www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية الأردنية5/أسامة عكنان

0

الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية الأردنية “دراسة في حلقات” “جزء من بحث قُدِّمَ لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية”

الدور الوظيفي للنظام الأردني منذ نشأة الدولة القطرية الأردنية
“دراسة في حلقات”
“جزء من بحث قُدِّمَ لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية”

أسامة عكنان
عمان – الأردن
الأردن وطن وليس مزرعة خراف
والأردنيون شعب وليسوا قطيع ماشية
والأردني مواطن يملك وطنا، وليس عابر سبيل يستجدي كسرة خبز
وحكام الأردن خدم وموظفون عند شعبهم، وليسوا سادة عليه أو مستعبدين له
فمن فهم فليعمل بما فهم، ومن لم يفهم فليذهب إلى الجحيم
قراءةٌ في دور الأردن التاريخي كوطن مُهِمٍّ يلد رجالاً أهم، ورفضُ دورِه الوظيفي كمزرعة تسمِّن الخراف لخلق فضاءٍ آمنٍ لأعداء الأمة

الحلقة الخامسة
الأزمة الثانية بين المقاومة الأردنية والنظام الأردني في تشرين ثاني/نوفمير 1968

إذا كان إقدام النظام الأردني على المبادرة بشن حملته الدعائية والإعلامية ضدَّ الثورة وضد مشروع مقاومتها، قد دفع بالإسرائيليين إلى التعبير عن فرحتهم وسرورهم كما مرَّ معنا، فإن تراجعَ النظام عن تهديده نتيجةً لما ذكرناه من أسباب، كان من الطبيعي أن يدفعَ بإسرائيل إزاء استمرار العمل الفدائي المُكَلِّفِ والغارات الفدائية المتواصلة، إلى الاستمرار هي الأخرى في ممارسة سياستها الإستراتيجية في محاربة الثورة ومناجزةِ مشروع المقاومة، عبر الاستمرار في ضرب المواقع المدنية والعسكرية في الأردن، وهو الأمر الذي زاد من حجم ضرباتها تلك في الفترة التي أعقبت أزمة شباط/فبراير، إلى أن تُوِّجَ ذلك بمعركة الكرامة في “21 آذار/مارس 1968”.
ومن معركة الكرامة خرج مشروع “المقاومة الأردنية” منتصرا انتصارا أحدث تَحَوُلا عميقا بدأت تشهده الساحة. وإزاء هذا المُسْتَجَّدِّ الكبير والمُتَغَيِّرِ الخطير، وانسجاما مع محتوى الخطة بعيدة المدى التي انتهجها النظام لتصفية العمل الفدائي والقضاء على “ثورة الأردنيين”، كان من الطبيعي أن يعود إلى ممارسة لعبة “العصا والجزرة” كمظهرٍ تتجلى من خلاله لعبة “لوغو الهويات”، فبدأت معالم الأزمة الجديدة بين النظام والمقاومة بعد أشهرٍ قليلة من معركة الكرامة، وبعد ملاحظة التعاطف الشعبي الواسع الذي بدأ يحظى به مشروع المقاومة المتنامي. “ولقد ظهرت الأزمة أول ما ظهرت في “13/أيلول/1968” عندما قام النظام بمنع “التجمع الوطني الأردني” من عقد مؤتمر كان مقَرَّرا عقده في ذلك اليوم، ما أدى بهذا التجمُّع إلى توزيع بيان مناهضٍ للحكومة الأردنية متهما إياها بوضع العراقيل والعوائق أمام العمل الفدائي بدلا من حمايته ودعمه”(1).
وبعد هذه الحادثة راح النظام الأردني يُصَعِّد من موقفه تجاه الثورة والعمل الفدائي بصورة ملحوظة، مبديا رغبةً واضحةً في التَّدَخُّل لعرقلة هذا العمل والحدِّ من امتداده، وفصله بكل السبل المتاحة عن قواعده الجماهيرية. ولقد اتضح ذلك من خلال الأحداث التي مرت بها البلاد في تلك الفترة، فضلا عن الاجتماعات والمفاوضات التي تمت بهذا الخصوص بين السلطات الأردنية و”فتح” حينا، وبينها وبين “فتح” و”منظمة التحرير الفلسطينية” حينا آخر. إلا أن هذه المفاوضات باءت جميعها بالفشل، لأن اقتراحات السلطات كانت في غالبيتها مرفوضة من قبل حركة “فتح”، بسبب ما فيها من تحدٍّ واضحٍ وصريح وصارخ للعمل الفدائي، وبسبب ما تَضَمَّنَتْه من رغبة أكيدة في تقييده تمهيدا لضربه وتصفيته، ومن حرصٍ شديد على بلبلة صفوفه لإتاحةِ فرصةِ العبث في الساحة الأردنية بما يساعد على خلق الشروخ بينه وبين جماهير الشعب الأردني، أو فئاتٍ مُحَدَّدَة منها على الأقل.
كما أن من الأسباب التي أسهمت في إفشال المفاوضات، اقتراحات حركة “فتح” في بعض الأمور، وهي الاقتراحات التي جوبِهَت بالرفض من قبل سلطات النظام بسبب وضوح انطوائها على شكلٍ مُبَكِّرٍ من إرهاصاتِ ما تمكن تسميتها بـ “ازدواجية السلطة” التي ستكون لاحقا أحد أهم الأسباب لتفاقم الصدامات والتوترات بين النظام والمقاومة.
بلغ التصعيد في الموقف ذُرْوَتَه من طرفِ النظام الأردني عندما استدعى بتاريخ “10 تشرين أول 1968” مندوبين عن حركة “فتح” وعن “منظمة التحرير الفلسطينية” ليُبَلِّغَهم أنه سيتَّخِذ في أقرب فرصة الإجراءات التالية:
“أ – منع الفدائيين من الدخول إلى عمان بملابسهم العسكرية وأسلحتهم.
ب – منع مرور سيارات الفدائيين في الشوارع الأردنية إذا كانت تحمل سلاحا إلا بعد إذنٍ مسبق.
ج – تسيير دوريات أردنية معها سلطة إيقاف أي سيارة أو أي مجموعة من الفدائيين وتفتيشها.
د – وجوب قيام الفدائيين بتسليم أنواع معينة من الأسلحة حصلوا عليها مؤخرا وتَعْتَبِرُ الحكومة الأردنية أنها تشكل خطرا على الأمن”(2).
وفي تصعيدٍ آخر فريدِ من نوعه، قام به “الملك حسين” شخصيا، وجدناه يصف العمل الفدائي بأنه عمل “قرود”. ففي تصريحٍ خطير له نشرته صحيفة “الصانداي تيليغراف” ردا منه على تصريحات نُسِبَت إليه خطأً، وكانت قد نُشِرَت في الصحيفة ذاتِها في عدد سابق منها، بشأن ادِّعائِه تعاطفا مع العمل الفدائي، والرغبة في تحويل الأردن إلى محطة للفدائيين.. نقول.. في تصريحه الخطير هذا، يستهل “الملك حسين” حديثَه باستنكارِ ما نُسِبَ إليه، مُتَّهِما المراسلَ الناقلَ بعدم الدِّقَة، ثم يختتمُ ردَّه محاولا اللعب على دلالات الألفاظ والكلمات، وخاصىة لفظة “غوريللا” التي تُسْتَخْدَم في الإنجليزية لوصف مقاتلي “حرب العصابات”، في الوقت الذي هي فيه اسم لنوع من القرود، فقال: “وأخيرا فإنه ليس في نيتي أن أحوِّلَ الأردن إلى دولة للغوريللا أو دولة للشامبانزي، وليس لدَيَّ أدنى اهتمام بأي شكل آخر من أعمال القردنة”(3).
وعلى هذا الصعيد، وبخصوص اصطداماتٍ وشيكةٍ يُزْمِعُ النظام خوضَها ضدَّ المقاومة، “فقد انتشرت أخبار عديدة عن اتصالات سرية بين القصر والسفير الأميركي، وعن نصائح وتوجيهات قدمها السفير للملك، وأحيانا أوامر وجهها السفير الأميركي باسم إدارته إلى الملك”(4). كما انتشرت أخبارٌ أخرى مفادها قيام “الشريف ناصر بن جميل” بزياراتٍ سرية إلى السعودية “لبحث الوضع المستفحِل في الساحة الأردنية، وللتباحث مع القيادات السعودية في خطط وآليات ضرب الثورة وتصفية مشروع المقاومة بالتنسيق مع الأسرة السعودية”(5). كما تأكدت لدى أجهزة حركة “فتح” معلوماتٍ مفادها: “أن الخطة الأميركية كانت تقضي بضرورة تغذية بعض التنظيمات المشبوهة، وخلق جوٍّ من التشويش لقطع الطريق بين الجماهير والعمل الفدائي، واستخدام عناصر معروفة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة لخلق تلك التنظيمات باستمرار، وهكذا ظهرت إلى الوجود منظمات مثل “جبهة الفداء القومي”، و”الجبهة الثورية الشعبية الفلسطينية”، و”المارد العربي”.. إلخ”(6).
وعلى صعيد الإجراءات العملية التي اتخذها النظام الأردني للإعداد للصدام، إجراءٌ استفزازي أَنْذَرَ بأن الأزمةَ قد وصلت إلى ذُرْوَتِها. “فقد رابط رجال البادية على الحدود الأردنية السورية، ومنعوا الفدائيين من الدخول إلى الأردن. ورابطت قواتٌ أخرى من حرس البادية على مداخل عمان، ومنعت الفدائيين المسلحين من دخول العاصمة، وراحت تُدَقِّقُ في هوية كلِّ من يدخل إلى عمان وتقبضُ على كلِّ من يُعْتَقَدٌ أنه يعمل مع الفدائيين. وحدث صدامٌ بين قوات البادية والفدائيين قرب محطة الإذاعة، كما حدث صدامٌ آخر في إربد”(7).
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة بدخانِ الحرب والمعركة، تربَّصَ النظام منتظرا اللحظاتِ الحاسمةَ ليبدأَ بتنفيذ حلقةٍ جديدةٍ من حلقات الخطة طويلة الأمد التي ظهر جليا هذه المرة أن النظام يُنَسِّقُ بخصوصها مع إسرائيل، “حيث كانت مفاوضاتٌ سرِّيّةٌ  تجري بين الأردن وإسرائيل، وهي المفاوضات التي رغم تكذيب السلطات الأردنية لها، إلا أن الجماهير والمنظمات الفدائية كانت مقتنعة تمام الاقتناع بصحة المعلومات التي كانت تتناقل أخبارها التي أكدت على أنها كانت تدور آنذاك في الأراضي المحتلة وعلى مستويات سياسية عالية”(8).
وبعد انتظارٍ لم يدم طويلا ولا هو تأخر كثيرا، جاءت لحظةُ الصفر وحلَّ موعدُها في فجر يوم الاثنين الرابع من تشرين ثاني/نوفومبر 1968، “حين استيقظت عمان على أصوات طلقات النيران تتردَّدُ في أرجائها، بعد أن كانت أصوات طلقاتٍ متفرِّقة تُسْمَعُ في العاصمة وخارجِها طوال الليل. وتدفَّقَت الدبابات إلى الشوارع عند الفجر، واندفعت قواتُ البادية تحاصر المخيَّمات في “الوحدات” و”الحسين”، وحاولت القوات المهاجِمَةُ اقتحامَ المخيمات بالقوة.. إلخ”(9). واستمرت الاشتباكات طيلة أيام الاثنين 4/11/1968، والثلاثاء 5/11/1968، إلى أن توصل الطرفان إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار بدأ مفعولها بالسريان منذ صبيحة يوم 6/11/1968، “ولقد نصت هذه الاتفاقية على وقف العمليات العسكرية ورفعِ منعِ التّجَوُل ومنعِ حمل السلاح غير المُرَخَّص أو اقتناء أسلحةٍ من غير ترخيص طبقا لبيان وزير الداخلية الأردني، وعلى الاتصال المستمر بين الحكومة الأردنية وقادة المنظمات الفدائية للبحث في الوسائل التي تمنعُ حصولَ حوادثَ مماثلة في المستقبل”(10).
