاطف العربي الرسمي معها، إذا لم تكن قادرة على حلِّ مشكلاتِها مع النظام بما يقبل به النظام نفسه ويرتضيه.
استمر الوضع على هذه الحال بين أخذٍ وردٍّ وبين شدٍّ وجذبٍ، إلى أن جاء شهر “حزيران” وقد أصبحت الأجواء مكهربة، وغدا الصدام متوقعا بين لحظة وأخرى، “إلى أن بدأت حوادت الصدام يوم “6/6/1970” حين حاولت القوات الخاصة اعتقال بعض عناصر المقاومة أمام “الجامع الحسيني” في عمان، ما سبَّبَ تبادلا في إطلاق النار. وفي 7/6 تصدت القوات الخاصة بالزرقاء لسيارة تابعة للجبهة الديمقراطية، ونتج عن ذلك اشتباكٌ اتسع نطاقُه حتى شمل مدينة الزرقاء بأكملها، واستمر حتى آخر الليل. وفي اليوم التالي 8/6 أطلقت سيارة أردنية مسلحة النار على كمين لميليشيا “فتح” و”الجبهة الديمقراطية” على طريق “العين – المقبرة”، كما أطلقت النار على عناصر للجبهة الشعبية في أحد البيوت في حي “المصاروة” بعمان”(3).
وازداد تعقيد الموقف واتسع نطاق الاشتباكات وامتدت ساحات القصف لتطالَ معظمَ الأحياء السكنية ومخيمات اللاجئين في عمان والزرقاء. وفي محاولة منه لوصف خطورة الموقف “عقد كمال ناصر المتحدث الرسمي باسم اللجنة المركزية في القاهرة مؤتمرا صحفيا قال فيه: إنه سيتم استدعاء جميع السفراء العرب في مصر لتسليمهم مذكرة إلى قادة الأمة العربية وزعمائها ليطَّلِعوا على حقيقة الأحداث الأخيرة في الأردن وليتحملوا مسؤولياتهم الكاملة”(4).
ومع ذلك فقد استمر الوضع متأزما وتواصلت الاشتباكات فيما كان يبدو أنه محاولة جادة وأخيرة من النظام لتصعيد الموقف إلى أبعد مدى له بشكل يتيح له تغيير موازين القوى على الأرض لصالحه، ويخوِّله التعرف على مواطن الضعف والقوة في قوة المقاومة، ما يؤشر على أن المعركة الحاسمة قد اقترب موعدها. “فقد استمر القتال يوم 11/6، وروى الخارجون من عمان أن الرعب يسيطر على المدينة، وأن المحلات مغلقة والشوارع خالية إلا من آثار المعارك، والجرحى يموتون بسبب عدم توفر بلازما الدم والكهرباء”(5).
إلا أن إصرار الثورة على القتال ودفاعها المستميت عن المخيمات وعن مواقعها، وإظهارها لقدرات قتالية متميزة يبدو أنها كانت تتطلب كل الثقل العسكري للنظام كي يتمكن من تحجيمها في وقت لم يكن هذا الأخير قد قرَّرَ بعدُ الدفعَ بكل ثقلِه إلى ساحة المعركة. فضلا عن ردود الأفعال المختلفة الصادرة هنا وهناك، والمطالبة بوقف إراقة الدماء بين الأشقاء، “وإن كانت كلُّها ردود فعل تُجمِعُ كما جرت العادة على تحميل المسؤولية لطرف ثالث، وعلى ضرورة الحفاظ على سيادة النظام الأردني على الأرض الأردنية، والحفاظ على الثورة كورقة ضاغطة في أيدي الدول أعضاء جبهة الحل السلمي”(6)..
نقول.. يبدو أن كلَّ ذلك دفع بحُمَّى الأزمة نحو الهدوء، وبدأت تَخِفُّ تدريجيا عناصر التوتر بعد أن وقَّع “الملك حسين” نفسه تحت وطأة الضغوط التي تعرَّضَ لها من الثورة ومن “القوى الوطنية الأردنية”. وهي الضغوط التي تجلَّت في مطالبة الملك علنا بعزل مستشاريه المقربين “رؤوس الخيانة” كما أسمتهم إذاعة صوت العاصفة مساء يوم “11/06/1970″، “وذلك حين طالبت الإذاعة الملك حسين بأن يختار بين سقوط نظام حكمه أو عزل مستشاريه المقربين رؤوس الخيانة”(7).
