www.omferas.com
شبكة فرسان الثقافة

حتى تستمر الثورة…رؤية للمرحلة الانتقالية/د. علاء عوض

0

أمام الثورة المصرية الآن الكثير من المعضلات التي تحدد مساراتها المستقبلية وإمكانيات تطورها نحو إحداث تغيرات جذرية على المستويات السياسية والاجتماعية بما يتفق مع طموحات واستحقاقات الثورة بالمعنى التاريخي ولا يتوقف عند حدود بعض الإصلاحات السياسية والتشريعية.

د. علاء عوض : حتى تستمر الثورة…رؤية للمرحلة الانتقالية
 | April 15, 2011 |

أمام الثورة المصرية الآن الكثير من المعضلات التي تحدد مساراتها المستقبلية وإمكانيات تطورها نحو إحداث تغيرات جذرية على المستويات السياسية والاجتماعية بما يتفق مع طموحات واستحقاقات الثورة بالمعنى التاريخي ولا يتوقف عند حدود بعض الإصلاحات السياسية والتشريعية. والواقع أن هذه المعضلات باتت ملحة وتناولها بالتحليل والحوار أصبح أمرا ضروريا في لحظة مفصلية وفارقة في تاريخ الوطن . كان الشعار المركزي للثورة قد بدأ في التبلور منذ جمعة الغضب في 28 يناير حين هتفت الجماهير بشكل صريح “الشعب يريد إسقاط النظام”، ومنذ ذلك التاريخ كانت مهمة الإطاحة بمبارك هي الأكثر إلحاحا والأكثر قدرة على التعبئة الجماهيرية في الشارع، ولكن في الوقت نفسه لم يملك الثوار في الشوارع والميادين البديل السياسي الذي سوف يتقدمون به بعد انتصارهم في هذه المهمة.

لم تكن آليات انتقال السلطة واضحة أو متاحة لغياب قيادة فعلية للثورة مكتملة ومتبلورة على المستوى السياسي والتنظيمي، ولم تكن بالقطع آليات انتقال السلطة عبر مسارات دستور مبارك مقبولة من الشارع لأنها ببساطة ستسلم السلطة إلى رئيس مجلس الشعب الفاقد للشرعية والذي تم إنتاجه بأكبر عملية تزوير شهدها التاريخ المصري المعاصر. لم يكن أمام الجماهير الثائرة سوى القبول بسلطة المجلس العسكري الأعلى كبديل انتقالي لسلطة مبارك في ظل غياب المشروع السياسي البديل وعلى خلفية الرسائل التي حاول المجلس أن يرسلها إلى جماهير الثورة والتي يطرح نفسه من خلالها كمدافع عن الثورة ومشارك فيها.

بعد إسقاط مبارك وتولى المجلس العسكري الأعلى السلطة كان من المفترض أن تزدحم أجندة الثورة المصرية بالعديد من الأولويات يكون في صدارتها صنع الآليات السياسية للانتقال إلى ديمقراطية حقيقية ورسم خريطة واضحة للمرحلة الانتقالية لتأمين هذا الانتقال الذي يصطدم بالقطع مع المصالح الاجتماعية والسياسية لنظام مبارك والطبقة الحاكمة. بيد أن ما حدث كان أمرا مختلفا، فقد اتجهت التعبئة الجماهيرية إلى قضايا إقالة الحكومة ومحاكمة رموز الفساد بشكل حصري دون الالتفات إلى قضايا البناء السياسي المستقبلي. ومع قناعتي الكاملة بأهمية ما طرحته الحركة الجماهيرية من مهمات إقالة حكومة شفيق وملاحقة ومحاكمة قيادات النظام ورموزه باعتبار أن هذه المهمات تلعب دورا هاما في تطور الثورة التي تستهدف إسقاط نظام كامل وليس مجرد الإطاحة برأسه، إلا أنى أرى أن غياب الاهتمام بالمشروع السياسي البديل وافتقاد القدرة على صياغته وحشد الجماهير تجاه تحقيقه قد سمح للمجلس العسكري بتمرير استفتاء التعديلات الدستورية وإصدار إعلان دستوري يكرس دستور 1971 ويمنح هذا المجلس صلاحيات تشريعية وتنفيذية غير مسبوقة والبدء في إصدار التشريعات التي تنظم الحياة السياسية مثل قانون الأحزاب السياسية الذي استهدف بالأساس إعاقة تكوين الأحزاب التي تعبر عن القطاعات الفقيرة في المجتمع وقصر حق التمثيل السياسي على أصحاب الثروة ومحاولة إصدار قانون لتجريم حق الإضراب والاعتصام والتظاهر وفض الاعتصامات والإضرابات العمالية والطلابية بالقوة واللجوء إلى محاكمة المدنيين الناشطين والمدونين أمام المحاكم العسكرية. كل هذه الإجراءات المعادية للديمقراطية تم تمريرها في الوقت الذي كان يستجيب فيه المجلس العسكري لمطالب جماهيرية بالتطهير ومحاكمة رؤوس ورموز الفساد.