لقد بدا واضحا أن أحداث “تشرين ثاني” 1968 كانت حلقة من حلقات الخطة الإعدادية لتصفية الثورة ومشروع المقاومة، جاءت في مرحلةٍ تطلَّبَت التأكيدَ على أهميةِ تجربةِ الصدام الميداني بين النظام والمقاومة من حين لآخر، بغيةَ جسِّ نبض الحراك الثوري الجماهيري، وتَتَبُّعِ اتجاهاته ومستوى ترابط مفاصله بعضها بالبعض الآخر، وذلك كي لا يفاجأَ النظام – المُنَفِّذِ في حقيقة الأمر لخطة الإمبريالية والصهيونية بمنتهى الحَرْفِيَّة – أنه كان يخطِّط في وادٍ، وأن الواقعَ الأردني مقاومةً وشعباً يتحركُ في وادٍ آخر يصعبُ أن تحتويه فيه تلك الخطة، في حال عدم الاعتماد على الدِّقَة واليقظة ومجَساَّت الاختبار، في مراقبة تطوراته وتفاعلاته ومدى تجاوبه مع مراحل الخطة التي بدأت في استهدافه منذ تَوَسُّعِه عقب هزيمة حزيران، وإن كانت لم تتخذ مسارَها المدروس والمُسَيْطَر عليه بتوجيهاتٍ أميركية وإسرائيلية وإلى حدِّ ما سعودية إلا بعد انتصار الكرامة في 21/آذار/1968.
هكذا وبكل بساطة، يفتعلُ النظامُ الصدامَ بكل عناصره، ثم ينهيه باتفاقٍ يرجو فيه عدمَ تكرارِ هذه الأمور في المستقبل، ما يبدو معه واضحا أن الهدفَ من وراء افتعالِ الأزمة في الأساس إنما هو هدفٌ تجريبي محضٌ لتَتَبُّع تَخَنْدُقات واتجاهات الحركة الشعبية من جهة، وقدرات وإمكانات واتجاهات مشروع المقاومة من جهة أخرى، فضلا عن اختبار القدرات الذاتية للنظام نفسِه من جهةٍ ثالثة. إن الأمرَ بكلمة أكثر وضوحاً، ليس أكثر من مناوراتٍ ميدانية على طريق الإعداد للمعركة الحاسمة، بكل ما تعني كلمة “مناورة ميدانية” من معاني الاختبار والاستعداد والمراقبة.
وإذا كان السبب الجوهري الذي يقف وراء هذه الأزمة ووراء كل أزمة، هو الإعداد للتصفية النهائية للثورة ودفع أطرافها في الساحة الأردنية “منظماتِ مقاومة” و”شعب أردني”، إلى الزاوية التي يريدها النظام لتوجيه ضربته القاضية للثورة ومشروعها في نهاية الأمر، فمن الضروري عدم تجاوز السبب الآني والمباشر الذي كان يقفُ وراء كلِّ أزمة على حِدَه، وهو السبب الذي يتحَكَّمُ في توقيت الأزمة جاعلا إياها تحدث الآن وليس غدا، رغم أن الهدفَ الجوهري يتَّسِعُ ليغَطيَ كلَّ المساحة الزمنية التي تتحرك فيها الثورة بمشروعها المقاوم. ومرَدُّ ضرورةِ عدم تجاوز السبب الآني المباشر، إلى كونه سيساعدنا على التأكيد على مواقف عدائية معيَّنَة اتُّخِذَت نهجا عربيا رسميا تجاه الثورة ومشروع المقاومة في مرحلة بعينها.
فإذا كانت الأسباب المباشرة لأزمة شباط/فبراير 1968، غيرَ واضحةٍ بحكمِ ارتباط الأزمة بأعمالٍ عدائيةٍ آنية من قبلِ إسرائيل على المواقع الأردنية المدنية والعسكرية، فإن أزمة تشرين ثاني/نوفمبر 1968، لم ترتبط بعدوانٍ محدَّدٍ، بقدرِ ما ارتبطت بالحل السِّلْمي الذي بدأ الحديث عن إمكانيَّة تَحَقُّقِه في تلك الفترة، بعد انتشارِ أخبارٍ مفادُها قبولُ “إسرائيل” بقرار مجلس الأمن “242” الذي كانت المقاومة تقف في طريقه وتعاديه وترفضه رفضا قاطعا، لأنه لا يلبي طموحَها إلى التحرير، ويفرض على العرب من ثمَّ الاعتراف بإسرائيل وبمشروعية وجودها واحتلالها للأراضي التي تحتلها من فلسطين التاريخية. وهو الأمر الذي تَطَلَّبَ إثبات حسن نيَّة الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام الأردني، وذلك عبر المبادرة الفعلية إلى العمل على تلجيم المشاكسين الذين هم المقاومون، والذين يتمُّ الترويج دائما إلى أنهم هم من يعرقل المشاريع القومية لمعالجة قضية العرب الأولى، ألا وهي القضية الفلسطينية بطبيعة الحال. 
ولعل المواقف العربية الرسمية من أزمة تشرين ثاني 68، كانت تُشير في مجملها إلى شيءٍ من هذا القبيل، حين حاولت جميعُها وبلا استثناء تبرئةَ النظام الأردني من التَسَبُّبِ في افتعال الأزمة. ولما لم تكن هذه الدُّول قادرةً على اتهام الثورة بالتَّسَبُّب في الأحداث وما نجم عنها من صدام وتأزيم للعلاقة بين المقاومة والنظام، نظرا لحساسية مثل هذا الاتهام على صعيد ردة الفعل الجماهيرية الأردنية لو أنه وُجِّهَ إلى المقاومة، فلقد حمَّلت جميعُها – أي الأطراف العربية الرسمية – المسؤولية لطرفٍ ثالث، في عمليةِ موازنةٍ ذكيةٍ ولكنها خبيثة، بين حرصها على عدم استفزاز النظام الأردني بوصفه حلقة هامة في جبهة الحل السلمي المفترض أو “المُتَوَهَّم”، وحرصها على عدم استثارة الجماهير الملتفة حول المقاومة، بإدانتها لهذه الأخيرة بالتسَبُّب في الأزمة(11).
فدمشق اتهمت “وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بافتعال الحوادث ضمن مخطط لضرب العمل الفدائي تهييئا لفرض الحلول الاستسلامية وتصفية القضية الفلسطينية”(12). أما بغداد فقد اتهمت جهاتٍ استعماريةً بأنها وراء الحوادث، معلنة “أنه أصبح واضحا أن أغراض تلك الخطة الاستعمارية كانت تستهدف إحداث التناقضات في الجبهة الأردنية لإضعافها ولتسهيل تمرير مخططات الاستعمار والصهيونية”(13).
ولعل في الموقف المصري، سواءٌ ذلك الذي عبَّرَت عنه الصحف، أو ذلك الذي عبَّرَ عنه الرئيس “جمال عبد الناصر” نفسه، أبلغَ دلالةٍ على حرص المنظومة العربية الراعية للسلام – بما فيها مصر عبد الناصر بطبيعة الحال – على الحفاظ على تماسك جبهة السلام بكاملها، بما فيها الأردن. وبما أن السلام الذي بدأت تُلْمِحُ إليه إشاراتٌ إسرائيلية وأميركية هنا وهناك، لا يَتَأَتَّى ولا تَتَأَتَّى فرصُ الحديث الجاد عنه، إلا بتلجيم مشروع “المقاومة الأردني”، لأن هذا ما تتطلَّبُه المصلحة الإمبريالية في سياقها الإستراتيجي، فليست محاولاتُ النظام الأردني العاملةُ في هذا الاتجاه متناقضةً مع الهدف القومي العام، أو لنقل مع الخطة القومية العامة في سياقها الذي حدَّدَته الأنظمة العربية في ذلك الحين، وهو الأمر الذي جعل إعلاناتِ الصحف المصرية وتصريحاتِ الرئيس “جمال عبد الناصر” تأتي متناغمةً مع طبيعة الهدف الذي يدفعُ باتجاهه الفعلُ الرسمي الأردني، وموَظَّفَةً في الوقت ذاته لخدمة تحرُّكات هذا النظام، بوضوحٍ أكبرَ من ذلك الذي تضمَّنَتْه الصحف والمواقف السورية والعراقية.
وهكذا تصبح “الثورة الأردنية” المندفعة والمتوسعة جماهيريا – بوصف هذا التوسع والاندفاع قاعدةَ العمل الصحيحة لمواجهة العلاقات الاستعمارية بأبعادها الصهيونية الإسرائيلية والعربية على حدٍّ سواء في المنطقة – مُعَرْقِلَةً للخطة القومية المرسومة من قِبَلِ الأنظمة العربية الحاكمة آنذاك بكل أشكالها، يمينية كانت أم يسارية أو معتدلة.
فصحيفة “الأهرام القاهرية” تحدثت عن الأزمة بين النظام والمقاومة في الأردن تحت عنوان “محاولة خطيرة لإحداث فتنة في الأردن”. والفتنة بطبيعة الحال لا تُسَمَّى فتنة إلا إذا كانت صداما بين من يجب ألا يصطدموا، أي بين الإخوة الذين يُفْتَرَضُ أن تنتفي بينهم التناقضات. كما أكدت الصحيفة على فكرة أن “المخطَّطَ مرسومٌ” وهو بطبيعة الحال مرسومٌ من خارج إرادة الطرفين المتصادمين. كما يتبين من تحليل الصحيفة أن المخطط كان يهدف إلى “خلق سبب للصدام” بين النظام الأردني ومنظمات المقاومة(14)، في حين أنه لا يجوز تصادمهما، وكأن أسباب الصدام غير موجودة في الأساس، أو كأن النظام الأردني لم يعمل في الماضي القريب على خلق هذه الأسباب.
وهذا تصويرٌ للموضوع ينطوي على تعارضٍ صارخ مع جوهره وحقيقته، من صحيفةٍ رسميةٍ لنظامٍ عربيٍّ كان يمثِّلُ بؤرةَ الوطنية والتقدمية آنذاك. فالنظام الأردني والمقاومة الأردنية، كيانان متناقضان لا يلتقيان إلا في خنادق المواجهة كما أثبتت ذلك طبيعة كلٍّ من هذا النظام القُطْري المُمَرِّر للعلاقات الإمبريالية الصهيونية في الإقليم، انطلاقا من دوره الوظيفي من جهة، وتلك المقاومة التَّحَرُّرِيَّة الوحدوية المناجِزَة لهذه العلاقات والرافضة لها والمتحرِّكة ضدها من جهة أخرى.
أما بخصوص موقف الرئيس “جمال عبد الناصر”، وهو موقف مصر الرسمي بطبيعة الحال، فقد جاء في رسالته التي وجهها إلى فصائل المقاومة على إثر مطالبتها إياه بموقف حاسم من الأحداث التي تشهدها الساحة الأردنية، يتناسب مع موقع مصر في مقدمة التقدمية العربية. فقد صرَّح الرئيس “عبد الناصر”: “إنه مع كلِّ القلق الذي يتابع به تطورات الموقف، إلا أنه حريص على ألا تكون هناك تدخلات يمكن تفسيرها ]مِنْ قِبَلِ مَنْ؟[ في جوٍّ وصلت فيه محاولات الاستغلال الخارجي للأزمة إلى درجة ضارية. وإن هناك اعتبارا تجب مراعاته، وهو اعتبار السيادة الأردنية إلى جانب المصلحة القومية العليا، وإنه على ثقة في أن الملك حسين سوف يجد وسيلة تحول دون تفاقم الأمور”(15).