وما كان من “الملك حسين” في ظل وصول الأزمة إلى ذلك المستوى، وفي ظل عدم اتخاذ القرار بالحسم العسكري بعد، إلا أن خضع لهذا الضغط، “ففي الحادية عشرة والنصف مساءً، قطعت إذاعة عمان برامجَها لتبُثَّ رسالة من “الملك حسين” إلى القوات المسلحة تُلِيَت بالنيابة، وأعلن فيها عن إعفاء خاله اللواء “ناصر بن جميل”، القائد العام للقوات المسلحة، واللواء “زيد بن شاكر”، قائد سلاح المدرعات من منصبيهما، وإسناد قيادة سلاح المدرعات بالنيابة إلى العقيد “كاسب الصفوق”، الذي قاد القوات الأردنية في معركة الكرامة، على أن يكون هذا السلاح تابعا للملك”(8).
ونريد أن نقف وقفة مُدَقِّقَة في التفاصيل الهامة التي رافقت هذه الأزمة، لنستدلَ منها على المدى الذي وصلت إليه خطَّةُ النظام التي كانت تستهدفُ القضاءَ على المقاومة، وإلى أيِّ مدى وصل أيضا تعاطي المقاومة نفسها مع مُخَطَّطات النظام، من حيث استغراقُها في الاستجابة – عن وعي أو عن غير وعي – لتفاصيل تلك المُخَطَّطات، سواء في الأيديولوجيا أو في الممارسة، دون دراية أو انتباه لخطورة ما وصل إليه حالها وهي تناجز نظاما أصبح يحاصرها من كل جانب حتى بها هي نفسِها، وبتفكيرها وأدائها على الأرض.
يمكننا أن نلاحظَ أربع ظواهر رافقت أزمة حزيران 1970 وارتبطت بها، منها ما لم يكن جديدا في شكله، أي أنه ارتبط بأزمات سابقة ورافق ظهورها، وإن كان جديدا في حدَّتِه وفي شكل تَجَلِّيه في الأزمة الراهنة. ومنها ما هو جديد، ويعكس مُكَوِّناتِ ساحة الصراع بعد تأثير أزمات سابقة عليها. وهذه الظواهر الأربع هي..
1 – تكرار الخطاب الرسمي العربي المُتَمَحْوِر حول تحميل المسؤولية لطرف ثالث، والحرص على السيادة الأردنية، واستخدام المقاومة كورقة ضاغطة.
2 – التعبئة في صفوف البدو والقوات المسلحة علنا بعد أن كان الأمر سريا، وظهور القوات الخاصة كتشكيل تابع للنظام لضرب المقاومة.
3 – عموم الصدامات معظم عمان والزرقاء وأماكن أخرى، والتركيز على مهاجمة مخيمات اللاجئين، ووصول نتائج العمليات في عمان درجة غير إنسانية في نتائجها.
4 – مطالبة المقاومة للملك بإسقاط رؤوس الخيانة، “ناصر بن جميل” و”زيد بن شاكر”، وتخييرها له بين الاستجابة لمطلبها أو سقوط نظام حكمه، واستجابة الملك لمطالبها.
لقد أصبح الحرص على تبرئة “الملك حسين” ونظامِه من التَّبِعات السياسية والأخلاقية للصدامات التي ما فتئت تنشب بينه وبين المقاومة من حين لآخر، نهجا مُتَّبَعا لدى الدول العربية المنضوية في جبهة الحل السلمي. كما غدت المُبَرِّرات التي اعتادت تلك الدول على سَوْقِها للتَّأسيس لهذه التبرئة ممجوجةً، بسبب كثرة تكرارِها في الخطاب الإعلامي والسياسي الرسميين لتلك الدول. إن المبررات الثلاثة التي ما انفك الخطاب الرسمي العربي يُدَنْدِنُ بها عند كل أزمةٍ من تلك التي كانت تشهدها الساحة الأردنية، يؤَسِّسُ كلُّ واحدٍ منها لمسألة أيديولوجية غاية في الخطورة، دفعت باتجاه إخراج جوهر الأزمات الممتابعة بين النظام والمقاومة عن سِكَّةِ أسبابها الحقيقية.
