يعيش المسلمون جحيما حقيقيا، حيث تتعامل الطغمة العسكرية الحاكمة معهموكأنهم وباء لا بد من استئصاله من كل بورما، فما من قرية يتم القضاء على المسلمين فيها؛حتى يسارع النظام العسكري الحاكم بوضع لوحات على بوابات هذه القرى، تشير إلى أن هذهالقرية خالية من المسلمين، قرى بأكملها أحرقت أو دمرت فوق رؤوس أهلها،
بورما القضيةالمنسية من العالم الاسلامي
الدكتور عادل عامر
يعيش المسلمون جحيما حقيقيا، حيث تتعامل الطغمة العسكرية الحاكمة معهموكأنهم وباء لا بد من استئصاله من كل بورما، فما من قرية يتم القضاء على المسلمين فيها؛حتى يسارع النظام العسكري الحاكم بوضع لوحات على بوابات هذه القرى، تشير إلى أن هذهالقرية خالية من المسلمين، قرى بأكملها أحرقت أو دمرت فوق رؤوس أهلها، لاحقوا حتى الذينتمكنوا من الهرب في الغابات أو إلى الشواطئ للهروب عبر البحر، وقتلوا العديد منهم،وكانوا يدفنون الضحايا في طين البحر وأدا للفضيحة. ومن استعصى عليهم قتله ولم يتمكنمن الهرب ورأوا أن لهم حاجة به، فقد أقيمت لهم تجمعات، كي يقتلونهم فيها ببطء وبكلسادية، تجمعات لا يعرف ما الذي يجري فيها تماما، فلا الهيئات الدولية ولا الجمعياتالخيرية ولا وسائل الإعلام يسمح لها بالاقتراب من هذه التجمعات، وما عرف حتى الآن أنهممستعبدون بالكامل لدى الجيش البورمي ؛ كبارا وصغارا، حيث يجبرون على الأعمال الشاقةودون مقابل، أما المسلمات فهن مشاعا للجيش البورمي؛ حيث يتعرضن للاغتصاب في أبشع صوره،امرأة مسلمة ظل الجيش يغتصبها لمدة سبع سنوات وأنجبت ستة أطفال لا تعرف أبا لهم، بعدأن قتل الجيش زوجها؛ لأن شوال أرز سقط من على ظهره، وامرأة مسلمة حامل ذهبت لمركز للطعامتابع للأمم المتحدة، فعاقبها الجيش باغتصابها حتى أسقطت حملها في مكان الجريمة .. ومليارمسلم يتفرج.أعادت الأحداث الدامية الأخيرة التي تعرض لها المسلمون في إقليم أراكانالمسلم في بورما مآسي الاضطهاد والقتل والتشريد التي كابدها أبناء ذلك الإقليم المسلممنذ 60 عامًا على يد الجماعة البوذية الدينية المتطرفة (الماغ) بدعم ومباركة من الأنظمةالبوذية الدكتاتورية في بورما، حيث أذاقوا المسلمين الويلات وأبادوا أبنائهم وهجروهمقسرًا من أرضهم وديارهم وسط غيابٍ تامّ للإعلام أن ذاك إلا في القليل النادر. فمنذحوالي أسبوع يعيش مسلمو ولاية آراكان الواقعة في غرب بورما أوضاعا مأساوية، بعدما تحولتالمواجهات التي يشهدها الإقليم إلى حرب شاملة ضد المسلمين في بورما، فقبل عدة أيامقتل عشرة من دعاة بورما المسلمين لدى عودتهم من العمرة على يد مجموعات بوذية، قامتبضربهم حتى الموت وذلك بعدما اتهمتهم الغوغاء ظلما بالوقوف وراء مقتل شابة بوذية. ومنذ ذلك الحين تجوب مجموعات مسلحة بالسكاكين وعصي الخيزران المسنونةالعديد من مناطق وبلدات ولاية أراكان، تقتل كل من يواجهها من المسلمين وتحرق وتدمرمئات المنازل، وخاصة في منطقة (مونغاناو) في شمال الولاية، إضافة لمدينة (سيتوي) عاصمةولاية أراكان. وتعتبر ولاية أراكان (والتي هي عبارة عنشريط ترابي ضيق يقع على خليج البنغال) همزة الوصل بين آسيا المسلمة والهندوسية وآسياالبوذية، حيث يكاد يكون من شبه المستحيل التعايش بين أغلبية بوذية (الراخين) وأقليةمسلمة مضطهدة (روهينج ياس). كما تعتبر الأقلية المسلمة في بورما بحسب الأمم المتحدة أكثر الأقلياتفي العالم اضطهادا ومعاناة وتعرضا للظلم الممنهج من الأنظمة المتعاقبة في بورما.