أما بعد هذا العرض لمُكَوِّنات أزمة تشرين ثاني 1968 بين النظام الأردني والمقاومة، وبعد هذا الشرح لصيرورة أحداثها على الصعيدين الأردني والعربي، سنحاول أن نتعَقَّبَ فيها خيوطَ “جريمةِ السَّطْو” التي راح النظام يعدُّ لها العُدَّة، ويُطَوِّرُ من أدواتِها في تعامله مع المقاومة يوما بعد يوم، وأزمةً في إثرِ أزمة، دفعا بهذه الأخيرة نحو الزوايا الأيديولوجية والسياسية التي كان يُخَطِّطُ لدفعها نحوَها، تفريغا لها من هوِيَّتِها الأردنية، وزجاًّ بها في بوتقة “الهوية الفلسطينية”، عبر خلقِ كلِّ عناصر الفصام المُمْكِنَة بينها وبين وعائها الجماهيري الأردني.
في ضوء قراءتنا السابقة للأزمة نستطيع استنتاج العناصر التالية كمحاورَ دارت حولَها مكوِّناتُها ونمت وتطوَّرت في ضوئها صيرورةُ أحداثِها، وتجَسَّدت من خلالها سياساتُ النظام “الواعية لأهدافها ولطرقِ تحقيقِها”، وردات فعل المقاومة “المرتبكة والانفعالية والارتجالية وغير المدركة لجوهر المؤامرة التي كانت تُحاكُ ضدها”، ما جعلها تستجيب عن غير وعي منها لتلك المؤامرة، واضعة نفسَها سياسيا وأيديولوجيا في النَّفَق المظلم المُعَدِّ لها.
هذا إذا افترضنا – بطبيعة الحال – حسنَ النيَّة لدى قادة “الثورة”، وتجنَّبنا افتراض شراكتهم الكاملة في تنفيذ “المؤامرة” جراء خللٍ في الوعي الإستراتيجي لديهم، جعلهم يتصورون أن إعادةَ إنتاج المقاومة في وعاء “الهوية الفلسطينية” التي غيَّبَها “مؤتمر أريحا”، أجدى لها وأنفع من إبقائها تتحرك داخل وعاء “الهوية الأردنية”، التي تَحَرَّرَت من وظيفِيَّتِها المُفترَضَة تحرُّرا كاملا، لتصبحَ أكثر تناقضا مع المشروع الصهيوني الإمبريالي من “الهوية الفلسطينية” ذاتها، لو كان قد أُتيحَ لها التَّجَسُّدُ على أرض الواقع منذ عام 1948..
1 – بدأت الأزمة بالاحتكاك بفصيل يدعى “التجمع الوطني الأردني”، وقد اعتبر هذا الفصيل أن الاحتكاك به مقدمة للاعتداء على المقاومة ذاتها.
2 – حَرَصَ النظام على مفاوضة “منظمة التحرير الفلسطينية” إلى جانب مفاوضة فصائل المقاومة نفسِها خلال مقدمات الأزمة ومراحلها المختلفة، سواء عندما كان الأمر يتعلق بالاعتراض على سلوك المقاومة، أو بتبليغ القرارات الحكومية بهذا الشأن.
3 – في كافة بيانات وتصريات وقرارات وتبليغات النظام كان هناك تأكيد على مصطلح “الأرْدَنَة” من مثل.. “منع المرور في الشوارع الأردنية”، و”تسيير دوريات أردنية”، و”تسليم أنواع من الأسلحة تعتبرُ الحكومة الأردنية أنها تمس بالأمن”، و”الاتصال بين الحكومة الأردنية وقادة المنظمات”.. إلخ.
4 – القرارات التي اتخذها النظام تم رفضها من قبل حركة “فتح”  وليس من قبل “منظمة التحرير الفلسطية” التي كانت تشارك في المفاوضات.
5 – رجال البادية يمنعون الفدائيين من عبور الأردن من الأراضي السورية.
6 – رجال البادية يهاجمون المخيمات فقط ولا يهاجمون القرى والمدن.
7 – الرئيس “جمال عبد الناصر” يتحدث بوضوح عن “السيادة الأردنية” باعتبارها أمرا يجب ألا يُمَسَّ في سياق تصوره لحل الأزمة.
8 – الولايات المتحدة تَتَّبِع سياسةَ اختراقِ الثورةِ وشق الصف الجماهيري بخلق منظمات مشبوهة ودسِّها في صفوف الجماهير والثورة.
نحن الآن أمام خطوة متقدمة بعض الشيء في لعبة “لوغو الهويات”. فعلى الرغم من أن تنظيما لا ذكرَ في اسمه لأي شيء يدل على “المقاومة” أو على “فلسطين”، خلافا لما كان عليه حال كل منظمات العمل الفدائي آنذاك، وهو “التجمع الوطني الأردني” – ما يدلُّ على أن مجملَ نشاطه كان ينصَبُّ على ما يبدو في خندق العمل السياسي – استشعَرَ على الفور أن استهدافَه الذي فجَّرَ الأزمة، هو استهدافٌ للمقاومة وتمهيدٌ للاعتداء عليها، في تعبيرٍ عن مستوى وعيٍ ناضجٍ بمُكَوِّنات الصراع في الساحة الأردنية، فإن فصائلَ المقاومة كانت على ما بدا من سلوكها، أبعدَ ما تكون عن هذا النوع من الوعي، أو على الأقل أبعدَ ما تكون عن التعامل مع صيرورة أحداث الساحة، ومع الأزمات المتصاعدة بينها وبين النظام، على أساس ما يوحي بهذا الوعي أو على أساس ما يتطلبُه.
إن الدفاعَ عن النفس، بل وامتلاكَ القدرة على ذلك، شيء، والوعي بسبب الدفاع، وبحيثيات ما يجب الدفاع عنه، شيء آخر يبدو مختلفا تماما عن فكرة الدفاع ذاتِها. ففصائل المقاومة كانت تدافع عن نفسها ووجودها وحقها في مقاومة الاحتلال وفي حمل السلاح، وترفضُ أن يمنعَها من ذلك أحدٌ أيٌّ كان، حتى النظام نفسه. النظام من جهته لاحظ ذلك وتَفَهَّمَه وأدرك أهميَّة استخدامه في تضليل قادة المقاومة وإبعاد نظرهم عن جوهر مؤامرته ضد مشروعهم بالكامل.
لذلك فقد كان من السهل علينا أن نقرأَ في كل أزمة يفتعلُها النظام، روحا تجريبيةً مَجَسِّيَّةً يحرص على جعلها تضعُه في قلبِ الصورة الدقيقة لخريطة الوعي السائدة، ولخريطة التواصل المتحقِّقَة بين المقاومة من جهة، ومن بدأ يَفْرِزُهم ويُفَلْتِرُهم في فراَّزاتِه وفلاتِرِه الاستخبارية المسنودة بالإرشادات الأميركية، وبشكل من أشكال الدعم السعودي غير واضح المعالم من جهة أخرى، باعتبارهم هم وحدَهم “الأردنيون”، الذين يختلفون عن أولئك المقاومين الذين هم “فلسطينيون”، والذين ليست أردنيَّتُهم إلا أمرا طارئا يتعاملون معه على أساس طارِئِيَّتِه تلك، وينتظرون لحظة القفز بفلسطينيتهم على أردنيتهم. والنظام كان يستند في ذلك إلى ضرورة إعادة إنتاج المُكَوِّنات الأولى لخريطة “سايكس بيكو”، فيما يتعلق بالدور الوظيفي لـ “الهوية الأردنية”(16).
من المؤكد في هذا السياق أن النظام كان يرقص فرحا بينه وبين نفسه، كلما رأى أن فصائل المقاومة تستجيب من حيث تدري أنها تستجيب أو من حيث لا تدري، إلى روحِ خطَّتِه، في سلوكها وردات فعلها، حتى وهي تَفْرِضُ عليه عسكريا وفي الميدان تفاصيل إرادتها في المقاومة. ولم يكن النظام ليهتمَ في هذا السياق بقوة المقاومة ولا بقدرتها على الدفاع عن نفسها، ولا حتى بظهور بعض مواطن الضعف العسكرية لديه وهو يواجهها من حين لآخر، ولا كان ذلك بالذي يثير مخاوفَه على المدى الإستراتيجي.
فكل هذه العوامل ثانوية، ومن السهل تعديل موازينها بالاتجاه المطلوب عندما يتوفر العنصر الأهم في هذه المعركة، ألا وهو ذلك المتعلق باستحضار “الهوية الفلسطينية” المختفية والذائبة منذ حوالي عشرين عاما في قلب “الهوية الأردنية”، لتظهر وتتجسَّدَ من جديد، ولكن هذه المرَّة ليس كنقيض للهوية الصهيونية فقط، بل وكنقيضٍ ومناجزٍ ومناددٍ لـ “الهوية الأردنية” التي كانت قد أصبحت في تلك الحقبة من الزمن هي الهوية العربية الأخطر على المشروع الإمبريالي الصهيوني برمته.
فإذا كان مفهوما في خضِمِّ هذه الأزمة، بل وفي خضِمِّ كل أزمة كانت تنشب بين النظام والمقاومة، أن يتفاوضَ النظام مع حركة “فتح” بصفتها فصيلا مقاوما “أردنيا”، أو مع أيِّ فصيل مقاومة أردني غيرها، فإنه لم يكن من المفهوم أن يتفاوضَ بخصوص ما يُفْتَرَض أنه أزمة داخلية وخلاف بين مقاومين أردنيين ونظامِهم السياسي، مع “منظمة التحرير الفلسطينية”!!
فما شأن النظام الأردني بالمنظمة التي نشأت وتأسست لتمثلَ الفلسطينيين، ولتعملَ على تحرير أرضهم التي كانت عندما نشأت هذه المنظمة، هي تلك الأرض المحتلة في عام 1948، وهو ما يُفْتَرَضُ أن النظامَ الأردني أحرصُ من غيره على التأكيد عليه، عبر رفض أيِّ تصوير للأزمة القائمة بينه وبين المقاومة على أنها ليست أزمة داخلية صرف.. نقول.. ما شأن النظام بمنظمة التحرير ليشركها جنبا إلى جنب في مفاوضاته مع “فتح” ومع فصائل المقاومة الأردنية الأخرى؟!
إن قبول النظام إشراكَ “منظمة التحرير الفلسطينية” في مفاوضاتٍ تعالج أزمةً داخليةً من القبيل المذكور، هو تعزيزٌ للعبة “لوغو الهويات” التي بدأ يمارسُها نظامُ “الملك حسين” مستلهما روحَ النصائح والإرشادات الأميركية والإسرائيلية والسعودية، عبر كلٍّ من السفير الأميركي في عمان، واللقاءات السرية مع الإسرائيليين في الأرض المحتلة، والزيارات المَكُّوكِيَّة التي كان يقوم بها “ناصر بن جميل” للسعودية، كما أشارت إلى ذلك كلُّ المراجع التي أرَّخت لتلك المرحلة ووَثَّقَت أحداثها. وهي اللعبة التي تُمَهِّد الطريقَ لتعزيز فكرة فلسطينية “الضفة الغربية”، وبالتالي لتعزيز فكرة فلسطينية “المقاومة” بالدرجة الأولى، باعتبار هذا التعزيز الأخير هو أهمُّ عنصرٍ من عناصر “مؤامرة السَّطو” على “ثورة الشعب الأردني”.