المبرر الأول وهو “تحميل مسؤولية ما يحدث لطرفٍ ثالث”، يُجَسِّدُ شكلا دبلوماسيا وإن يكن غيرَ ذكي، للتعبير عن أن عناصر الصدام بين النظام والمقاومة غير موجودة على النحو الذي يُبَرِّر حدوث أزمات على ذلك القدر من الخطورة. وكأن من ينسب الأزمةَ إلى طرفٍ ثالث – هو في العادة أجنبي أو داخلي مرتبطٍ بالأجنبي – يريد أن يقول أن الساحةَ الأردنيةَ ليست عَصِيَّة على خلق عوامل التعايش بين النظام والمقاومة، بسبب عدم وجود تناقضات بينهما من حيث المبدأ، وبالتالي فالنظام الأردني ليس نظاما يُفْتَرَض أن يكون مستهدفا على أساس وظيفيته ورجعيته.
وبناءً عليه يجب الكفُّ عن الانجرار وراء هكذا مؤامرات تستهدِفُه من قبل من يريدون له أن يعاني من عدم الاستقرار الدائم. وعلى المقاومة من ثمَّ أن تقبلَ بترتيب أوضاعِها وعلاقاتها مع النظام بالشكل الذي يقبله هذا النظام، لسبب بسيط ومختصر هو أنه صاحب السيادة على الأرض الأردنية، وأنها – أي المقاومة – ليست إلا ضيفة على هذه الأرض، عليها أن تلتزم بأصول الضيافة. وفي هذا تفريغ كامل للصراع بين المقاومة والنظام من تناقضاته الجوهرية العميقة، على الرغم من أن المقاومة ذاتَها بسطحية تعاملها مع لعبة “لوغو الهويات” وانجرارها وراءَها، أفقدت هذا الصراع نكهتَه الحقيقية، وزجت به إلى زوايا لا تساعد على حسمه، أو حتى على توصيفه توصيفا دقيقا قد يساعد على حسمه، وحشرتُه فيها.
يأتي المبررُ الثاني الذي تقوم علية أيديولوجية “صك الغفران” الممنوح من الدول العربية إلى النظام الأردني، ليتكاملَ مع سابقه، وليمنحَه جرعةً أيديولوجيةً أشدَّ في قدرتها على التأصيل لشرعيته وشرعية تصرفاته، ليس عبرَ تبرئته من إثم المبادرة إلى سفكِ الدماء الأردنية بعد أن غدت فلسطينية وحسب، بل لأجل إحاطته علما باعترافِ تلك الدول بحَقِّه في العمل الدائم على “قصقَصَة” أجنحة هذه المقاومة، وأن عليه ألا يخشى من التبعات الأخلاقية لذلك، مادامت هي – أي دول جبهة الحل السلمي – جاهزة على الدوام لمنحه في كل مرة يسفكُ فيها دما أردنيا – إذا استطاع أن يؤكد لها على أنه دم فلسطيني وليس دما أردنيا، بعد أن نجح في مؤامرة انتزاع جيناته الأردنية منه – صكَّ غفرانٍ جديداً يُبَرِّئُه من كل إثم وبغي وعدوان.