جذور المأساة:
يبلغ عدد سكان بورما أكثر من 50 مليون نسمة، منهم 15% مسلمون، حيث يتركزنصفُهم في إقليم أراكان ـ ذي الأغلبية المسلمة- وقد وصل الإسلام إلى أراكان في القرنالسابع الميلادي، وأصبحت أراكان دولة مسلمة مستقلة، حتى قام باحتلالها الملك البوذيالبورمي (بوداباي)، في عام 1784م وضم الإقليم إلى بورما خوفًا من انتشار الإسلام فيالمنطقة، وعاث في الأرض فسادًا فدمر كثيرًا من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتلالعلماء والدعاة. ومنذ تلك الحقبة، والمسلمون يتعرضون لكافة أنواع التضييق التنكيلوالإبادة، ففي عام 1942م تعرض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين الماغبعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل البوذيين البورمان والمستعمرين وغيرهم، راحضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم، أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردت مئات الآلافخارج الوطن، ومن شدة قسوتها وفظاعتها لا يزال الناس -وخاصة كبار السن- يذكرون مآسيهاحتى الآن. كما تعرض المسلمون للطرد الجماعي المتكررخارج الوطن بين أعوام 1962م و1991م حيث طرد قرابة المليون ونصف المليون مسلم إلى بنغلادشفي أوضاع قاسية جدًا. ولا يزال مسلمو أراكان يتعرضون في كل حينلكل أنواع الظلم والاضطهاد من القتل والتهجير والتشريد والتضييق الاقتصادي والثقافيومصادرة أراضيهم، بل مصادرة مواطنتهم بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكلوذلك لإذلالهم وإبقائهم ضعفها فقراء وإجبارهم على الرحيل من ديارهم.
بداية المأساة الجديدة:
مع حلول الديمقراطية في ميانمار (بورما) حصلت ولاية أراكان ذات الأغلبيةالماغيّة على 36 مقعدًا في البرلمان، أعطي منها 43 مقعدًا للبوذيين الماغين و3 مقاعدفقط للمسلمين، ولكن وبالرغم هذه المشاركة من المسلمين الروهنجيين لم تعترف الحكومةالديمقراطية التي ما زالت في قبضة العسكريين الفاشيين بالعرقية الروهنجيّة إلى الآنرغم المطالبات الدولية المستمرّة. وقبل انفجار الأزمة في 18/7/1433هـ الموافق8/6/2012م بأيام، أعلنت الحكومة الميانمارية البورمية بأنّها ستمنح بطاقة المواطنةللروهنجيين في أراكان فكان هذا الإعلان بالنسبة للماغين بمثابة صفعة على وجوههم، فهميدركون تمامًا معنى ذلك وتأثيره على نتائج التصويت -في ظلّ الحكومة الجمهورية الوليدة-ويعرفون أن هذا القرار من شأنه أن يؤثر في انتشار الإسلام في أراكان، حيث أنّ الماغينيحلمون بأن تكون أراكان منطقة خاصة بهم لا يسكنها غيرهم. بدأ الماغيون بعد ذلك يخططون لإحداث أي فوضى في صفوف المسلمين، ليكونذلك مبرّرًا لهم لتغيير موقف الحكومة تجاه المسلمين الروهنجيين فيصوروهم على أنهم إرهابيونودخلاء، ويتوقف قرار الاعتراف بهم أو يتم تأجيله، وأيضًا لخلق فرصة لإبادة الشعب الروهنجيالمسلم مع غياب الإعلام الخارجي كلّيًّا، وسيطرة الماغين على مقاليد الأمور في ولايةأراكان.