وفي ذلك ما فيه من خلخلةِ عناصرِ القوة الأيديولوجية للسيادة الأردنية على “الضفة الغربية”، لا بسبب احتلالها من قبلِ إسرائيل – لأن احتلالَ إسرائيل لها لا يؤسِّس لأيِّ أيديولوجية جديدة متكاملة العناصر لتغيير سيادة الهويات عليها – بل بسبب الدفع باتجاه التأسيس لفلسطينيتها المختفية والذائبة، بدل أردنيٍّتها القائمة والظاهرة، لأن مثل هذا التأسيس يقوم على خلق مرجعية أيديولوجية جديدة مكتملة العناصر يمكنها أن تغيِّر في سيادة الهويات على الضفة الغربية المحتلة.
إن هذا التساهل الذي أبداه النظام الأردني بإرخائه “شعرة معاوية” إزاء “فلسطينية الضفة الغربية”، عبر إشراكه “منظمة التحرير الفلسطينية” في المفاوضات المتعلقة بالأزمة، لا يتناسب مع شدِّهِ التاريخي لتلك الشَّعْرَة، عندما بادر بسرعةٍ إلى ضَمِّ الضفة عبر عقده لمؤتمر “أريحا” قبل هذه الأزمة بقرابة عشرين عاما، ليخفيَ أيَّ معالم للهوية الفلسطينية يمكنها أن تتجسَّد على أيِّ جزء من الأرض الفلسطينية المعترف للفلسطينيين بها بموجب قرار التقسيم. ولا هو يتناسب أيضا مع مستويات الشدِّ نفسها التي مارسها النظام فيما يتعلق بسيادته كنظام أردني على “الضفة الغربية” بعدما حقَّقَ غايتَه بتكريس “فلسطينية الثورة” وطردها من الأردن وفصل الشعب الأردني عنها فصلا يكاد يكون كاملا. فهو بقدر ما بدا متساهلا في مسألة “فلسطينية الهوية” خلال الأزمة وما تلاها حتى أيلول 1970، بقدر ما بدا متشددا في المسألة نفسها بعد ذلك، أي بعد مجازر “أيلول”(17)، بحيث لم يُقْدِم على تجسيد تساهله السابق على شكل ممارسة سياسية وقانونية وإدارية إلا بعد حوالي عشرين عاما أخرى، عندما اتخذ قرارَه التاريخي بفك الارتباط القانوني والإداري بالضفة الغربية(18).
لقد بدا واضحا على مدى الأربعين عاما من الصراع التي تلت “سقوطَ فلسطين”، والتي انتهت بقرار فك الارتباط القانوني والإداري بالضفة الغربية، أن الهويتين الأردنية والفلسطينية ليست لهما أيُّ قيمة في ذاتهما لدى صُناَّعِ “المشروع الإمبريالي الصهيوني” أو لدى “منفِّذيه بالوكالة”، وألا خوفَ من تجَسُّد هذه أو تلك منهما على أرض الواقع، إذا كان هذا التجسُّد يأتي في سياقِ تنفيذ الخطة الإمبريالية كما تفرضُ نفسَها في هذه المرحلة أو في تلك، حتى لو كان هذا التَّجَسُّد يتعلق بالهوية الفلسطينية التي تُصَوَّرُ دائما على أنها “الهوية الشهيدة” التي يُعْطِي أيُّ مستوى من مستويات تجسُدِها الأملَ بالتغيير الشامل في مجريات الصراع، وهو التصَوُّر الأخطر على مصير الصراع وعلى جوهر القضية، لأنه يتغاضى عن حقيقة أن هذه الهوية لا تختلف عن “الهوية الأردنية” في كونها قابلة للاستخدام والتوظيف الأسوأ، بغيةً تمرير العلاقات الإمبريالية الصهيونية في المنطقة، وهو ما حدث بالفعل في النصف الثاني من عقد ستينيات القرن الماضي، بمؤامرة من النظام وبسذاجة من المقاومة(19).
وبالتالي فلا قيمة لهما – أي للهويتين الأردنية والفلسطينية – إلا في سياق ما تحقِّقانِه من مصالحَ ومنافع للمشروع الإمبريالي الصهيوني الذي قام على تجسيده “النظام القُطْري الوظيفي الأردني” من جهة، ومشروع “الثورة الفاشلة” من جهة أخرى، وهي الثورة التي لم تتقن سوى دورَ أن تكون مطيَّةً لتمرير العلاقات الإمبريالية الصهيونية في المنطقة، عبر الخضوع الكامل للعبة “لوغو الهويات” التي كانت تُمارس بحنكةٍ ودرايةٍ غفِلَ عنهما مشروع المقاومة منذ نشأته في منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى الآن.
وبالتالي أيضا فإن القيمة الفعلية لأيٍّ منهما في العرف الوطني والقومي والنهضوي والتَّحَرُّرِي، تنشأ من مدى قدرة تَجَسُّدِ أيٍّ منهما على رفد مشروع الثورة والتحرير بعناصر ديمومته وتطوره ونمائه. وهو الأمر الذي يجب في ضوئه أن يعاد إنتاج الفلسفة التي تقوم عليها أهمية هاتين الهويتين في ضوء المعادلات السابقة، بعيدا عن معاني الشوفينية فارغة المضمون، والمنطواة في تَصَوُّرِ أن تَجَسُّدَ أيٍّ منهما بأيٍّ من مستوياتها هو في ذاته إنجاز تاريخي يستحق التضحية من أجله، ويجب التمسكُ به وإن يكن على حساب صيرورة الصراع في المنطقة.
لم يتعامل مشروع المقاومة – مع الأسف – مع محطات تجسيد الهويات أو تجاوزِها في ضوء الدلالات الإستراتيجية لما يمكن للعبة “لوغو الهويات” أن تعنيه، مكتفيا باعتبار أن المستهدفَ دائما وأبدا هو “الهوية الفلسطينية”، منطلقا في هذا الإحساس الدائم بالاستشهاد والاضطهاد غير الواعي من موضوعية المؤامرة الأولى التي استهدفت هذه الهوية عبر مؤتمر “أريحا”، معتبرا إياها مؤامرةً أزلية التأثير والمحتوى، جاعلا من أسبابها ونتائجها أيديولوجية ترقى إلى مصاف المعتقدات، متغاضيا عن ديناميكية الحراك المجتمعي الذي يمكنه أن يُحَوِّلَ السقوطَ إلى قاعدة للنهوض، وأن يعيدَ بناء نتائج المؤامرة لتصبح منطلقاتِ تفكيكٍ للمؤامرة ذاتها، كما فعل الأردنيون والفلسطينيون حينما تجاوزوا الأهداف المُتَوَخاةِ إمبرياليا وصهيونيا من مؤتمر أريحا، محولين إياه إلى قاعدة صلبة لعلاقةٍ راسخة بين “الهوية الأردنية” و”الهوية الفلسطينية” بشكل أربك كل المخططات الوظيفية في الإقليم، عندما انطلق العمل الفدائي في منتصف ستينيات القرن الماضي. 
إن فشلَ مشروع المقاومة في تشخيص أهمِّيَّة الهويات، ودلالات تَجسُّدِها واختفائها، وميكانيزمات استخدامها المُثْلَى لدى كلٍّ من المشروع الإمبريالي ومشروع مقاومة الإمبريالية، جعله يُجَيِّرُ كل أسسه ومنجزاته لخدمة الفكرة الخاطئة السابقة التي انطلق منها في توصيف علاقة تَجَسُّدِ “الهوية الفلسطينية” في ذاتها، بالحق والعدالة في ذاتهما. ولم ينتبه، ولا هو أراد أن يقبل بفكرة أن أولَّ تجسيدٍ حقيقي لـ “الهوية الفلسطينية” خلال الأزمات المفتعلة بين النظام الأردني والثورة على مدى النصف الثاني من عقد الستينيات كاملا، كان هو أول إسفين دُقَّ في نعش “القضيىة الفلسطينية”، التي كانت الهوية الأردنية الثائرة والمقاوِمَة والحاضِنَة للهوية الفلسطينية، هي القادرة وحدها في تلك الفترة على تغيير كل مجريات الأحداث المتعلقة بها باتجاه التحرير الحقيقي وقيادة الثورة العربية الكبرى الحقيقية، طليعة النهضة والتحرر والوحدة. إن المقاومة حتى الآن لا تريد أن تعترف بأن النظام الأردني دفعَها بذكاءٍ إلى شَرَكِ الخروجِ من عباءةِ “أردنية المقاومة” والعبور إلى عباءةِ “فلسطينية المقاومة”، فوقعت فيه لتُدْخِلَ القضيةَ والصراعَ منذ ذلك الحين إلى أنفاقٍ مظلمة، لا ننفك نتخلَّصُ من أحدها حتى يواجهنا الآخر بإظلامٍ أشد.
وبالعودة إلى الأزمة التي نحن بصدد تحليلها، ألا وهي أزمة تشرين ثاني 1968، تَتَبَدَّى لنا بوضوح سذاجةُ مشروع المقاومة، ونحن نفترض حسنَ النِّيَّة دائما، ونتجنب افتراضَ الشراكة الواعية في “مؤامرة السَّطْو” على “ثورة الشعب الأردني”. فإذا كان النظام الأردني يفعل ما يفعله متساهلا اليومَ فيما كان مُتَشَدِّدا فيه بالأمس، وفيما سيصبحُ أكثرَ تشَدُّدا بخصوصه لأسباب موضوعيةٍ مفهومةٍ في ضوء الوعي بدوره الوظيفي، في الغد، فيتفاوض مع “منظمة التحرير” فيما يُفْتَرض أنه أزمة داخلية، فعلى أيِّ أساس تقبل حركة “فتح” أو غيرها من منظمات المقاومة الأردنية أن تكونَ منظمةُ التحرير شريكة لها في التفاوض مع النظام الأردني، حول قضايا تخص مقاومتَها للاحتلال، وهي كما كان حالها وواقعها – أي منظمة التحرير – جهة لا تمثل الأردنيين بل تمثل الفلسطينيين، ضمن سياقات لا تعطيها الحق في التفاوض مع النظام الأردني حول شؤون تتعلق بالمقاومة المنطلقة من على أرضه وبشعبه لتحرير المحتل من أرضه. أليس هذا شكلا من أشكال القَبول من قبل الطرفين بالتدخل في أمور يُفْتَرَض أنها تمسُّ السيادة الوطنية للأردن؟!      
في واقع الأمر لا يبدو أن ما فعله النظام الأردني وقبلته حركة “فتح” دون أيِّ اعتراض، سوى أنه كان يناغشُ لدى قادة الحركة ولدى قادة المقاومة بالتالي، فكرةً دفينةً كامنةً في لاوعيهم حول دور “الهوية الأردنية” ومؤتمر أريحا في ابتلاع الهوية الفلسطينية، انطلاقا من تَصَوُّرٍ أيديولوجي ماَّ حول الدور الوظيفي لهذه الدولة ولهذه الهوية، وهو التصور الذي كان على ما يبدو بمثابة أيديولوجيةٍ مُؤَجَّلَة لدى المقاومة دونما أيِّ قدرةٍ على تَبَنِّي مواقف أيديولوجية ديناميكية كتلك التي حررت الهوية الأردنية من وظيفيتها المفترضة لتصبحَ هي الهوية التحررية القائدة والأم.
