ربما لم يشهد تاريخ توثيق جرائم الحروب هذا الكم الهائل من الوثائق السرية العسكرية المسربة كالتي تجرأ موقع ويكيليكس على نشرها دون خوف من المتهمين أنفسهم، وبغض النظر عما قيل وما سيقال حول هذه الوثائق الخطيرة جداً والمعروفة وقائعها وحقائقها نشرت أم لا
مقال: أين جرائم الموساد في وثائق ويكيليكس؟ – بقلم: د. إبراهيم زعير
ربما لم يشهد تاريخ توثيق جرائم الحروب هذا الكم الهائل من الوثائق السرية العسكرية المسربة كالتي تجرأ موقع ويكيليكس على نشرها دون خوف من المتهمين أنفسهم، وبغض النظر عما قيل وما سيقال حول هذه الوثائق الخطيرة جداً والمعروفة وقائعها وحقائقها نشرت أم لا
ولكن قيمتها الفعلية أنها موثقة بدقة متناهية من قبل من ارتكب الجرائم نفسه وهو المحتل الأميركي البريطاني للعراق، وهو استمرار لما نشر سابقاً من وقائع على نفس الموقع حول الجرائم الأطلسية والأميركية في أفغانستان.
صحيح أن صاحب الموقع الأسترالي الجنسية جوليان أسانغ تعرض لهجوم غير مسبوق من قبل أقطاب الإدارة الأميركية غيتس وكلينتون ومن قبل الاستخبارات المركزية التي وصفته «بأن يديه تتلطخان بالدماء جراء الخطر الذي يترتب على عمله» إلا أن أسانغ رد بأن هدفه من نشر هذه الوثائق هو وضع حد للحرب القذرة في العراق وأفغانستان التي يذهب ضحيتها مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء الذين يشكلون 80 في المئة من ضحايا الحرب.
واعتبرت الإدارة الأميركية أن نشر هذه الوثائق يهدد سلامة الجيش الأميركي ومخبريه إن كان في أفغانستان أو العراق حيث يوجد -حسب إحدى الوثائق المنشورة- حوالي 60 ألف عميل يتلقون الأجور المناسبة لقاء عمالتهم للمحتل الأميركي في العراق لوحده.
ولسنا بصدد مناقشة لماذا صدرت الوثائق في هذا الوقت بالذات أو غير ذلك، المهم أن ما كان معروفاً من ارتكاب قوات الاحتلال الأميركي من مجازر وإبادة جماعية واغتيالات وتصفيات بات معروفاً للعالم أجمع وللرأي العام العالمي الذي لم يعد مقبولاً أن يقف مكتوف الأيدي حيال ما يعانيه الشعب العراقي والأفغاني من انتهاكات لأبسط حقوق الإنسان.
وجل ما نود طرحه على موقع ويكيليكس لماذا تغاضى عما يقوم به الموساد الإسرائيلي من جرائم بحق الشعب العراقي إلى جانب قوات الاحتلال؟ولماذا لم يذكر مقتل نحو 600 عالم عراقي على يد الموساد الإسرائيلي بالتعاون مع جنود الاحتلال الأميركي وارغام الآلاف الأخرى من العلماء على الهروب خارج العراق خوفاً من التعرض للاغتيالات والتصفيات وأخيراً لماذا لم يذكر السرقات الفاضحة التي قام بها الموساد الإسرائيلي لأوابد الشعب العراقي وتراثه الغني الذي يشكل جزءاً من حضارة العراق وهويته وتاريخه المجيد.
ربما لم يحصل حتى الآن على الوثائق الدامغة بهذا الشأن؟ وربما يخشى صاحب الموقع من الاقتراب من الجرائم الصهيونية في العراق وداخل فلسطين؟! كل شيء وارد ولكن أليس مثل هذه الوثائق المهمة والخطيرة أقل بكثير مما هو واقع، نعم أقل بكثير، فالواقع أكثر فظاعة ووحشية إلا أن «ويكيليكس» فضح الجوهر المتوحش للمحتل الأميركي البرّيطاني للعراق وأفغانستان وبين ما هي حقيقة «الحضارة» والحرية والديمقراطية التي يتبجح المحتلون بحملها للعراق.
فتحت شعاراتها قتل الملايين وشرد الملايين وحان الوقت لرحيل المحتل عن أرض الرافدين الطيبة وتركها لأهلها القادرين على إيجاد الحلول لجميع مشكلاتها التي أججها المحتل الأميركي فهو الذي زرع بذور الفتنة الطائفية والعرقية في العراق منذ اليوم الأول لتدنيس أرض العراق، وهو الذي قسم العراق على أرض الواقع على أساس ديني وقومي، وهو الذي يمارس سياسة «فرق تسد» السيئة الصيت المعهودة لجميع المستعمرين.
ولن نفترض أن نشر وثائق ويكيليكس بعيدة عن رغبة إدارة أوباما، في مساعيه للخروج من العراق وتوجيه ضربة للجمهوريين الذين يهددونه بالفوز في الانتخابات النصفية القادمة والعودة إلى صدارة السياسة الأميركية البوشية للمحافظين الجدد، التي لطخت سمعة أميركا بالوحل في جميع أنحاء العالم.؛ فمثل هذه الوثائق تخدم بشكل أو بآخر مشروع أوباما بالهروب من العراق وأفغانستان بعد أن ضمن استمرار النفوذ الأميركي والهيمنة الأميركية على خيرات وثروات العراق وكذلك في أفغانستان، وإذا كان كذلك فإن أوباما يرتكب نفس خطأ بوش القاتل لأن المقاومة التي أفشلت المشروع الأميركي الصهيوني في الشرق الأوسط هي التي أرغمت بوش على الرحيل وسترغم المحتل الأميركي وعملاءه على ترك العراق مكرهين.
فبعد هذه الوثائق (الفضيحة) لابد من ترك العراق ومعاقبة المجرمين من مسؤولين وعسكريين ورجال الاستخبارات الأميركية الملطخة أياديهم بدماء الأبرياء.
ذات يوم كتب ماركس، على أوروبا المتوحشة وآسيا المتحضرة فاضحاً جوهر الحضارة الغربية الانكليزية التي قامت على أشلاء ودماء الشعوب المستعمرة.
واصفاً إياها بـ «الحضارة» المتوحشة والشعوب التي يصفها المستعمرون الانكليز بالهمجية هي أكثر حضارة وإنسانية من المستعمرين الذين ارتكبوا أفظع الجرائم بحق الشعوب الآسيوية.
فكم كان ماركس على حق ولو كان يعيش حتى الآن لكرر نفس مقولته «أميركا الهمجية» والعراق المتحضر.
الثورة