البداية المفبركة:
عمد الماغيون في بلدة تاس ونجوك البوذيّة التي يندر وجود المسلمين فيها،والواقعة في الطريق المؤدّي إلى العاصمة رانغون برصد تحركات المسلمين، فاتجهت -قدرًا-حافلة تقلّ مجموعة من العلماء والدعاة المسلمين منهم من عاصمة بورما (رانغون) ومن عاصمةولاية أراكان (إكياب-سيتوي) وحين وصلوا إلى البلدة المذكورة هاجمهم مجموعة من الماغيينالبوذيين وأمسكوا بهم، فوقعت المأساة والمذبحة البشعة فاجتمع على ضربهم وقتلهم قرابةالـ 466 من الماغيين الحاقدين في صورة تنعدم عندها كلّ معاني الإنسانيّة. والمتأمللصور شهداء المذبحة يدرك تمامًا أن هؤلاء الدعاة رحمهم الله تمّ ربط أيديهم وأرجلهم،ثمّ انهال الجميع بضربهم ضربًا مبرحًا بالعصي على وجوههم ورؤوسهم. فلا ترى إلاّ وجوهًامحتقنة بالدماء والنزيف الداخلي للدماغ والوجه واضح جدًّا، وقد فقئت أعينهم وكسرت جماجمهموخرجت أدمغتهم.. وسحبت ألسنتهم فلا يعلم إلاّ الله كم عانوا من الألم قبل أن تخرج أرواحهم..
التبرير الساذج للمذبحة:
وحتّى يثير الماغيون الفتنة، ويخلقوا موقفًا للتبرير جريمتهم ادّعوا أنّهمفعلوا ذلك انتقامًا لمقتل فتاة بوذيّة زعموا أن أحد المسلمين اغتصابها وقتلها، مع العلمبأنّ حادثة الفتاة -إن صدقوا فيها- فقد حصلت في بلدة يندر فيها وجود المسلمون، كماأن هؤلاء الدعاة ليسوا من تلك البلدة وإنّما كانوا مارّين بها إضافة إلى أنهم مواطنونأصليون من العاصمة رانغون وليسوا من مقاطعات أراكان ويتكلمون لغة الماغ بطلاقة وهممن كبار السنّ وقد علاهم الشيب وغطّت وجوههم اللحى.
موقف الحكومة:
وبالطبع كان موقف الحكومة مخجلًا ومتواطئًا مع البوذيين ضدّ المسلمين،حيث قامت بالقبض على 4 من المسلمين بدعوى الاشتباه بهم في قضية الفتاة، وتركوا الـ466الذين شاركوا في قتل هؤلاء الأبرياء، مما يوضح بجلاء أنّ القضيّة ليست قضيّة فتاة،إنما هي دعوى ترويجيّة لإحداث الفوضى وإبادة المسلمين بمباركة من الحكومة وإعادة ماحصل قبل ستة عقود.