إن الفكرة التي بدأ النظام يلعب على وترِ إبرازها وتغذيتها بذكاءٍ ودهاءٍ، هي فكرة “فلسطينية” هوية الضفة الغربية المحتلة، و”فلسطينية” المقاومة التي تستهدفُ تحريَرها وتحريرَ كامل الأراضي الفلسطينية بالتالي. المقاومة من جهتها لم تتعامل مع ما بدا تساهلا من النظام في مسألة “الهوية الفلسطينية” – التي نَحَرَها في مؤتمر أريحا – بوصفه حلقةً في مؤامرةٍ وفي خطةٍ تستهدفُ إحداثَ الشرخِ المطلوب إحداثُه للتمكن من الانقضاض على المقاومة، وهي عارية من “أردنيتها” الصلبة، غارقة في “فلسطينيتها” الخداج والتي هي بطبيعتها هويةً خداج من الناحية السياسية دائما، وهو ما أثبته تاريخ القضية منذ خروج المقاومة من الأردن وحتى الآن.
إن عدم تعاملِ المقاومة مع ما راح النظام يمارسه بدهاء غير مسبوق، بالشكل المُفْتَرض للتعامل من قبل من يخطِّطُ لأن يكونَ طليعةَ أمَّةٍ في معركة التَّحَرُّرِ والنهضة، يعود إلى عدم النضج الأيديولوجي المتعلق بتصور قادة المقاومة ومنظِّريها للمهام الوظيفية للهويتين الأردنية والفلسطينية على حدٍّ سواء. إنه شكل من أشكال الافتقار إلى النضج قائمٍ على عدم القدرة على تَصَوُّرِ “الهوية الفلسطينية الشهيدة” المنحورة على عتبات القُطْرِيَّة العربية الوظيفية، والمُقَدَّمَة قربانا للإمبريالية والصهيونية منذ عام 1948، مُضَرَّجَةً بدماء الشهيد “عبد القادر الحسيني” ورفاقه الانتحاريين في “القسطل”.. نقول.. إنه افتقار إلى النضج قائمٌ للأسباب المذكورة على عدم القدرة على تَصَوُّرِ “الهوية الفلسطينية” قابلةً لأن تكون هي بدورها عجينة وظيفِيَّة يتمُّ استخدامُها كما تم استخدام “الهوية الأردنية” من قبل، وللأغراض الصهيونية الإمبريالية ذاتها، بلا أدنى فرق بين الاستخدامين.
وهكذا راحت المقاومة تبتلع الطعمَ يوما بعد يومٍ وأزمة في عَقِبِ أزمة، وتَسْعَد بكل خطوةٍ تدفع بها نحو “فلسطينيتها” التي راحت تَتَخَلَّق وتتكون في الخفاء والعلن على حساب أردنيتها، متصورةً أن هذا الذي راحت تتمسك به وتدافع عنه وتفرح به، هو مُنْجَزٌ من منجزاتها، فرضته البندقية التي أجبرت النظام على الاعتراف التدريجي بفلسطينيتها، دون أن يخطر على بالها أن النظام هو من كان يدفعها إلى ذلك دفعا لتنفيذ خطته التي كانت أنضج ما تكون لجني ثمارها مع حلول أيلول عام 1970.
لم يقف دهاء نظام “الملك حسين” عند هذا الحد، فيما بدا من طريقةِ تعاطيه مع أزمة تشرين ثاني 1968، بل هو تجاوزه إلى ما هو أعمق دلالةً وأشد تأثيرا من ذلك. فمادام يحرص على اكتشاف مستويات الإحساس بالأردنية والفلسطينية لدى قادة المقاومة، لمعرفة الفضاء الذي وصلت إليه الخطة المرسومة، ومادام يُجَهِّزُ جرعاتِه المتناسبة مع مستويات هذا الإحساس في مرحلةٍ معينة، لمفاقمته في مرحلةٍ لاحقة، فقد كان لابد له من أن يفعلَ ذلك من خلال تَحَرُّكِه على أكثر من مستوى.
لقد حرص النظام على إشعار الطرف المفاوِضِ له في “منظمات المقاومة” بأنه ليس “أردنيا”، وبأنه يمثل طرفا آخر غير “أردني”، وإن يكن بشكلٍ خجول ومتدثرٍ بالتلاعب بالكلمات ومختبئٍ وراء الإشعار بالنِّدِّيَّة الداعية إلى الاعتداد بالأنا وبالاغترار بالذات المُتَخَيَّلَة، كي لا يكون الطرح مستفزا وصارخا، إذا كان فجا في رسميته، خصوصا في هذه المراحل التأسيسية لعناصر “جريمة السَّطْوِ”.
إنه أراد اختبار الإحساس بالهوية الفلسطينية إلى أين وصل وإلى أيِّ مدى ارتقى، والإحساس بالهوية الأردنية إلى أيِّ قدر تلاشى وتضاءل، لدى ممثلي مشروع المقاومة، فضلا عن تفعيل هذا الإحساس وفي اتجاهيه “الفلسطيني الصاعد” و”الأردني الهابط”، كي يحقنَ الخطةَ المرسومة بكل عناصر النجاح. فهو – أي النظام – حرص في كل اتفاقاته مع قادة المقاومة، وفي كل بلاغاته إليهم، وفي كل قراراته بشأن الأزمة، بل وفي كل تصريحاته المتعلقة بشؤون المقاومة خلال الأزمة وبعدها، على وصف الأمر على أنه يتعلق بطرفين هما “المقاومة” التي كان دقيقا بعدم وصفها بالفلسطينية، لأن الوقت لم يكن قد حان بعد، و”الحكومة الأردنية” التي حرص على تمييزها عن الطرف الآخر الذي هو “المقاومة” بكل وضوح، وذلك بنسبةِ كل ما يتعلق بها إلى اسم الدولة العلَم. فهو يتحدث عن “منع المرور في الشوارع الأردنية”، و”تسيير دوريات أردنية”، و”تسليم أنواع من الأسلحة تعتبرُ الحكومة الأردنية أنها تمس بالأمن”، و”الاتصال بين الحكومة الأردنية وقادة المنظمات”.. إلخ.
ترى، في أيِّ عُرْفٍ، وبناء على مفردات أي لغة، تَتِمُّ مخاطبة المواطنين – بصرف النظر عن مواقعهم والمسافات التي يقفونها من النظام قبولا أو رفضا، موالاةً أو معارضةً – بإضافة الاسم العَلَم للدولة حين ذكر الحكومة والمرافق والمؤسسات.. إلخ. هل يُمْنَع المواطن الأردني المسَلَّح، من السير بسلاحه في الشوارع، بأن يقالَ له: إياك أن تسير بسلاحك في الشوارع الأردنية؟ أم بأن يقال له: إياك أن تسير بسلاحك في الشوارع؟ وعندما نريد إخباره بأن هناك دورياتٍ مسلحةً سوف يتم تسييرها لضبط الأمن، هل نخبره بذلك بقولنا له: سوف يتم تسيير دوريات أردنية لضبط الأمن؟ أم بقولنا: سوف يتم تسيير دوريات لضبط الأمن؟ وعندما يراد توقيع اتفاق بين طرف أردني وبين الحكومة، فهل يشار إلى ذلك بالقول بأن هذا ما اتفقت عليه الحكومة الأردنية مع الجهة الفلانية؟ أم بالقول بأن هذا ما اتفقت عليه الحكومة مع الجهة الفلانية؟
إن الحكومة الأردنية أو أي جهة تُمَثِّلُها، لا يَصِحُّ لها لا عرفا ولا لغة، ولا يستقيم لها حتى من الناحية القانونية المنطقية المُنْطَوِيَة على حدٍّ معقول من جزالةِ اللفظ القانوني، أن تضيفَ إلى نفسها كلمة “أردني” أو “أردنية” أو أيٍّ من تركيبات وبُنى هاتين الكلمتين، إلا عندما تكون بصدد الحديث أو الحوار أو الاتفاق مع جهة غير “أردنية”. أما عندما يكون أيٌّ من ذلك يحدث مع جهةٍ أردنية، فإن إضافة أيٍّ من تلك الكلمات يغدو بلا معنى، ونوعا من الركاكة في التعبير، وتَزَيُّدا في الوصف يضعف دلالتَه ويشكِّك فيها.
وإذن فما لا شك فيه..
أن الإصرارَ على أنَّ منعَ المرور في الشوارع بالسلاح، إنما هو منعٌ له في “الشوارع الأردنية”، دون الاكتفاء بذكر لفظة “الشوارع” لإيصال الفكرة، لمن يُفترض أنهم مواطنون أردنيون، يدركون أن كلَّ الشوارع المقصودة لن تكون من بينها شوارع تقع في “سوريا” أو في “مصر” أو في “العراق” أو حتى في “فلسطين المحتلة”، هو إصرار مقصودٌ، يعزف على وترِ توطينِ فكرةِ “لا أردنية المقاومة” في اللاوعي، بهدف التأسيس لها في الوعي لاحقا، عبر الإشارة العابرة إلى أن الحديثَ لا يدور عن  شوارع الوطن المشترك الذي يضم الطرفين تحت لواء الهوية الواحدة، وكي تصلَ هذه الفكرة من ثَمَّ إلى جميع الأطراف وإن يكن بمستوياتٍ متباينة يفرضها قربُ أو بعدُ كلٍّ طرف منها عن الإحساس بأردنيته أو بفلسطينيته، ألا وهي فكرةُ أن الطرف الآخر الذي تخاطبه الحكومة، موجودٌ في شوارع ليست شوارعَ دولته.
وأنَّ الإصرار على أنَّ تسيير الدوريات المسلحة، إنما هو تسييرٌ لـ “دورياتٍ أردنية”، دون الاكتفاء بكلمة “دوريات” لتبليغ المراد، لمن يُفترض أنهم مواطنون أردنيون يفهمون أن وطنهم الذي لا وجود فوق أراضيه لقوات أجنبية، لن تُسَيَّر فيه غير الدوريات الأردنية، حتى لو كانت مشتركة بين الجيش والمقاومة، هو إصرارُ من النوع الذي يريد الإشارة بشكلٍ ضمني إلى أنها قد تكون دورياتٍ لغير الأردنيين، أو أنها قد تكون دورياتٍ مشتركةً بين الأردنيين وغيرهم، تُسَيَّرُ على الأراضي الأردنية، فيما لو كان الطرف الآخر الذي هو المقاومة، هو من يسيِّرها، أو إن كان شريكا في تسييرها على الأقل.
وأن الإصرار على أنَّ استمرار التواصل بين الحكومة وقادة المنظمات، إنما هو تواصل بين تلك المنظمات و”الحكومة الأردنية”، دون الاكتفاء بذكر كلمة “الحكومة” التي لا وجود لغيرها في الأردن، والتي كانت هي حكومة كلّ الأردنيين، للدلالة على المقصود، إنما هو إصرارٌ يهدف إلى استحضار شبحِ الفكرة التي بدأت تُؤَسِّسُ لها تلك الأزمات المفتعلة من قِبَل النظام، ألا وهي أن تلك المنظمات لا تتحاور ولا هي تتفق مع حكومتها الشريكة لها في الوطن والهوية، وإن اختلفت معها بعد ذلك في الرؤى والبرامج والسياسات إلى حد التناحر، بل هي تتحاور وتتفق مع حكومة أردنية بصفتها – أي المنظمات – أطرافا غير أردنية، موجودة بالشكل الخطأ، في المكان الخطأ، الذي يُؤَسِّس للحالة السُّلْطَوِيَّة الخطأ.. إلخ.
إن الإصرار على هذا الشكل من الخطاب عند التَحَدُّث مع المقاومة، أو مع الشعب عند ذكرِ المقاومة، إنما ينطوي على رسائل واضحة، تُجَسِّدُ لأيديولوجيةِ النظام الأردني الصاعدة، التي كان يحاول استحضارَها من الأرشيف “السايكسبيكوي” البائد، بهدفِ إعادة إنتاج الهوية الأردنية وتأسيسها من جديد في ضوء مبادئها الاستعمارية، بعد أن انتصر عليها الأردنيون في منتصف عقد الستينيات من القرن الماضي بتثوير هويتهم ونحرِ وظيفيتها، وهي الأيديولوجية التي تنطلق من فكرة أن الطرف الآخر في الخطاب الرسمي للنظام، والذي ليس هو “الحكومة الأردنية” التي كانت تتحدث عن “الدوريات الأردنية”، وعن “الشوارع الأردنية”، وعن “المؤسسات الأردنية”، هو في نهاية المطاف طرفٌ ليس أردنيا من حيث المبدإ. 