فالإشارة إلى ضرورة الحفاظ على السيادة الأردنية في أيِّ علاقة يتمُّ الترتيب لها بين المقاومة وهذا النظام عند نشوب أزمة يُخْشى أن تكون سيادةُ النظام مستهدفةً بها، ليست – في حقيقة الأمر – شيئا آخر غير إعطاء النظام شهادةً بأن أحدا لن يوافق هذه المقاومة الرعناء على تَصَوُّراتِها الحمقاء بأن تشاركَه السيادةَ الجُزئية على الأردن، ظنا من هذه المقاومة أنها بعد أن لم تعد أردنية، قد تملك أيَّ حقٍّ في تنظيمِ وجودها في الأردن على نحوٍ غيرِ ذلك الذي يقبله ويرتئيه النظام الأردني نفسُه، وأن عليه بالتالي ألا يخشى من ذلك، وأن ينتبه لما هو أهم، وهو ما جاء المبرر الثالث لتوضيحه.
فأن تتم الإشارة في الخطاب الرسمي لدول جبهة الحل السلمي علنا أو سرا، إلى أن التماسُكَ بين دول هذه الجبهة، وبقاءَها قادرة على المناورة السياسية في الحلول السلمية المُلَوَّحِ بها من حينٍ لآخر، رهن بالحفاظ على المقاومة ورقةً ضاغطةً بأيديها.. نقول.. إن الإشارة إلى ذلك، لا يعني إلا أمرا واحدا، هو أن الدول العربية قد تحرَرَت تجاه المقاومة من أي التزام أخلاقي أو وطني، لأن ما تَحَوَّلَ من كيانٍ كان التعامل معه يتِمُّ على أساس أنه قيمةٌ في ذاته لهذا السبب أو ذاك، إلى مجرد ورقة يتم التعامل معها على أساس ما تحققه من منفعة في هذا السياق أو في ذاك، هو كيان غدا هشاًّ، وأصبح عُرْضَةً للحرق في أي لحظة.
أي أن المقاومة مسَخت نفسَها بأيديولوجية “فلسطينية الهوية” من قيمةٍ إلى ورقةٍ، وبالتالي أفقدت نفسها كلَّ المزايا التي يمكن للقيمة أن تَتَسِمَ بها. لأن كل تلك الدول ما كان لها أن تتعامل مع المقاومة على هذا النحو، ولا أن تتحدث عن السيادة بهذه العنجهية وبهذا اليقين، لو أنها بقيت مقاومة أردنيةً تناجزُ نظاما أردنيا على السلطة، حتى لو كانت تلك الدول تخشى منها ولا تتعاطف معها وتتمنى القضاء عليها، لأنها لا تستطيع أن تتهمَ “مقاومة أردنية” بالمساس بسيادة الأردن، ولا يمكنها أن تقف إلى جانب نظامٍ يقتل شعبه لأنه مختلف معه سياسيا، حتى لو أسعدها ذلك وتَمَنَّتْه في السر، وإن يكن لأجل “وهمِ” التماسك في جبهة الحل السلمي، بينما هي – أي تلك الدول – أمكنها أن تفعلَ ذلك وتكرِّرَه دائما ودونما حرج سياسي أو أخلاقي، وأن تقف إلى جانب النظام الأردني وهو يدافع عن سيادته من تسلط “المقاومة الفلسطينية” المتطاولة على الأردن بغير حق!!
الجبهة العربية الخارجية إذن غدت مضمونةَ المواقف، ففقدت المقاومةُ قدرتَها على أن تستند إليها في معركتها ضد النظام. وليس أدل على ذلك من أن هذه المواقف المُعْلَنة لم تأتِ إلا بعد أن ناغش قادةَ المقاومةِ أملٌ بتدخلٍ عربي يَتَحَمَّلُ مسؤوليتَه التاريخية إزاء ما يحدث في الأردن. وهي المناغشة التي عبرَّ عنها “كمال ناصر”، في مؤتمره الصحفي الذي عقده في القاهرة. فالمنظومة العربية التي التقطت استجداء المقاومة تدخلَها لحمايتِها، رأت أن من الضروري إيصال رسالتها واضحة لا لبس فيها إلى هذه المقاومة، “أن أيتها المقاومة تَحَرَّرِي من تصوُّرٍ مفاده أن بالإمكان موافقتك على وَهْمٍ اعتنقتِه أيديولوجيةً نشازا تجعل من حقك مشاركة النظام الأردني ولو جزئيا في السيادة على دولته، فهذا مخالفٌ لكل منطق وعرف وقانون، ولكل مبدإ سياسي عرفه البشر”.