والأمر الأكثر أهمية هو ما حدث في ميدان التحرير يوم جمعة التطهير في 8 ابريل حين شهد الميدان نزول مجموعة من الضباط بالزى العسكري إلى المظاهرة المليونية، وقد أثار هذا الحدث حالة واسعة من الجدل بين الأطراف السياسية المختلفة، فهناك من اعتبر أن هؤلاء الضباط هم مواطنين بالأساس وأن لهم الحق في المشاركة في الثورة، كما أن الجيش المصري في قوامه الأعظم يتكون من الطبقات الفقيرة والوسطى من الشعب المصري بعد استثناء قياداته بالطبع، وأن هذه التركيبة هي التي خلقت قاسما مشتركا من الإحساس بالقهر الاجتماعي والطبقي والسياسي بين أفراد الشعب وأفراد الجيش وربما كانت هذه الحقيقية هي المعنى الأصيل لشعار الشعب والجيش يد واحدة. على الجانب الآخر هناك من استشعر الخطر من إمكانية حدوث انقسام داخل المؤسسة العسكرية خصوصا في ظل الوضع الإقليمي الملتهب والتهديدات المحتملة شرقا وغربا، ويرى هذا الجانب أن الخلافات داخل هذه المؤسسة لابد أن تتم إدارتها داخل حدودها دون اللجوء للشارع. والواقع أنني لا أهتم كثيرا بمناقشة كلا الرأيين بقدر ما أهتم بقراءة الموقف بصورة مختلفة. أن المجلس العسكري الأعلى يلعب الآن دورا سياسيا ويتمتع بصلاحيات الحكم خلال الفترة الانتقالية ويلعب دورا هاما وربما محوريا في صياغة آليات انتقال السلطة، وبالتالي فان الخلاف السياسي مع المجلس أمر وارد بل وضروري في إطار الحوار الوطني الواسع لصناعة الديمقراطية. وان استمرار هذا الدور هو الذي يسمح بتصدير الخلافات السياسية من الشارع إلى داخل المؤسسة العسكرية، ويصبح المخرج الوحيد لتجنب الانقسام داخل هذه المؤسسة هو ابتعاد المجلس العسكري عن الدور السياسي وتخليه عن الحكم لصالح دوره الأهم كحامي لحدود الوطن ومدافع عن النظام الديمقراطي.

كانت الدعوة إلى مجلس رئاسي لإدارة البلاد هي أحد المطالب الرئيسية للثورة المصرية، ومع رفض المجلس العسكري لهذه الدعوة في الأيام القليلة التي أعقبت الإطاحة بمبارك، توارت هذه الدعوة عن مليونيات التحرير لصالح شعارات أخرى كما ذكرت سالفا. واننى أتصور أن هذا الشعار لابد أن يحتل صدارة المشهد في المرحلة الحالية وأن يتحول إلى شعار مركزي ذو قدرة تعبوية عالية. والواقع أننا هنا أمام إشكالية أساسية تتعلق بتشكيل هذا المجلس ومدى قدرته التمثيلية للقطاعات الشعبية والقوى السياسية المختلفة في المجتمع. قبل 11 فبراير كان الاختيار التوافقي للمجلس هو الشكل المطروح من غالبية القوى السياسية المشاركة في الثورة غير أن الأمر الآن يختلف، فبعد انتصار الثورة الأول بالإطاحة بمبارك تعددت الرؤى والتصورات للمسارات السياسية المقترحة بما يجعل فكرة الاختيار بالتوافق أقرب إلى المستحيل ويطرح مخاوف محاولات الهيمنة السياسية من قبل قوى معينة وتهميش قوى أخرى. البديل عن هذه الفكرة هو انتخاب مجلس مدني من خلال مجموعة من المرشحين على أن تكون آلية التصويت هي اختيار مرشح واحد لكل ناخب ثم يتم إعلان المجلس من خمسة هم الحاصلين على أعلى الأصوات. أتصور أن هذه الطريقة في الاختيار سوف تسمح باختيار مجلس رئاسي يملك درجة عالية من التمثيل الشعبي والسياسي، كم أنه من الضروري أن تكون مهمات هذا المجلس والجدول الزمني للانتقال واضحة ومحددة.