وإذا كان النظام الأردني يؤسس لإعادة إحياء أيديولوجيته السايكسبيكوية المندثرة، ويُمَهِّدُ لعمليه سطوِه الكبرى على ثورة الأردنيين ويُجَهِّزُ لها، بتلك الأزمات وما يرافقها من تحركات وخطابات، فإن قادة المقاومة كانوا يبلعون الطعمَ دائما، إلى أن جاءت القاضية، متصورين أن الإشارات الضمنية لـ “لا أردنيتهم” في الخطاب الرسمي للنظام، هي عبارة عن تراجعاتٍ كان يضطر إليها هذا الأخير تحت زخم المقاومة وثقل الإصرار على البندقية التي راحت تسهم بشكل تلقائي في التأسيس لتجسيد فلسطينية المقاومة.
لقد كانوا يفهمون أن هويتَهم “الفلسطينية” آخذةٌ في التَّجَسُّد شيئا فشيئا صوبَ الانتصار على ما اعتبروه دائما وأبدا مؤامرة مؤتمر “أريحا” الذي كان أول إسفين يُوَجَّهُ إلى هذه الهوية، عبر ما راحوا يشاهدونه في مواقف النظام ولغة خطابه من تنازلاتٍ قد تكون ضمنية وقد تكون مباشرة، كانوا يعتبرونها تنازلاتٍ تستجيب لإرادتهم باستمرار باعترافاتها المتتابعة بهويتهم. وما كان خندقهم الأيديولوجي المتمترس حول قداسةٍ مزعومة لـ “الهوية الفلسطينية” التي اعتبروا تَجَسًّدَها هو “تيرموميتر” التقدم في مجابهة الصهيونية والإمبريالية، قادرا على استيعاب جوهر الأيديولوجية الحقيقية التي كان يتحرك في قلب معطياتها، النظام القُطْرِي الوظيفي الأعتى في المنطقة آنذاك، الا وهو النظام الأردني(20).
فمع كل خطوة كان يخطوها النظام دافعا بالهوية الفلسطينية نحو التَّجَسَّدِ لتصبحَ هي الوعاء الحاضن للمقاومة بدل “الهوية الأردنية”، كان يشعر بالانتصار، وبقرب نهاية الأزمة التي فرضها الأردنيون على المشروع الإمبريالي الصهيوني. وفي المقابل ومع كل خطوة من تلك الخطوات، كانت المقاومة تشعر بالانتصار أيضا. لكن الحقيقة أن النظام هو الذي كان مُحِقا في شعوره، لأنه كان شعورا مؤَسَّسا على رؤيةٍ صحيحة لمكانةِ الهويات الحقيقية في هذا الصراع، بينما شعور المقاومة كان زائفا وبعيدا عن ملامسة جوهر الصراع في الجانب المتعلق منه بلعبة “لوغو الهويات”.
وكان الفيصل هو أيلول 1970، حيث انتصر النظام بذكائه المتراكم، فيما هُزِمَت المقاومة برؤيتها السَّطحية الغيبية التي قامت على اعتناقِ دين اسمه “الهوية الفلسطينية المقدسة” التي يعتبر المساس بها مساسا بالحق والعدل دائما وأبدا. فبدلَ أن ينتهي النظام الأردني إلى زوالٍ مُؤَسِّسا بزواله لأكبر قاعدةٍ آمنة لمشروع التحرير والوحدة العربيين تحت العباءة الأردنية وانطلاقا من طليعيتها، تضاءلت إلى أن انتهت المقاومة الأردنية، بعد أن أصبحت فلسطينيةً راح كل المتآمرين والوظيفيين يتقاذفونها من هنا إلى هناك، دون أن يسمحوا لها بتحقيق أيِّ هدف من تلك التي تَصَوَّرَ صُناع المشروع الفلسطيني أن تجسيدَ هويتهم عبر تنظيف المقاومة من اللون الأردني وتلوينها باللون الفلسطيني، قادرٌ على تحقيقها.
لقد كشفت تداعياتُ أزمةِ تشرين ثاني 1968 عن أمرٍ خطير آخر، كان يعمل في الاتجاه العام الذي تحدَّثْنا عنه وأسهبنا في شرحه وتحليله فيما مضى. فخلال المفاوضات التي كانت تدور بين حركة “فتح” و”منظمة التحرير” من جهة، و”النظام الأردني” من جهة أخرى، كما تبين لنا من توثيقنا ليوميات الأزمة، لم تَظْهَرْ المنظمة كطرفٍ معارض لسياسات النظام، وكان المعارض الوحيد لتلك السياسات هو حركة “فتح” بصفتها تمثل ذروةَ سنامِ المقاومة المستهدَفَة بقرارات النظام وإجراءاته المختلفة. ولا يهمنا في هذا السياق، لماذا لم تعارض المنظمة تلك السياسات أو تعترض على تلك القرارات التي كان واضحا أنها تستهدفُ الحدَّ من أعمال المقاومة، فهذا أمر نحسبه مفهوما وليس هنا مجال تحليله في كل الأحوال. إن الذي يهمنا هو أن نعرف كيف أَثَّرَت سياساتُ المنظمة السلبية على المقاومة، من حيث إسهامها في إنجاح جريمة السَّطْوِ التي كان يُمَهِّدُ لها النظام الأردني.
فمنظمة التحرير الفلسطينية هي التجسيد القانوني المؤسسي الرسمي للهوية الفلسطينية في تلك الفترة. وبما أن المقاومة الأردنية راحت تستشعرُ فلسطينيتَها شيئا فشيئا بفعل سياسات النظام الدافعة إلى ذلك، دون وعي من المقاومة بخطورة ما يحدث، فإن قادة هذه المقاومة وهم ينَقِّلون أنظارهم بين ثورةٍ قائمة متناميةٍ لا يريدونها أن تُمَسَّ، حتى وهي تتخلى بالتدريج عن أردنيَّتِها الأم الحاضنة، وهويةٍ فلسطينية متجسِدة قانونيا يريدونها أن تُثَوَّرَ حتى وهي مُقَيِّدَة بالقرار العربي الرسمي، كي تلتقي المقاومة مع المؤسسة في قلب المعركة..
نقول.. إن قادة المقاومة وهم يفعلون ذلك، ما كان أمامهم غيرُ الإمعان في استشعار فلسطينيتهم وفلسطينية مقاومتهم وثورتهم، ليتّجهوا بهذا الشعور نحو جسم المنظمة، كي يسحبوه نحوهم ويُثَوِّروه ويوَرِّطوه في المعركة، ويحرروه من ثمَّ من رسميته ولا ثوريته التي أسهمت في إنشائها المنظومة العربية. لقد فهمَ قادة المقاومة أن هويتَهم الجديدة – الفلسطينية – التي كانت قيد التَّخَلُّق في رحم الهوية الأردنية الثائرة، بحاجةٍ إلى جسم له صفة قانونية معترفٍ بها، بعد أن أصبحت لقضية الاعتراف والقانونية أهمية قصوى في عرف المقاومة، بسبب نهجها الجديد القائم على انتزاع “الهوية الفلسطينية” من أكفان الموت لبثِّ الحياة فيها، وهو ما يحتاج إلى رعايةٍ واعترافٍ وحاضناتٍ جديدة غير تلك الحاضنة الموجودة والدافئة والواسعة والثائرة فعلا، الا وهي الحاضنة الأردنية.
إن قادة المقاومة الأردنية وهم يتحركون بثورتهم الأردنية نحو هوية جديدة، بدأوا يدركون أن الهوية الأردنية التي ستولد من رحمها هويتهم الثورية الجديدة هذه، لن تكون صالحة من الناحية القانونية كي تحتضن هذه الهوية، لأن هذه الأخيرة أصبحت أو ستصبح “فلسطينية”، وبالتالي فالحاضنة القانونية لهذه الهوية الجديدة هي “منظمة التحرير الفلسطينية”. ومن هنا بدأ العمل وعلى وجه السرعة لخلق العناصر المساعدة على التزاوج بين الفعل الثوري المقاوم الذي يولد من جديد بهويته الفلسطينية، والمؤسسة القانونية الشرعية التي تصلح أن تكون وعاءً رسميا معترفا به لهذه الهوية الثورية الناشئة، ألا وهو منظمة التحرير.
بطبيعة الحال لا يمكن لمقاومة فلسطينية أن تملكَ الحق في إسقاط “نظام أردني”، لأن إسقاط هذا النظام هو من حق “المقاومة الأردنية” و”الشعب الأردني” وحدهما. وبقدر ما وَعَى النظام هذه الحقيقة وعمل على منح المقاومة صفة “فلسطينية” ليهبَها لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويحمي نفسه قانونا من تبعات ثورة الشعب الأردني، بقدر ما أمعنَت المقاومة في التَّخَنْدُقِ والتَّمَتْرُسِ في عباءةِ فلسطينيتها المُتَخَلِّقَة حديثا، والتي كانت هي السبب القاتل الذي فصلها عن الشعب الأردني الذي أصبح معنيا بعد هذا الانفصال الفاجع بالعمل على حماية هويته التي تخلت عنها المقاومة، بل وإلى حدٍّ كبير على حماية النظام الذي أظهر نفسه وكأنه يدافع عن هذه الهوية من المقاومة نفسها، بعد أن تنكرت لها هذه المقاومة، وراحت تحاول القفز عليها. وهو ما عجزت المقاومة عن أن تظهرَ بغير مظهره بعد أن أصبحت “فلسطينية”، وبعد أن غرقت في أناها “الهوياتي” المُضَلِّلة.
فما أفجع الكارثة التي سبَّبَها فصلُ المقاومة عن أردنيتها، وتلوينها باللون الفلسطيني عبر ربطها بمنظمة التحرير الفلسطينية. والفجيعة التي نتحدث عنها في هذا المقام هي فجيعةٌ عندما تقاسُ الفجائع بالمعايير القومية والوطنية والتَّحَرُّرِيَّة والوحدوية والقدرة على المقارعة الحقيقية للعلاقات الإمبريالية والصهيونية والقُطْرِيَّة في المنطقة، بعيدا عن الشعور الأجوف بتحقيق الإنجازات في تجسيد هوياتٍ لا معنى لتجسيدها غير الهوان والتراجع والدمار، وترحيل القضايا والحقوق وكل عناصر الحسم.
فضلا عن كل ما سبق، فإن هناك ثلاثَ وقائعَ رافقت أزمةَ تشرين ثاني 1968، جَسَّدَت سياسةَ النظام الأردني سالفة الذكر، ورَفَدَت أيديولوجيته الصاعدة بِحُقَن المشروعية، وهي السياسة التي بدا أنها مدعومةٌ من ذروة سنام الأنظمة العربية، ألا وهو نظام الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر”. فمن بين تداعيات الأزمة داخليا، نجدُ قيامَ رجال البادية بمنعِ عبورِ الفدائيين إلى الأردن من الأراضي السورية، ونجدُ أنهم يهاجمون المخيمات فقط من بين كافة الأماكن العمرانية الأردنية الآهلة بالسكان في تعاملهم مع مواقع المقاومة. أما خارجا فيفاجِئُنا الرئيس “جمال عبد الناصر” بموقفٍ يعلنُ فيه بوضوحٍ لا يحتمل أيَّ تأويل، أن “السيادة الأردنية” أمرٌ غير قابل للمساومة في سياق أيِّ عملٍ مقاومٍ من الأردن.