في واقع الأمر أدركت المقاومة ومنذ أزمات سابقة، أن موقفَ الدول العربية أصبحَ مؤَسَّسا على هذا النحو القاتم والمخيف، وألاَّ رجعةَ عن ذلك إلا بمخالفة المنطق الذي تقوم عليه شرعية كل الدول، وعلى رأسها الدول العربية التي راحت تستجديها نفسُها. فعانت من تناقضٍ مرير لم يعد هناك مجالٌ للعودة عن مُسَبِّباتِه. فهي بحاجة إلى دعمٍ عربي لم يعد مُتَوَقَّعا تحت أيِّ ظرفٍ، بهدف الحفاظ على نفسها “مقاومة فلسطينية” على “أرضٍ أردنية”، من تغوُّلِ النظام المتغطرس مستقويا بالمساندة العربية الرسمية. وهي أصبحت مُسْتَغْرَقَةً بفلسطينيتها المُسَبِّبَة لكل هذه الكوارث، بشكل لا مجال للتراجع عنه إلى أردنيتها المنحورة على عتبات الوهم بالقداسة الأزلية لوطنية “الهوية الفلسطينية”.
فلا هي استطاعت الحصول على شرعيةٍ عربيةٍ لمطالبها السيادية على الأرض الأردنية، ولا هي قدرت على العودة إلى ماضي أردنيتها. فلم تجد أمامها سوى الدفاع عن مشروعها المستحيل حتى النهاية، بعد أن فقد أولا زخمَ “قوته الأردنية” بتَحَوُّلِه إلى “مشروعٍ فلسطيني”، وبعد أن فقد ثانيا زخم “شرعيته الأردنية” بسقوط كل الدروع الواقية عنه بهذا التَّحَوُّل المُدَمِّر.
سقط الدرع العربي الخارجي عن المقاومة الفلسطينية إذن، فماذا بشأن الدرع الأردني الداخلي؟
لم يعد النظامُ يخفي سياساتِه، فقد أصبحت الساحةُ ساحَتَه، وتأسَّسَت له شرعيتُه، وغدت “المقاومة الفلسطينية” ضيفا ثقيلَ الظلِّ، عليه أن يرتدعَ ويلتزمَ بشروط مُضيفِه أو أن يرحل. وبدل أن يكون النظام هو الطرف الذي يحسِب الأيامَ المتبقِّيَة من عمر إدارته لدولةِ شعبٍ ثار واختار طريقَ المقاومة، أصبحت المقاومة بعد أن منحَتْه شرعيةَ تمثيل “الهوية الأردنية” التي خرجت من عباءتها إلى عباءة “الهوية الفلسطينية”، هي التي تحسب أيام عمرها المتبقِّيَة على أرضٍ اعترفت علنا بأنها ليست أرضها، لتجدَ نفسَها مضطَرَّةً لمناجزة النظام على تقاسم السيادة عليها.
إن كافة النتائج التي انبثقت على “الأرض الأردنية” من رحم “الأيديولوجية الثورية الجديدة” القائمة على “فلسطينية الهوية”، كانت إيجابية من منظور النظام، وأدت دورَها المنوط بها على أكمل وجه، مُمَهِّدَةً له الساحة ليعبث بها على النحو الذي يريد، فجعله كلُّ ذلك ينشغلُ بإعداد خندقِه في مستوييه العسكري والشعبي لليوم الموعود.
على الصعيد العسكري بدأ بتشكيل منظماته العسكرية الجديدة التي كانت من بينها “القوات الخاصة” التي شاركت في الأعمال العسكرية خلال أزمة حزيران 1970، في رسالةٍ واضحة إلى أن مرحلة مختلفةً تتطلبُ هذا النوع من التشكيلات العسكرية قد أَطَلَّت برأسها. وبدأ مباشرة بتوسيع دوائر فعله العسكري لتطالَ معظمَ أماكنِ التواجد الفلسطيني تركيزا على مخيمات اللاجئين بالدرجة الأولى، في تأكيدٍ على أن المعركة هي مع هؤلاء الذين يحاولون السَّطْوَ على الأردن وهويته وسيادته.