ومن المعضلات الرئيسية أيضا تصور خريطة الانتخابات القادمة وآليات وضع دستور جديد. والحقيقة أنني لا أتصور أن الانتخابات البرلمانية المبكرة ستكون في صالح الانتقال الديمقراطي، ليس من منطق استقراء تركيبة هذا البرلمان القادم في ضوء الأوضاع التنظيمية للقوى السياسية المختلفة، ولكن من منطق آخر وهو أن بناء الهياكل السياسية الحاكمة هو خطوة لاحقة لصناعة تصور الحكم، وان الإسراع بالانتخابات دون الوصول إلى الصياغة الدستورية الكاملة لمؤسسات الحكم هو بمثابة وضع العربة أمام الحصان وهو أيضا محاولة لتكريس أشكال حكم نظام مبارك ولو برموز وشخوص مختلفة. إن الديمقراطية لا تقف عند حدود انتخاب الممثلين البرلمانيين ولكنها في جوهرها هي إتاحة القدر الأوسع من المشاركة الشعبية الكاملة في صناعة القرار وآليات الرقابة والمتابعة للإدارة، وبالتالي فان إعادة صياغة النظام السياسي وآلة الحكم هي المهمة الأكثر إلحاحا في تلك المرحلة، وهذه المهمة تتطلب في أولوياتها صياغة دستور جديد للبلاد بجمعية تأسيسية ذات قدرة تمثيلية عالية. وإذا اتفقنا أن الدستور هو الإطار الجامع لكل قطاعات المجتمع والذي يشكل عقدا اجتماعيا يقوم على حالة من التوافق بين كل الشعب بكل طوائفه، فلابد أن نتفق على صيغة انتخابية تعتمد على قواعد جغرافية ونوعية بما يسمح بتمثيل حقيقي لكل الطبقات والشرائح الاجتماعية من عمال وفلاحين ومهنيين وأساتذة جامعات ومثقفين وفنانين كما تسمح أيضا بتمثيل حقيقي للمرأة والأقباط والأقاليم ذات الطابع الخاص للمشكلات الاجتماعية مثل النوبة وسيناء، وعلى صعيد القوى السياسية لابد أيضا من التوصل إلى صيغ تسمح التمثيل المتكافئ لها. هذا هو المخرج الوحيد من مستنقع الدكتاتورية إلى واحة الديمقراطية بمعناها السياسي والاجتماعي.

وإزاء كل هذه المهمات هناك تحديات الحريات السياسية والمدنية والنقابية التي تشكل الإطار الوحيد الذي يسمح بمرحلة انتقالية قادرة على انجاز مهمات الثورة، وبالتالي فهناك ضرورات ملحة لإصدار تشريعات سريعة فيما يتعلق بمباشرة الحقوق السياسية بما يتيح الفرصة الأوسع لحقوق التنظيم المستقل وإصدار الصحف والمطبوعات وتكريس حقوق الإضراب والاعتصام والتظاهر. هناك ضرورات لإسقاط قانون الأحزاب الجديد وإعلان الحزب بالإخطار دون حد أدنى للمؤسسين ودون تحميل الحزب تلك التكلفة المالية الباهظة مثل إصدار خمسة آلاف توكيل وتكلفة الإعلان في صحيفتين من الصحف واسعة الانتشار، ودون الحاجة إلى موافقة أي لجنة. هناك أيضا ضرورات لإصدار قانون جديد للنقابات يسمح بالحرية والتعددية النقابية وكذلك قانون جديد لمنظمات المجتمع المدني. هذه الضرورات السياسية هي أحد أهم أركان المرحلة الانتقالية وهى التي تسمح بحالة واسعة من الجدل السياسي داخل المجتمع وتعمق مفاهيم الديمقراطية وتضع لبناتها الأولى. وعلى صعيد آخر، فلا يمكن فهم إطار سياسي ديمقراطي بمعزل عن العدل الاجتماعي، ويستطيع أي مراقب أن يرصد تصاعد موجات الإضرابات والاحتجاجات العمالية في الشهور الماضية والتي تقوم في مجملها في مواجهة هيكل مختل للأجور وسياسات عمل جائرة. هناك احتياج ملح لوضع هيكل متكامل وعادل للأجور يقوم على وحدة الأجر الشامل بدلا من تفتيته على النحو القائم حاليا ويتضمن حد أدنى وحد أقصى للأجور وهناك أيضا احتياج إلى توحيد أشكال العمالة في الجهاز الإداري للدولة والتخلي عن سياسات العمالة المؤقتة واليومية. هذه الإجراءات وغيرها من التعديلات التشريعية المطلوبة جماهيريا مثل قوانين الجامعات والمؤسسات الصحفيةغإأأأأأأ هي أيضا من الأركان الهامة للمرحلة الانتقالية.

نحن أمام مرحلة فارقة، أما أن تستمر الثورة في مسيرتها نحو انجازات أكثر عمقا وتغييرات جذرية، وأما الارتداد خلفا إلى نظام القهر السياسي والاستبداد البوليسي والقهر الاجتماعي والنهب والفساد. الخيارات الآن لابد أن تكون حاسمة وحازمة ولا مجال للحلول الوسط أو التنازلات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.