إن الفدائي المنضوي تحت لواء المقاومة الأردنية، لو كان يُعتبر في عُرْفِ النظام أردنيا لما جاز تحت أي ظرف منْعُه من العودة إلى وطنه، حتى لو نتج عن عودته أن يُعتقل أو يُحاكم. أما أن يُمْنَعَ من دخول الأراضي الأردنية وهو قادم من سوريا حتى لو كان متسللا يُهَرِّبُ السلاحَ بعيدا عن أعين رجال حرس الحدود، فهذا يعني قطعا أن النظامَ يريد إرسال رسالة واضحة إلى كلّ من يهمه الأمر، ألا وهي أن الفدائي المقاوم لإسرائيل وغيرَ الموافق على أجندةِ النظام في التعامل مع حالة الاحتلال ليس أردنيا، لأن المقاومة أساسا ليست أردنية، بل هي “مشروع فلسطيني” كان متدثرا بالعباءة الأردنية، وعليه أن يعود إلى أصله كي يخفف العبء عن الهوية الأردنية التي تَحَمَّلَت تبعاتِ احتضانه، احتكاكا متواصلا مع إسرائيل هي في غنىً عنه.
وبالتالي فمن حق السلطات الأردنية أن تمنَعَه من عبور أراضيها التي وصفتها في هذا السياق بأنها “أراضِ أردنية”، للتأصيل لكون الطرف المقابل غيرَ أردني. والنظام إذ يفعلُ ذلك فتحتَ عنوان ممارسة حقِ السيادة على الإقليم. إن هذه الواقعة تُعَدُّ شكلا صارخا من أشكال الإسهام في تحرير “المقاومة الأردنية” من عقدة الخوف والحرج من التمَلُّص من “هويتها الأردنية”، لمساعدتها على الانحياز لهويتها الفلسطينية الأصلية التي كان تجسيدُها على أرض الواقع هدفا من أهداف النظام في معركة دفاعه عن وجوده في تلك المرحلة.
أما الاقتصار في مهاجمة المقاومة على التعامل مع مواقعها في المخيمات دون المساس بمواقعها الأخرى المنتشرة في المدن والقرى التي لا وجود فيها للاَّجئين، والتي فيها بعض النازحين عقب حرب 1967، والكثير ممن يعرفون في المصطلحات القُطْرِيَّة والفئوية بـ “الشرق أردنيين”، فهو حراك باتجاه الذهنية الأردنية. لقد بدا النظام حريصا من خلال الممارسة، على تأكيد “الهوية الفلسطينية اللاجئة” للمقاومة، فهو بتجنُّبِه مهاجمة مواقع الفدائيين في المدن والقرى الأردنية البعيدة عن مخيمات اللاجئين، إنما يقول أن المقاومة إنما هي مقاومة هؤلاء اللاجئين الذين تحدث عنهم قرار التقسيم 181، والقرار 194 المتعلق بحق العودة، والذين أُنْشِئَت “منظمة التحرير” لتمثيلهم والتحدث باسمهم والعمل على إعادتهم إلى أراضيهم التي طردوا منها، وبالتالي فإن نشاطهم العسكري انطلاقا من الأراضي الأردنية هو نشاط في غير مكانه الصحيح.
إننا مجددا ودائما أمام الفكرة نفسِها التي تعمل سياساتُ النظام على تكريسها وتثبيتها، سواءٌ في أذهان قادة المقاومة، أو في أذهان من راح هذا النظام يهيئهم ليكونوا هم الأردنيين، مادةَ الهوية الأردنية الوظيفية المرتقبةِ إعادةُ إحيائها من الركام الأرشيفي لخريطة “سايكسبيكو”، إنها فكرة “فلسطينية المقاومة” و”لا أردنيتها”. وإن النظام كي لا يقع في المنطقة الوسطى التي قد تختلط فيها الأمور على المراقب وعلى المستهدَف إذا تعامل مع النازحين أبناء الضفة الغربية، أو مع “الشرق أردنيين” أبناء الضفة الشرقية، من أتباع وأنصار ومادة المقاومة، فإنه حرص على أن تصلَ رسائِلَه واضحة عبر استهداف اللاجئين الذين هم فعلا رغم أردنيتهم بعد مؤتمر “أريحا”، المادة التي يمكن التلاعب بها بسهولة في مسألة “لوغو الهويات”.
أما موقف الرئيس “جمال عبد الناصر” فقد مثَّل ثالثةَ الأثافي في سياق تسهيل مهمة النظام الأردني وهو يمارس لعبة “لوغو الهويات”. فعبد الناصر بما له من ثِقَلٍ جماهيري لا ينكره أحد لدى كافة الشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب الأردني الثائر، ما كان لموقفه ألا يكون مؤشرا على الوجهة المرتقبة للأحداث في الساحة الأردنية. فإذا كان النظام الأردني يتحرك في حقل الألغام الرابط بين الشعب الأردني والمقاومة الأردنية بحذرٍ شديد، كي لا يخسرَ المواقعَ، وكي لا ينقلب السحر على الساحر، وكي تبقى الخطة المرسومة سائرةً بانسياب، فلا تخرج عن قضبان سكَّتِها، فإن مساندتَه – أي هذا النظام – بموقفٍ واضحٍ من زعيم الأمة، ورائد القومية العربية، ومُحَرِّرِ الجزائر واليمن، ومُكَتِّلِ شعوب العالم الثالث بعيدا عن الأحلاف العالمية الكبرى التي تقاسمت العالم آنذاك، يَحْقِنُه بجرعاتٍ من القوة ما كان ليحلمَ بها.
إن “عبد الناصر” يُحَذِّرُ أيا كان من المساس بالسيادة الأردنية، في سياق تعليقه على أزمةٍ يُفْتَرَض أنها داخلية وأبعد ما تكون عن مثل هذا المساس بالسيادة، لأنها أزمةٌ نشبت بين نظامٍ وفئةٍ مقاومةٍ من شعبه يلتف حولها هذا الشعب. ومع أن المقاومة لم يَرُقْ لها أن تسمعَ من زعيم الأمة أيَّ مظهرٍ من مظاهر الحرص على هذا النظام الرجعي البائس الذي طالما قَرَّعَتْه إذاعة “الشرق الأوسط” و”صوت القاهرة”(21)، إلا أن خطورةَ الموقف لا تكمن في عدم الوقوف إلى جانب المقاومة، وتحري مساندة النظام في الكثيرِ من مواقفه خلال الأزمة. فحتى النظام الأردني لم يلتقط من رسالة “عبد الناصر” هذه الفكرة بالذات ليفرحَ لها بمعناها السطحي المباشر ذاك، معتبرا أنه تلقى مساندةً غير مسبوقة من رجل لا يستهان به، وذلك نظرا لضآلة أهمية هذه الفكرة في سياق طبيعة المعركة التي يخوضها النظام ضد المقاومة الأردنية، والتي هي معركة تبادل مواقع هويات بالدرجة الأولى، وليست معركة نظام مع معارضة شرسة تنافسه على السلطة.
إن أخطر ما في تصريح “عبد الناصر” هو ذلك الأمر الذي يخدمُ خطةَ النظام الأردني في تفريغ المقاومة من أردنيتها، تمهيدا لنسبتها إلى فلسطينيتها. إن الرئيس “جمال عبد الناصر” بحديثه عن السيادة التي يجب ألا تُمَس، إنما يعلن اعترافَه بأن الثورة ليست أردنية وبأن المقاومة فلسطينية. لأنه لو كان يعترف بأردنيتها لما جاز له أن يتحدث عن الأزمة الحاصلة بين النظام والمقاومة في الأطر السيادية، فالخلاف بين نظامٍ وشعبه، أو بين نظامٍ ومعارضين لسلطته، ليس خلافا على السيادة، ولا يَمَسُّ بها، لأنه عند كل المتنافسين على السلطة، حتى لو كان تنافسا ضد سلطة النظام نفسه، يجب أن يبقى خلافا خارج المساس بهوية الوطن المعترف بها من قبل الجميع والتي هي رمز السيادة فيه.
ومع أن الخلاف بين “الملك حسين” ونظامه من جهة والمقاومة من جهة أخرى، كان خلافا من هذا النوع السياسي وإن يكن جذريا وعميقا، وهو بالتالي أبعد ما يكون عن الأطر السيادية التي تتعلق بالهويات، إلا أن النظام كان حريصا على تصوير الخلاف بينه وبين المقاومة على أنه خلاف سيادي كيَ يسحبَ عن المقاومة صفتها الوطنية الأردنية، وليتمكن من ثمَّ من التعامل معها في الأطر السيادية على قاعدة أنها تمس بالسيادة بحكم أنها تمارس أعمالا هي من صميم السيادة الوطنية على أرضٍ ليست أرضها.
وهذا على وجه التحديد هو ما جاء موقف الرئيس “جمال عبد الناصر” ليساعدَ النظام في عَماَّن على تحقيقه من زاويتين، الأولى هي زاوية الدعم الذي تلقاه من زعيم الأمة للتعامل مع المقاومة الأردنية باعتبارها فلسطينية، والتمهيد لكل ما يساعد على تكريس هذه المعادلة، والتعامل من ثمَّ مع كل تداعياتها بالشكل الذي يفرضه مفهوم المساس بالسيادة. أما الثانية، فهي ما يعنيه موقف الرئيس عبد الناصر من دفعٍ للمقاومة التي راحت تستشعر فلسطينيتها بفضل سياسات النظام الأردني شيئا فشيئا، إلى تفعيل استشعارها ذاك.
وبكلمة حاسمة، فإن موقف الرئيس “جمال عبد الناصر”، وضعَ النظام والمقاومة على مفترق طرق حاسم أُثْلِجَ فيه صدرُ النظام وهو يرى أردنيةَ المقاومة تتهاوى، وفلسطينيتها تتنامى، في إطارٍ أيديولوجي أعلن عنه الرئيس الزعيم، ما سَهَّلَ على النظام خوضَ باقي مستويات المعركة المؤدية إلى لحظة الضربة القاضية في أيلول 1970.
وهو أيضا مفترق طرقٍ أَطْلَقَ العنانَ للمقاومة كي لا تتحرج كثيرا من استشعار وتجسيد هويتها الفلسطينية. ولكن – مع الأسف – دون أن تخرجَ في تصوُّرِها الأيديولوجي للموضوع عن الإطار التقليدي الساذج الذي يتعامل مع الهوية الفلسطينية باعتبارها هوية تكاد تكون ملائكيةً في طهرها ونقائها وبراءتها وتجسيدها للعدالة وللحق، ليسبغَ عليها موقف الرئيس عبد الناصر هالة أرحب من القداسة الوطنية التي لا تُمَس. في حين أن الرئيس رحمه الله ما كان يفكر في أكثر من منح النظام الأردني جرعةً من جرعات البقاء، تضمن لجبهة الحل السلمي تماسكَها وقوَّتَها في مواجهة ما تَصَوَّرَ الجميع أنه حلّ سلمي يلوح في الأفق الذي لم نصل إليه بعد أربع وأربعين عاما من غَذِّ السَّيْرِ باتجاهه.