تطورات القضيّة:
وفي يوم الجمعة 19/7/1433هـ الموافق 3/6/2012م يوم اندلاع الثورة أحاطالجيش والشرطة البوذيّة بشوارع المسلمين تحسّبًا لأيّ عملية مظاهرات وشغب في أراكانوبالتحديد في (مانغدو) ومنعوا المصلين من الخروج دفعةً واحدة، وأثناء خروجهم قامواالرهبان البوذيين الماغ برمي الحجارة على المسلمين حتى أصيب عدد منهم، فثار المسلمونوقاموا بردة فعل، وقد احتقنت النفوس على قتل الدعاة العشرة وضياع حقوقهم طيلة العقودالماضية، فقاموا بأعمال شغب.. وهذه الفرصة التي كان ينتظرها (الماغ) ليردّوا عليهابإبادة شعب طال تخطيطهم لها، وبعدها تدخّل الجيش والتزم المسلمون بالتهدئة ورجعوا لمنازلهم،وتمّ فرض حظر التجوّل على الطرفين فتمّت محاصرة أحياء الروهنجيين المسلمين حصارًا محكمًامن قبل الشرطة البوذية الماغيّة، وفي المقابل ترك الحبل على الغارب للماغ البوذيينيعيثون في الأرض الفساد، ويزحفون على قرى ومنازل المسلمين بالسواطير والسيوف والسكاكين،فبدأت حملة الإبادة المنظمة ضدّ المسلمين والتي شارك فيها حتّى كبار السن والنساء أمّا المسلمون العزّل فكلّ ما كان يحملونه عند ثورتهم بعد الجمعة مجرّدعصيّ وأخشاب لدى بعضهم، وهكذا بدأ القتل في المسلمين وحرق أحياء وقرى كاملة للمسلمينبمرأى من الشرطة الماغية البوذية وأمام صمت الحكومة التي اكتفت ببعض النداءات لتهدئةالأوضاع. تشهد بورما المعروفة بـ”ميانمار”وهي إحدى دول جنوب شرق آسيا منذ أسابيع، عدة خطوات إصلاحية من جانب المجموعة العسكريةالحاكمة؛ لإظهار تخفيف قبضتها على البلد ذي التنوع العرقي الكبير، والذي يضم ثلاثةملايين مسلم على الأقل تم اضطهادهم وتشريد مئات الآلاف منهم على مدار ستة عقود.
فعلى المستوى السياسي: زار البلاد خلال الشهر الماضي كل من وزير خارجيةالولايات المتحدة وبريطانيا، في زيارتين تاريخيتين، والتقت “هيلاري كلينتون”بزعماء الأقليات البورمية، ومن بينهم ممثلون لعرقية “روهينجيا” المسلمة الذينيتمركزون في إقليم “أراكان”، كما تم الإعلان عن إجراء انتخابات برلمانيةفي إبريل المقبل، وعقد سفير الصين لدى بورما اجتماعًا نادرًا مع الناشطة السياسية”أونج سان سوكي” وهي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، والأمين العام للرابطةالوطنية من أجل الديمقراطية، وهي أهم أحزاب المعارضة في بورما. وعلى مستوى الحريات:فقد تم الإفراج عن مجموعة من المعتقلين السياسيين، وتخفيف الرقابة نسبيًّا، ورفع الإقامةالجبرية عن الناشطة السياسية “أونج سان سوكي”، كما تم التوقيع يوم الخميسالماضي على اتفاق لوقف إطلاق النار مع متمردين من أقلية “الكارين”، وذلكفي محاولات حكومية لإنهاء واحد من أطول الصراعات في العالم. وتأتي تلك الخطوات المحدودةلرفع العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة على بورما منذ نحو20 عامًا، حيث اشترطت تلك الدول أربعة شروط لمراجعة الموقف من العقوبات، وهي الإفراجعن المعتقلين السياسيين والبالغ عددهم 1700 على الأقل، ووقف انتهاكات حقوق الإنسانمن قبل الجيش، وبذل جهود لحل الصراعات العرقية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. وفي خضم هذا التطور الحقوقي في بلد عانى لأكثر من ستة عقود من القهر والاستبدادتطفو على السطح مطالبات لوقف معاناة مسلمي بورما، الذين تعرضوا لألوان مريعة من الانتهاكات،دون أن يجدوا من يتبنى قضيتهم.
—
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسيةوالقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهدالعربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
محمول
01002884967
الدكتور عادل عامر