كما أنه أعطى للأعمال العسكرية في هذه الأزمة مذاقا مختلفا في دمويته وشراسته، في رسالة واضحة أخرى مفادها أن هذا القدرَ من الشراسة الذي أرعب وأخاف الجميع، وهذا المستوى من البشاعة واللاإنسانية التي جعلت الجرحى يموتون بسبب انعدام الكهرباء وبلازما الدم، لن يستثنيَ أحدا، وهو المصير الذي ينتظر كلَّ من يقف مع تلك الشِّرْذِمَة التي تُسَمِّي نفسَها مقاومة، بينما هي تحاول الاختباءَ وراء قداسة فكرة المقاومة لخدمة أجندتِها الخاصة المتمثلة في القفزِ على الوطن الأردني لحساب “الهوية الفلسطينية”.
أما على الصعيد الشعبي فقد تَبَدَّت للعيان فصولٌ تبعث على الاشمئزاز من الأسلوب الذي اعتمده النظام في حشد وتعبئة “الشرق أردنيين” عامة و”البدو” منهم خاصة، لتهيئتهم لمعركةٍ أرادهم فيها قتلةً من طرازٍ غير مسبوق. والنظام إذ ركَّز على البدو بالدرجة الأولى في حملته هذه، فلأنه كان يريدهم أن يكونوا في خندق المواجهة العسكرية المباشرة مع المقاومة، بسبب أنهم في الأساس المُكَوِّن الرئيس لجسم القوة العسكرية الضاربة التي كانت أبعد ما تكون عن الاصطفاف على مدى سنوات المقاومة وبشكل واسع مع هذه المقاومة، ما يجعلها مهيأة من حيث المبدأ للتَّخَنْدُق ضدها إذا ما تمت تعبِئَتُها التعبئة الصحيحة.

…  يتبع في الحلقة التالية
الهوامش..
1 – (كتاب المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني – دراسة تحليلية لهجمة أيلول، إعداد مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، أيلول 1971، اشترك في الإعداد كل من “خليل هندي” و”فؤاد بوراشي” و”شحادة موسى”، بإشراف د.نبيل شعث، سلسلة كتب فلسطينية، رقم 36، ص 63).
2 – (كتاب المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني – دراسة تحليلية لهجمة أيلول، إعداد مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، أيلول 1971، اشترك في الإعداد كل من “خليل هندي” و”فؤاد بوراشي” و”شحادة موسى”، بإشراف د.نبيل شعث، سلسلة كتب فلسطينية، رقم 36، بتصرف من الصفحات 65 و66).
3 – (عن جريدة النهار اللبنانية، العدد الصادر بتاريخ 8/06/1970).
4 – (عن جريدة الأهرام القاهرية، العدد الصادر بتاريخ 10/06/1970).
5 – (عن صحيفتي الأهرام القاهرية والنهار اللبنانية، في عدديهما الصادرين بتاريخ 11/06/1970، وعن جريدة الهدف، العدد الصادر بتاريخ 12/06/1970).
6 – (كتاب المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني – دراسة تحليلية لهجمة أيلول، إعداد مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، أيلول 1971، اشترك في الإعداد كل من “خليل هندي” و”فؤاد بوراشي” و”شحادة موسى”، بإشراف د.نبيل شعث، سلسلة كتب فلسطينية، رقم 36، ص 83، بتصرف).
7 – (عن جريدة النهار اللبنانية، العدد الصادر بتاريخ 11/06/1970).
8 – (كتاب المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني – دراسة تحليلية لهجمة أيلول، إعداد مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، أيلول 1971، اشترك في الإعداد كل من “خليل هندي” و”فؤاد بوراشي” و”شحادة موسى”، بإشراف د.نبيل شعث، سلسلة كتب فلسطينية، رقم 36، ص 79 – 80).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.