رغم كل ما قلناه حتى الآن، فإن أزمةَ تشرين ثاني 1968، تجاوزت كلَّ ذلك، ليتجلى واحدٌ من أهم تداعياتها في البدءِ بإعداء البُنى القادرة على استهداف الجسم الشعبي الأردني – وتحديدا الجزء الذي أُريدَ استخدامُه في إعادةِ إحياءِ جثَّةِ الهوية الأردنية الوظيفية، بسبب توفُّر عناصرَ تساعد على تحقيق ذلك في مُكَوِّنات ذلك الجزء – للبدء في تحشيده وتعبئته ضد المقاومة. فالخطة إذا كانت في جانب من جوانبها تقتضي دفعَ المقاومة إلى التحلل التدريجي من أردنيتها ونسبة نفسها إلى فلسطينيتها، فإنها في جانبٍ آخر من جوانبها كانت تقتضي اختراقَ الكتلة “الشرق أردنية” بحسب المصطلحات “السايكسبيكوية القُطْرِيَّة”، وعلى رأسها الكتلة البدوية لأسبابٍ نفسية ومجتمعية، بشكل يساعد على إعادة إنتاجها في ضوء ما بدأ يحدث في جسد المقاومة نفسها من تَجَسُّدٍ لملامحِ نوعٍ من التناقض بين “الأردنية” و”الفلسطينية”.
وهذا ما بدأ بالفعل بعد انقشاع سحاب تلك الأزمة عن قراءةٍ دقيقة لحالة المقاومة في بنائها التنظيمي من جهة، وفي علاقتها بالشعب الأردني من جهة أخرى. فقد بدأت النصائح الأميركية تردُ إلى الملك حسين ومخابراته من السفير الأميركي تَتْرَى، موصيةً بالبدء بإنشاء تنظيماتِ ثورية تعمل أعمال المقاومة، لكنها تُشَوِّهُ سمعتَها وتُظْهِرُ المقاومين بالهيئات والأشكال القميئة المراد الترويج بواسطتها لصورة “الفدائي” و”المقاوم” الذي سيصبح “فلسطينيا” في القريب العاجل، في الأوساط “الشرق أردنية” وخاصة “الريفية” و”البدوية”.
وأخيرا فإننا إذ نَتَفَهُّم كافةَ التداعيات التي رافقت الأزمةَ وتلك التي أعقبَتْها، سواءٌ ما جاء منها على شكلِ مبادراتٍ من النظام الأردني نفسِه، أو ما تخلَّقَ منها جراءَ نصائحَ وتوصيات أميركية وإسرائيلية حينا، وسعودية حينا آخر، لَنَتَوَقَّف مُطَوَّلا عند الموقف المصري الذي عبَّرَ عنه الرئيس “جمال عبد الناصر”. فعندما نتعرف على مواقف مصر من ثورات المغرب العربي وخاصة من “الثورة الجزائرية” في حينها، ومن “ثورة اليمن” بعدها، بل ومن ثوراتٍ أخرى هنا وهناك في إفريقيا وآسيا، هذه المواقف الداعمة والمُتَدَخِّلَة أحيانا وبصورة عسكرية علنية، كما كان عليه حال اليمن، أو كما كان عليه حال الجزائر عقب أحداث عام 1963، يصبحُ من حقنا أن نفهمَ أن الوقوفَ بشكل إيجابي من ممارسات النظام الأردني ضد المقاومة آنذاك، إنما هو بسبب أن “مشروع المقاومة” بهيئته المتنامية يوما بعد يوم، أصبح يعكس شكلا من أشكال السلطة الموازية لسلطة النظام الأردني، وهو من هنا بات يشكل خطرا على الخطة العربية العامة وعلى مشروع السلام العربي أو “الوهم العربي” إن صح التعبير. ناهيك عما يمكن لمشروع المقاومة هذا أن يشكله – في حال ديمومة نمائه وتطوره – من عاملِ تعريةٍ فاعلٍ للعجز العربي، وإثراءٍ للتناقض مع بؤرِ التجزئة والتراجع.
لقد كان الوقوف العربي الواسع ضد مشروع المقاومة، أمرا اقتضته طبيعة الأنظمة العربية التي تصدت لمعالجة الصراع في المنطقة، والمُكَوَّنَة من خليطٍ عجيب عديم التجانس، كشف عن تحالف هشٍّ جمع الرجعية بأبشع صورها القُطْرِيَّة، مع الوطنية المزايدة، مع الوطنية الساذجة، مع الوطنية البراغماتية، مع العمالة الوظيفية، ضد أنبلِ ظاهرة نضالية عرفها الوطن العربي في ذلك الوقت، ألا وهي “الثورة الأردنية” التي أيقن الكل ألا مناصَ كي يتمَّ التخلص من أعبائها، من أن يصارَ إلى تفريغها من “أردنيتها” وربطها بالفلسطينية الناشئة المقدور على السيطرة عليها وتقييد مسارها وتحجيم حَيِّزِ فعلها.
…   يتبع في الحلقة التالية
الهوامش..
1 – (عن جريدة الحرية العراقية، بتاريخ 14/10/1968).     
2 – (عن مجلة الحوادث اللبنانية، العدد الصادر بتاريخ 25/10/1968).
3 – (عن صحيفة الصانداي تيليغراف اللندنية، بتاريخ 13/10/1968).
4 – (كتاب المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني – دراسة تحليلية لهجمة أيلول، إعداد مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، أيلول 1971، اشترك في الإعداد كل من “خليل هندي” و”فؤاد بوراشي” و”شحادة موسى”، بإشراف د.نبيل شعث، سلسلة كتب فلسطينية، رقم 36، ص 40).
5 – (عن جريدة المحرر، بتاريخ 18/10/1968).
6 – (كتاب المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني – دراسة تحليلية لهجمة أيلول، إعداد مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، أيلول 1971، اشترك في الإعداد كل من “خليل هندي” و”فؤاد بوراشي” و”شحادة موسى”، بإشراف د.نبيل شعث، سلسلة كتب فلسطينية، رقم 36، ص 41، نقلا عن مجلة الحوادث اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ، 25/10/1968).
7 – (عن صحيفة النهار اللبنانية، العدد الصادر بتاريخ 18/10/1968).
8 – (عن صحيفة لوموند الفرنسية، العدد الصادر بتاريخ 5/11/1968).
9 – (عن جريدة الأهرام المصرية نقلا عن وكالة الأسوشيتد برس للأنباء، العدد الصادر بتاريخ 5/11/1968).
10 – (عن صحيفة النهار اللبنانية، العدد الصادر بتاريخ 6/11/1968).
11 – (إن الحديث عن الأجندات الأجنبية بوصفها المحرك للأزمات الداخلية، أو للثورات التي تحدث في الدول العربية، هو أسلوب في ترحيل أسباب الأزمة وتبرئة الأنظمة، اتبع منذ وقت مبكر في السياسات الرسمية العربية، وليس حديثا ارتبط بالثورات الحالية وما قبلها، أو بالأنظمة المعاصرة تحديدا. إنها نوع من أنواع العمل على تخفيف العبء عن النظام وتبرير ممارساته أحيانا، فضلا عن تشتيت الرأي العام الشعبي واستدرار تعاطفه مع النظام ومع ممارساته، بما في هذا الأسلوب أحيانا من حرص على تبرئة النظام من بعض الارتباطات المشبوهة، فالقول مثلا بأن المخابرات الأميركية هي سبب الأزمة يوحي بأن النظام ليس مرتبطا بهذه المخابرات وهكذا دواليك).
12 – (عن صحيفة الثورة السورية، العدد الصادر بتاريخ 6/11/1968).
13 – (عن صحيفتي الثورة والحرية العراقيتين، في عدديهما الصادرين بتاريخ 6/11/1968).
14 – (عن صحيفة الأهرام المصرية، العدد الصادر بتاريخ 5/11/1968، بتصرف من تقرير صحفي بعنوان “محاولة خطيرة لإحداث فتنة في الأردن”).
15 – (كتاب المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني – دراسة تحليلية لهجمة أيلول، إعداد مركز الأبحاث – منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، أيلول 1971، اشترك في الإعداد كل من “خليل هندي” و”فؤاد بوراشي” و”شحادة موسى”، بإشراف د.نبيل شعث، سلسلة كتب فلسطينية، رقم 36، ص 41، نقلا عن مجلة الحوادث اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ، 25/10/1968، نقلا عن صحيفة الأهرام المصرية، العدد الصادر بتاريخ 7/11/1968).
16 – (نؤكد مجددا على وظيفية الدولة الأردنية منذ نشأتها في الأساس، وبالتالي على وظيفية الهوية الأردنية التي حاول الأردنيون مواجهة وظيفيتها بشتى السبل في وقت مبكر من تاريخ القطر الأردني، ولعل مؤتمر “أم قيس” الذي عقد في أوائل عشرينيات القرن الماضي، كان يعمل على تحرير الهوية الأردنية من صهيونيتها وإمبرياليتها ووظيفيتها).
17 – (السبب في أننا نطلق اسم مجازر على أحداث أيلول هو أنها استهدفت فضلا عن المقاومة، المدنيين في المخيمات بلا تفريق بين حامل سلاح وغير حامل للسلاح، ولأنه قتل في هذه المجازر آلاف من المدنيين بشكل ذكرته ووثقته وسائل الإعلام في تلك الفترة بشكل يؤكد على أنها مجازر).
18 – (نشير هنا مجددا إلى قرار فك الارتباط القانوني والإداري بالضفة والذي اتخذ من قبل الملك حسين في عام 1988، بعد أن مهد له الملك حسين بمؤتمر مشبوه لا يمثل الشعب الأردني إطلاقا).
19 – (إننا ننتقد بشدة عقيدة القداسة الممنوحة لفلسطين وللهوية الفلسطينية، لأن هذه العقيدة أساءت للصراع وللقضية سياسيا، وأعمت الأبصار عن البعد السياسي في هذه الهوية. إن من يتعامل مع القضية الفلسطينية ومع الهوية الفلسطينية بقداسة ناظرا إليهما باعتبارهما شهيدتين وضحيتين دائما، سوف يضل الطريق، وسوف لن يرى الحقائق السياسية المتعلقة بها بشكل صحيح، مع توضيح أن الشهادة التي نعنيها ليست ذات بعد ديني بالضرورة، بل هي قداسة وطنية، مع أن الهوية الفلسطينية بعد أيلول وبعد مؤامرة النظام الأردني، هي الهوية التي أساء تَجَسُّدُها للصراع وللقضية وللنهضة وللتحرر حتى الآن. ولا نبالغ إن قلنا أن هذا التَّجَسُّد هو الذي عرقل نهضة الأمة، وقد يقول قائل أن مؤامرات العرب هي التي جعلت الهوية تفقد قيمتها التحريرية، ونحن نقول أن سرقة الهوية الفلسطينية لثورة الشعب الأردني كانت هي أول مؤامرة، وهي التي أتاحت الفرصة للمؤامرات اللاحقة أن تحقق إنجازاتها، وهذه السرقة كانت بمؤامرة من النظام وبانعدام الوعي الإستراتيجي التاريخي من قادة المقاومة آنذاك.. إلخ).
20 – (لماذا نعتبر النظام الأردني في تلك الفترة هو أعتى نظام قطري وظيفي في المنطقة؟ لأنه كان يمثل واجهة الحالة الصهيونية مباشرة، فإذا كانت الدول القُطْرِيَّة كلها وعلى رأسها الخليجية هي نتاج وإنجاز لسايكس بيكو، وهي مرتبطة وجوديا بالحالة الصهيونية، فما لاشك فيه أنها ووجودها مرهونة بقدرة النظام الأردني على إبقاء الحالة الصهيونية محمية، كي لا يتهدد وجود المنظومة القطرية كلها، وبالتالي ومن هذا المنطلق تغدو أهمية النظام القطري الأردني أخطر وأهم من النظام المصري والسعودي نفسها لاعتبارات إستراتيجية).
21 – (لا أحد يستطيع أن ينسى العبارات المدوية والمهينة التي كان يطلقها المذيع المصري المفوه “أحمد سعيد” ضد النظام الأردني بقيادة الملك حسين، إلى درجة أنه لم يكن يتورع عن وصف الملك بأنه “ابن امرأة وألف رجل”).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.